11 نوفمبر 2024
تلك السوق المفتوحة
في غضون سنوات قليلة، أصبح الدكتور فيل، الطبيب النفسي غير التقليدي الشهير، والنجم التلفزيوني اللامع، وجها مألوفا في غرف معيشة الناس في شتى القارات والعواصم، لا سيما في العالم العربي، قبل أن توقف قناة mbc عرضه، إثر احتجاجات واسعة، بعد أن استضاف فتاة أميركية تحب شابا عربيا، معتبرا إياها حالة شاذّة تستدعي العلاج، أسوة بأوبرا وينفري، أيقونة الإعلام الأميركي، وقد سطع نجمه في تقديم فقرة في برنامجها الحواري ذائع الصيت. حقق الرجل أعلى نسب مشاهدة، بحسب استطلاعات الرأي، كما بات من المألوف الاستشهاد بأفكاره وطريقة معالجته المشكلات النفسية، والاختبارات التي قدمها على الشاشة، ضمن رؤية إخراجية رشيقة، تعتمد الإثارة والتشويق في برنامجه الحواري الشهير الذي حمل اسمه، ورشح لجائزة إيمي التلفزيونية أربع مرات على التوالي.
معتمدا الحبكة الدرامية الحيوية في أسلوب العرض، حيث يستضيف أطراف المشكلة، وأصحاب الحالات النفسية الحادة، ويعرض على جمهور المشاهدين بانفتاح ووضوح كثيرين تفاصيل الحالات وملابساتها، مستعينا بخبراء مختصين عديدين، في محاولة لمساعدة الشخص المصاب في التخلص من متاعبه. وفي كل الحالات، يبدو فيل منفعلا وحميما وحقيقيا في تعاطيه مع ضيوفه الذين يتقبلون آراءه، على قسوتها أحيانا، باستسلام كبير.
اللافت في عرض الدكتور فيل ثيمات البساطة والصراحة المتناهية التي يقدم فيها الشخص على كشف واقعه القاسي والمخجل في أحيان كثيرة، ولطالما ذهب الرجل بعيدا في الخوض في قضايا تدخل ضمن المحظورات، مثل التحرّش بالأطفال والآفات الاجتماعية الخطيرة، مثل الإدمان والعنف الأسري والانحرافات المسلكية الكثيرة.
ولا يملك من يتابع الحلقات إلا الإعجاب بهذا المستوى المتقدم من صناعة الإعلام المثمر، والقريب من هموم الإنسانية جمعاء. وعلى الرغم من فداحة الحالات التي يواجهها، يستطيع هذا الإعلامي المحترف المتمكّن من صنعته أن يضبط مزاجه الشخصي، وخلفيته المسيحية المحافظة التقليدية نوعا ما، ولا يعطي نفسه الحق بإطلاق أحكام أخلاقية على أيٍّ كان.
ويمكن القول إن هذا البرنامج حقق أطراف المعادلة الإعلامية بنجاح منقطع النظير، كونه يجني نسبة أرباح هائلة، نتيجة الإقبال الإعلاني الكثيف الذي لا يتعارض مع جودة المضمون وجدّيته في آن، حيث يقدم اقتراحات ونصائح وحلولا لمشكلات اجتماعية ونفسية، يعاني منها كثيرون منا، مثل حالات الكآبة والتراجع وأزمات منتصف العمر، والتعامل مع مشكلة وجود أطفال معاقين في العائلة. كما يحاول البرنامج التركيز على قضايا المرأة وهمومها، والاشتغال على الجانب الأكثر عمقا في الشخصية. ويصر فيل في اقتراحاته لحل المشكلات على ضرورة القبول بالذات والتصالح معها، وإتقان مهارات التفكير الإيجابي التي تجعل المرء متمكّنا من ذاته، متصالحا معها، ساعيا إلى تطويرها.
ويحظى فيل بشعبية واسعة في أوساط النساء، لأنه لا يخفي انحيازا وتفهما لعوالمهن الخاصة، وتعاطفا مع متاعبهن الكثيرة، إذ يدللهن، ويتعامل معهن بأبوة دافئة، ويبدي تقديراً كثيرا للأدوار المحورية التي تلعبها المرأة في نطاق أسرتها ومحيط عملها، ولا يتوانى عن تقريع الرجال، حيث يبدو تقصيرهم وتكاسلهم جليا في حالاتٍ كثيرة! وحين نتابع سيل البرامج العربية في الفضائيات القائمة على السطو على الأفكار والتقليد الأبله لكل ما تنتجه قريحة الغرب من عجائب وغرائب، لا سيما برامج تلفزيون الواقع، بما تتضمنه، في بعض الأحيان من ترهات وتزييف وتسطيح، نتساءل بحسرة: متى سيتطور إعلامنا العربي باتجاه ابتكار مضامين جادة ومقنعة ومؤثرة في وجدان الأجيال الجديدة.
وإذا كان لا مناص من الاتكاء على منجز الغرب في هذا السياق، فلا بد من غربلة ما يردنا من تلك السوق المفتوحة، ولا بد من كوابح. وبالتأكيد، ليس كل ما ينتجه الغرب رديئا، كما يحلو لبعضهم أن يطرح، بل ثمة برامج كثيرة قيمة ذات مضامين جادة، وتساهم في إثراء المعرفة والاطلاع.
لعل برنامج الدكتور فيل نموذج مضيء في صناعة الإعلام، من شأنه أن يساهم في تسليط الضوء على الأوجاع النفسية والصعوبات الاجتماعية، بما يؤكد وحدة هموم الإنسانية وتشابهها، بغض النظر عن اعتبارات الجغرافيا.
معتمدا الحبكة الدرامية الحيوية في أسلوب العرض، حيث يستضيف أطراف المشكلة، وأصحاب الحالات النفسية الحادة، ويعرض على جمهور المشاهدين بانفتاح ووضوح كثيرين تفاصيل الحالات وملابساتها، مستعينا بخبراء مختصين عديدين، في محاولة لمساعدة الشخص المصاب في التخلص من متاعبه. وفي كل الحالات، يبدو فيل منفعلا وحميما وحقيقيا في تعاطيه مع ضيوفه الذين يتقبلون آراءه، على قسوتها أحيانا، باستسلام كبير.
اللافت في عرض الدكتور فيل ثيمات البساطة والصراحة المتناهية التي يقدم فيها الشخص على كشف واقعه القاسي والمخجل في أحيان كثيرة، ولطالما ذهب الرجل بعيدا في الخوض في قضايا تدخل ضمن المحظورات، مثل التحرّش بالأطفال والآفات الاجتماعية الخطيرة، مثل الإدمان والعنف الأسري والانحرافات المسلكية الكثيرة.
ولا يملك من يتابع الحلقات إلا الإعجاب بهذا المستوى المتقدم من صناعة الإعلام المثمر، والقريب من هموم الإنسانية جمعاء. وعلى الرغم من فداحة الحالات التي يواجهها، يستطيع هذا الإعلامي المحترف المتمكّن من صنعته أن يضبط مزاجه الشخصي، وخلفيته المسيحية المحافظة التقليدية نوعا ما، ولا يعطي نفسه الحق بإطلاق أحكام أخلاقية على أيٍّ كان.
ويمكن القول إن هذا البرنامج حقق أطراف المعادلة الإعلامية بنجاح منقطع النظير، كونه يجني نسبة أرباح هائلة، نتيجة الإقبال الإعلاني الكثيف الذي لا يتعارض مع جودة المضمون وجدّيته في آن، حيث يقدم اقتراحات ونصائح وحلولا لمشكلات اجتماعية ونفسية، يعاني منها كثيرون منا، مثل حالات الكآبة والتراجع وأزمات منتصف العمر، والتعامل مع مشكلة وجود أطفال معاقين في العائلة. كما يحاول البرنامج التركيز على قضايا المرأة وهمومها، والاشتغال على الجانب الأكثر عمقا في الشخصية. ويصر فيل في اقتراحاته لحل المشكلات على ضرورة القبول بالذات والتصالح معها، وإتقان مهارات التفكير الإيجابي التي تجعل المرء متمكّنا من ذاته، متصالحا معها، ساعيا إلى تطويرها.
ويحظى فيل بشعبية واسعة في أوساط النساء، لأنه لا يخفي انحيازا وتفهما لعوالمهن الخاصة، وتعاطفا مع متاعبهن الكثيرة، إذ يدللهن، ويتعامل معهن بأبوة دافئة، ويبدي تقديراً كثيرا للأدوار المحورية التي تلعبها المرأة في نطاق أسرتها ومحيط عملها، ولا يتوانى عن تقريع الرجال، حيث يبدو تقصيرهم وتكاسلهم جليا في حالاتٍ كثيرة! وحين نتابع سيل البرامج العربية في الفضائيات القائمة على السطو على الأفكار والتقليد الأبله لكل ما تنتجه قريحة الغرب من عجائب وغرائب، لا سيما برامج تلفزيون الواقع، بما تتضمنه، في بعض الأحيان من ترهات وتزييف وتسطيح، نتساءل بحسرة: متى سيتطور إعلامنا العربي باتجاه ابتكار مضامين جادة ومقنعة ومؤثرة في وجدان الأجيال الجديدة.
وإذا كان لا مناص من الاتكاء على منجز الغرب في هذا السياق، فلا بد من غربلة ما يردنا من تلك السوق المفتوحة، ولا بد من كوابح. وبالتأكيد، ليس كل ما ينتجه الغرب رديئا، كما يحلو لبعضهم أن يطرح، بل ثمة برامج كثيرة قيمة ذات مضامين جادة، وتساهم في إثراء المعرفة والاطلاع.
لعل برنامج الدكتور فيل نموذج مضيء في صناعة الإعلام، من شأنه أن يساهم في تسليط الضوء على الأوجاع النفسية والصعوبات الاجتماعية، بما يؤكد وحدة هموم الإنسانية وتشابهها، بغض النظر عن اعتبارات الجغرافيا.