تلفزيون "المستقبل" اللبناني... محتوى الماضي كأسلوب للبقاء

28 مارس 2020
قدم "الليل المفتوح" حلقة بجزأين للفنانة صباح (فرانس برس)
+ الخط -


سلسلةٌ من العثرات عاشها تلفزيون "المستقبل" اللبناني، الذي أسَّسه رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري في منتصف التسعينيات من القرن الماضي. أراد الحريري تغذية نفوذه السياسي في البلاد عبر محطّة جديدة، ففتح بابها للخبرات غير التقليدية التي بدأت تشق طريقها ما بعد الحرب اللبنانية، بعدما تكفل بتمويل المحطة.

تناوبت على قيادة تلفزيون "المستقبل" مجموعة من المختصّين في المجال الإعلامي، نذكر منهم علي جابر، الذي قلب مفاهيم "عتيقة" على الشاشة، واستطاع كسر طوق الحصرية الذي احتكرته محطَّة لبنانية سبقت "المستقبل" بسنوات، وهي LBCI. لكن فرادة تلفزيون "المستقبل" اهتزت بعد سنوات من التأسيس، وتحول رفيق الحريري إلى قابض على جمرة نار، بسبب الفساد الذي عاث في المؤسسة، ما دفع إلى انهيارها بعد 14 عامًا من رحيله، وفشل نجله الرئيس سعد الحريري في إبقاء التلفزيون تحت الضوء، ومنافسة شاشات لبنانية أخرى.

اليوم، بعد تعليق عمل المحطة، لا تزال على الموجة نفسها، إذْ حصرت نفسها ببرامج قديمة تعرضها بشكل يومي. برامج تعود لعقدين من الزمن، سُجِّلَت ونالت نصيبها من المتابعة والنجاح. بداية تلفزيون "المستقبل" كانت من خلال مجموعة من البرامج التي انطلقت بسرعة البرق، ولاقت استحساناً كسر النمطيّة التي هيمنت عليها محطة LBCI، وخصوصاً برامج المنوعات التي احتكرتها مع المخرج الراحل سيمون أسمر.

لكن سرقة ثوب المنوعات من LBCI لم يسلم كثيراً أو يحقق انتصارات ذات شأن، وخصوصاً أن LBCI كانت قد أبرمت عقوداً مع نجوم ومغنّي الصفّ الأول بعدم الظهور على شاشة لبنانية أخرى، الأمر الذي أعاق حركة "المستقبل" وأبقاه في مرتبة ثانية، من ناحية استضافة النجوم الموقعين حصرياً مع شاشة LBCI. ورغم بعض الخروقات التي حصدها تلفزيون "المستقبل"، وكانت بالنسبة له وللمتابعين إنجازاً جيداً أمام سلطة LBCI، تعيد شاشة "المستقبل"، اليوم، جزءًا هامًا من إنتاجها الفني عبر مجموعة من البرامج التي قدمتها في زمن التسعينيات، والتي سرقت بنجاحها الضوء، وأسست لمحطة تنافس بأهمية وجودها المحطات اللبنانية التي بدأت تخرج الى الضوء وقتها، منها MTV مثلاً.



اليوم تعرض شاشة "المستقبل" مجموعةً من برامج بداية انطلاقتها، لعل أهمّها برنامج "الليل المفتوح"، من فكرة طلال شتوي وإخراج رشيد كنج، إذْ كان من أقوى البرامج الفنية التي شهدت إقبالاً عام 1994. أخرج كلّ من شتوي وكنج البرامج الفنيّة من الاستديوهات المُعلبة إلى جلسة حوارية بسيطة في مطعم ينعم بأجواء الليل الرومانسية، وضيف واحد يجلس وسط مجموعة من المحاورين بدون قيد أو شرط، حتى بدون إعداد مسبق للأسئلة. كان "الليل المفتوح" البرنامج الأول الذي لم تعرف حواراته أسئلة تقليدية عن بدايات الفنان أو مشاريعه للمستقبل. على العكس، بدا البرنامج كجلسة مصارحة مشغولة على عفوية السائلين والضيف في آن معًا.

يحاول تلفزيون "المستقبل"، اليوم، القول إنَّه لا يزال موجوداً، يصارع من أجل البقاء على موجة تلتزم فقط بتقديم مادة مضى عليها الزمن، يسترق مشاهداً ويعيده عشرين عاماً إلى الوراء وينبش ذاكرة وصراعاً مع الماضي.
المساهمون