تلبية مطالب الشرطة الجزائرية: صفقة على حساب القوى المدنية؟

18 أكتوبر 2014
الحكومة تضطر للموافقة على مطالب رجال الشرطة (بشير رمزي/الأناضول)
+ الخط -

لم تجد الحكومة الجزائرية بداً من الاستجابة الفورية والسريعة لكل مطالب رجال الشرطة، التي رفعوها في الأيام الماضية، فالسلطة التي واجهت للمرة الأولى حالة تمرد حقيقية وواسعة شملت كل الولايات، اضطرت إلى العمل على إنهاء التمرد، عبر إعلان رئيس الوزراء، عبد المالك سلال، موافقة الحكومة على 12 مطلباً رفعتها عناصر الأمن الوطني المحتجين الذين كانوا يعتصمون منذ أربعة أيام في مدينة غرداية، ومنذ يومين أمام مقر الرئاسة وسط العاصمة.

وقال سلال في تصريح صحافي عقب استقباله ممثلين عن رجال الشرطة في مقر الرئاسة إنه "وتطبيقاً لتعليمات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فإن 12 مطلباً من بين المطالب التي رفعها المحتجون تم إيجاد الحلول لها، وتتعلق بالعلاوات والترقيات وتنظيم العمل".

وأوضح سلال أن "اجتماعاً سيعقد يوم الأحد المقبل مع الوزارات المعنية والمدير العام للأمن الوطني، عبد الغني الهامل، للنظر في كيفية التكفل بهذه المطالب المتصلة بتحسين ظروف عمل أفراد الأمن الوطني".

والتزم سلال بالقيام بتحريات بشأن الفساد وسوء تسيير الوحدات الأمنية، ووضع لجان لمعالجة أي تظلمات من التعسف في حق أعوان الشرطة. وأعلنت الحكومة موافقتها على مطلب إنشاء نقابة مهنية لرجال الشركة، وهو المطلب الذي رفض قبل خمس سنوات.

بدوره، قال مدير عام وزارة الداخلية، عبد الحليم مرابطي، خلال لقائه بالمحتجين قبل استقبالهم من قبل السلال، إن "وزير الداخلية الطيب بلعيز لا يرى أي مانع من إنشاء نقابة في سلك الشرطة، وسوف تُباشر الإجراءات الخاصة بإنشائها".

ووفقاً لمراقبين، فإن الاستجابة السريعة لمطالب رجال الشرطة مؤشر على حالة اختلال وتخوف في دوائر القرار السياسي، لا سيما في ظل الغياب اللافت لبوتفليقة عن المشهد السياسي بسبب وعكته الصحية، والتخوف من فقدان السلطة الحالية. فلطالما كانت هذه السلطة تستند في إحكام سيطرتها على جميع مناحي الحياة على جهاز الشرطة، وهي أحوج ما تكون إلى خدمة هذا الجهاز في هذه الظروف الداخلية المتسمة بصراع غير معلن بين الرئاسة وجهاز الاستخبارات.

وقد دفع ذلك الصراع بوتفليقة إلى ترفيع جهاز الشرطة ومنحه مزيداً من الصلاحيات، وإسناد ملفات أمنية حساسة له بعد سحبها من جهاز الاستخبارات، فضلاً عن الاحتقان الاجتماعي الذي يتمظهر من خلال الحركات الاحتجاجية والنعرات العرقية والمناطقية التي تشهدها مدن غرداية واليزي وبرج باجي مختار وغيرها. ويضاف إلى ذلك حركة الإضرابات المستمرة في قطاعات الصحة والتربية، وارتفاع العنف الاجتماعي ومستوى الجرائم، إضافة إلى نقل المعارضة السياسية لحراكها السياسي ومطالبها بالتغيير إلى الشارع رغم رفض السلطة لهكذا مطالب وحراك.

واللافت أن السلطة في الجزائر، وعلى مرّ المراحل السياسية الماضية، ظلّت تحل مشكلاتها الرئيسية مع الحراك المطلبي الداخلي بالترغيب حيناً وبعصا الشرطة في أحيان كثيرة، فيما تحل مشكلاتها الخارجية عبر التسويات السياسية والاقتصادية المتصلة بالنفط والطاقة.

ورغم التحليلات الكثيرة التي ذهبت إلى وجود حالة تحريك خفي لرجال الشرطة من قبل أطراف مناوئة لبوتفليقة ومؤامرة يُستغلّ فيها أفراد الأمن، إلا أن الواقع الأمني لا يشي بذلك بالضرورة، ويؤكد أن معطيات الراهن الاجتماعي والاحتقان الحاصل في كثير من القطاعات العمالية والمدنية، نتيجة الإفلاس السياسي وسوء التسيير والفساد المستشري في دواليب الدولة، والفضائح المالية، جعلت رجال الشرطة وحدهم من يعون نتيجة هذا الإفلاس، ويتحملون عبء مواجهة الاحتجاجات الشعبية الناتجة عن الإخفاقات المحلية والمركزية في تسيير البلديات والمحافظات والدولة بشكل عام.

كما يعاني أفراد جهاز الشرطة من التعب، بعد أن تحملوا أيضاً جزءاً كبيراً من عبء مرحلة مكافحة الإرهاب في العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر منذ عام 1992.

ويشير خروج رجال الشرطة إلى الشارع إلى أزمة حقيقية يعيشها النظام الحاكم وإفلاس سياسي يقود البلد إلى مهالك سياسية واجتماعية واقتصادية.

ويتخوف بعض الناشطين السياسيين من أن تكون الصفقة التي تعقدها السلطة مجبرة مع رجال الشرطة على حساب المطالب الاجتماعية والسياسية للفئات المهنية والعمالية والقوى المدنية الأخرى، بمعنى أن تسترجع السلطة الشرطة إلى صفها عبر تسوية مشكلات رجالها المهنية والاجتماعية مع إلزامهم بقمع أي حراك اجتماعي آخر.

صفقة قد ترسم مشاهد عدوانية قد تعمد إليها الشرطة في قمع أي حراك اجتماعي أو سياسي في الجزائر، في مشهد لا يأمله الناشطون في الساحة السياسية والمدنية، أو على الأقل هذا ما حفلت به مواقع التواصل الاجتماعي تعليقاً على سرعة استجابة الحكومة لمطالب رجال الشرطة.

المساهمون