تسود في الأسواق المالية تكهنات بقرب إقدام السلطات السعودية على خفض قيمة عملتها الريال، لمواجهة تداعيات أسعار النفط على الموازنة العامة، غير أن مراقبين استبعدوا ذلك وأرجعوا انتشار هذه المخاوف، بالدرجة الأولى، إلى ضعف تواصل الرياض مع الأسواق.
وحسب تقرير لوكالة رويترز نشر اليوم الأحد فقد قال مصرفيون سعوديون وخليجيون كبار إن الرياض تملك الأدوات الكفيلة بحماية الريال السعودي في ظل العجز الحاد بميزان المعاملات الجارية والميزانية من جراء انخفاض أسعار النفط.
وقال المصرفيون، والذين وصفتهم رويترز بأن لكثير منهم اتصالات مع السلطات السعودية، إن الرياض قد تعلن تفاصيل استراتيجية للتأقلم مع حقبة النفط الرخيص خلال الشهر القادم عندما تعرض وزارة المالية خطة ميزانية 2016. وأضافوا أن احتمال خفض العملة المحلية ما زال بعيداً.
وتحول الحساسيات السياسية وثقافة السرية الحكومية دون قيام المسؤولين بمناقشة خيارات السياسة بشكل علني حتى الآن، مما يترك الأسواق المالية فريسة للتخمينات في ما يتعلق بأسلوب مواجهة الرياض للتراجع المطرد في سعر النفط.
وبسعر أقل من 45 دولاراً للبرميل يكون خام برنت قد انخفض بنحو 20% منذ بداية العام بعد أن هوى من مستوياته فوق 115 دولاراً منتصف العام الماضي.
ويتحوط المستثمرون القلقون من مخاطر أن تتخلى السعودية عن سياسة ربط سعر العملة عند 3.75 ريالات للدولار التي لم تحد عنها لثلاثة عقود.
وتراجع الريال في السوق الآجلة الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوياته منذ 1999 بعد أن تجاوزت تكلفة التأمين على الديون السيادية السعودية تكلفة التأمين على نظيرتها الفلبينية.
وقالت مونيكا مالك، كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري: "يتعلق جزء كبير من الضبابية بحجم العجز المالي المتوقع هذا العام". وأوضحت أنه مع قيام الحكومة بخفض الإنفاق وأخذ إجراءات أخرى لاحتواء العجز "فسيخفف ذلك بواعث القلق".
ولم ترد مؤسسة النقد العربي "البنك المركزي السعودي" ولا وزارة المالية على طلبات للتعليق بشأن السياسة.
وقالت مونيكا إن الخطوات المتوقعة العام القادم التي تشمل إنهاء المكافآت الاستثنائية في الأجور الحكومية وفرض ضريبة على الأراضي غير المطورة قد تقلص عجز الميزانية إلى نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي من 20% حالياً.
وسيسمح ذلك للسعودية بكبح السحب من أصولها الأجنبية، وهو مبعث القلق الرئيسي للمتشائمين.
وقال المصرفيون الإقليميون إن المملكة تواجه ظرفاً اقتصادياً عصيباً، لكن ليس إلى الدرجة التي قد تجبرها على فك ربط عملتها بالدولار.
وتتناقض رؤاهم مع وجهات نظر بعض المحللين في المؤسسات المالية الغربية الكبرى الذين يناقشون خفضاً وشيكاً لقيمة العملة السعودية.
وكتب بنك أوف أميركا ميريل لينش الأميركي، الأسبوع الماضي: "إذا عجزت السعودية عن مقاومة قوى الجذب الناتجة عن استمرار قوة الدولار وفكت ربط الريال محتذية بالعملتين الروسية والبرازيلية فقد ينهار النفط إلى 25 دولاراً للبرميل".
لكن المصرفيين الخليجيين يقولون إن الرياض عازمة على تفادي خفض قيمة الريال مهما كان الثمن تقريباً. فذعر السوق الناجم عن ذلك وارتفاع تكلفة الاستيراد سيطغيان على أي ميزة قد تجنيها مالية الدولة من ارتفاع إيرادات النفط بعد تحويلها من الدولار إلى الريال.
وتستورد السعودية جزءاً كبيراً من حاجاتها من الغذاء والسلع الاستهلاكية والآلات، وقد يؤدي التضخم السريع في أسعار تلك المواد إلى سخط سياسي في حالة خفض قيمة العملة.
اقرأ أيضاً: تأسيس صندوق سعودي روسي للاستثمار بقيمة 4 مليارات دولار
وتكفي احتياطات الدولة لدعم العملة لسنوات. فعندما كان متوسط سعر برنت 57.55 دولاراً للبرميل بين مارس/آذار وسبتمبر/أيلول، كانت الأصول الأجنبية للبنك المركزي تنكمش بمعدل سنوي 87 مليار دولار ليبقى في حيازته 647 مليار دولار.
وحتى إذا تسارع استنزاف الأصول، فسيستغرق الأمر عدة سنوات للوصول إلى 225 مليار دولار، وهو مستوى وفير يغطي واردات 18 شهراً بما يعادل مثلي ما تتمتع به معظم الدول.
لكن هذه الحسابات لا تبعث على الطمأنينة في الأسواق، لأن المسؤولين السعوديين لم يشرحوا بعد كيف سيتعاملون مع الضغوط. واقتصر معظم التصريحات العلنية الشحيحة حتى الآن على التأكيدات العامة على سلامة الاقتصاد، وهو ما لم يقنع كثيراً من المستثمرين.
وفي وقت سابق هذا الشهر عندما كان تناقص إيرادات النفط يرفع سعر فائدة سوق النقد بين البنوك إلى أعلى مستوياتها منذ 2009، هون محافظ البنك المركزي من ما وصفها بالزيادة "الطفيفة" في أسعار الفائدة، مصراً على أن البنوك تملك سيولة وفيرة. لكن تكاليف الاقتراض زادت بدرجة أكبر منذ ذلك الحين.
حساسيات محلية
وفي بلد يشتهر بتكتم الحكومة بشأن خططها ربما تفاقمت تداعيات العزوف عن التواصل مع الأسواق بفعل تغييرات القيادة التي صاحبت اعتلاء الملك سلمان العرش في يناير/كانون الثاني الماضي.
فقد تولى نجله الأمير محمد بن سلمان الإشراف على جانب كبير من الجهاز الاقتصادي في وقت تكافح فيه المملكة تراجع أسعار النفط الذي ربما فوجئ المسؤولون بمداه. وكان أسلافهم هم من تعامل مع آخر نوبة من تكهنات السوق عن خفض قيمة العملة السعودية، وذلك في عام 1998.
والحساسية السياسية مما يدعو أيضاً لإبقاء أي إجراءات مضادة طي الكتمان. فكبح أجور القطاع العام وتقليص الدعم وكبح مشاريع الإنشاءات سيضر بسياسات الرفاه السخية التي ساهمت في المحافظة على السلم الاجتماعي بالسعودية.
وفي مؤشر على ذلك، خفف وزير البترول، علي النعيمي، من حدة تصريحات صدرت عنه الشهر الماضي بأنه قد يتعيّن رفع أسعار الطاقة المحلية. فقد خفف الوزير موقفه بعد أسبوع واحد عبر تطمينات بأنه لا حاجة ملحة إلى ذلك، وأن رفاه المواطنين سيحظى بالحماية.
لكن العقبات السياسية الداخلية لن تمنع الرياض من أخذ الخطوات الضرورية لدعم الاستقرار المالي، وفق مصادر على اتصال منتظم بالمسؤولين.
وقال مسؤول تنفيذي كبير بشركة مالية سعودية كبيرة إن من المتوقع أن تنشر الحكومة بعد إعلان الميزانية في الشهر القادم خطة للتنمية الاقتصادية على مدى عدة سنوات تأخذ في الحسبان سياق سعر النفط الرخيص.
وأضاف: "سيجيب هذا على العديد من تساؤلات الناس، وسيظهر أن الحديث عن خفض قيمة العملة مبالغ فيه".
اقرأ أيضاً: السعودية تعرض على روسيا مشاريع بقيمة 71 مليار دولار