تكنولوجيا الحوسبة عالية الأداء

28 يناير 2015
الحوسبة عالية الأداء تزيد التنافسية (Getty)
+ الخط -
تُعتبر "الحوسبة عالية الأداء"‏‎ (High Performance Computing) ‎أحد أوجه التطور الكبير الذي شهدته ‏تكنولوجيات الاتصال ‏والمعلومات، فعلى الرغم من أن نشأتها ترجع إلى منتصف القرن الماضي إلا أن استخدامها تضاعف ‏وتطور خلال العقد الأخير. وتدخل منظومة التقنيات التكنولوجية هذه في صلب الأعمال والاستثمارات.
‏ويُعنى بالحوسبة عالية الأداء ذاك المسار المتكامل من العمليات، التي تقوم بربط مجموعة من ‏الأجهزة المعلوماتية بطرق محددة من ‏أجل الارتقاء بالأداء وإنجاز المهام بطريقة أسرع، حيث يتم توزيع الأنشطة بشكل ‏متوازن للعمل على المعالجات، وتحسين نظم ‏التخزين، وانتقاء وتحليل البيانات، ثم المحافظة عليها ببرامج مركبة ودقيقة. ‏

استراتيجية اقتصادية 
لقد أصبحت الحوسبة عالية الأداء ركنا عتيدا في استراتيجيات المؤسسات الاقتصادية والتجارية، فهي تمثل آلية مهمة ‏لتحقيق ميزة ‏تنافسية بالأسواق. وبذلك، تساعد الحوسبة عالية الأداء على التصميم الصناعي وبناء التصورات الهيكلية ‏حول المنتجات، كما تساهم ‏في تحقيق فاعلية أكثر من خلال تقليل الكلفة وزيادة مردودية الإنتاج. ‏
وعلى هذا الأساس، تسارع استخدامها وتضاعفت وتيرة التطبيقات المتعلقة بها لتشمل مجالات متعددة. في المجال الطبي ‏يستعان بها ‏لاكتشاف الأمراض والقيام بفحوصات متخصصة وتعزيز خدمات الشبكة الصحية عبر نمذجة الأعضاء و‏الأدوية وإرساء مسالك ‏الرعاية. ويلجأ لها المهندسون في التصميم الميكانيكي واختبار الأجهزة، فعلى سبيل المثال، تقوم ‏الحوسبة عالية الأداء بإجراء محاكاة ‏رقمية لصناعة السيارات وقياس مستويات الأمان بها، التنقيب عن الموارد الطاقية و‏نمذجة الخزانات، حيث تسمح هذه التقنية بتصوير ‏طبقات الأرض وعرض خصائص الموارد الطاقية من مياه ونفط ثم ‏معرفة إمكانية الاستخراج، وكلفة تحويل هذه المواد الخام إلى مواد ‏صناعية. ‏
وتُستعمل في الاقتصاد وإدارة الأعمال كوسيلة لتحليل المخاطر المالية وتدبير التداول الآلي، وفي المجال الإعلامي، تمكن ‏من إنشاء ‏المحتويات الرقمية والرسم بمساعدة الحاسوب وتحسين جودة الصورة والمؤثرات، ناهيك عن استخداماتها في ‏التنبؤ بالطقس عبر ‏توقع الأحوال الجوية والكوارث الطبيعية، والاعتماد عليها من طرف المختبرات العلمية والأكاديمية ‏لإجراء البحوث المعمقة في ‏مناهل العلوم.‏
وبناءً على ما سبق، تتميز الحوسبة عالية الأداء بمستقبل زاهر، فالرهان عليها كبير ويبدو ذلك واضحاً من خلال توجه ‏عدة قطاعات ‏لإرساء نظامها والاستفادة من منحها. وتجدر الإشارة هنا إلى استخدامها في الفحوص الدقيقة لمكافحة ‏التهريب والمخدرات، والعمل ‏بها لتطوير النماذج الرياضية والأبحاث التطبيقية الكاشفة عن تزوير بطاقات الهوية ‏والائتمان، حيث أن نسبة الاحتيال المالي تصل ‏إلى ‏‎%‎‏20 من حالات الاحتيال في العالم، ثم دورها الكبير في صياغة نماذج ‏لمواجهة المخاطر والكوارث بما يحقق الأمن والسلامة ‏الداخلية للمؤسسات. تمتد استخدامات الحوسبة عالية الأداء إلى ‏القطاع البيئي عبر تقوية البحث في المصادر البديلة للطاقة، والقيام ‏بمحاكاة لتلوث مياه البحار وتعزيز مكاسب التنمية ‏المستدامة من خلال تطبيقات للصيانة واستباق الأخطار البيئية. ‏
وفي الدول العربية، تحتل الإدارات الحكومية المراتب الأولى في ترتيب المؤسسات التي تتوفر على الحوسبة عالية الأداء ‏بما ‏يتجاوز 60 مليون دولار كقيمة الاستثمار، يليها قطاع التعليم والصناعة بما مجموعه 54 مليون دولار، مما يؤكد ‏الأهمية التي تحظى ‏بها هذه التقنية.
علاوة على ذلك، تشير العديد من الدراسات الغربية أن الاستثمار في تكنولوجيا الحوسبة ‏عالية الأداء مربح بنسب ‏عالية، فعائد الاستثمار قد يتضاعف ثلاث مرات، كما تمكن المؤسسات الاقتصادية من خفض معدل ‏الخطر عبر إجراءات وقائية متينة. ‏‏ ‏
ومما يلاحظ في هذا الشأن، أن استعمال الحوسبة عالية الأداء يظل محصوراً عند المؤسسات الكبرى التي تتوفر على ‏بنيات قادرة ‏على مرافقة إنجازات هذه التقنية وعلى رأسمال بشري ذي كفاءة عالية، خصوصاً أن تحديات هذه التقنية تتجلى ‏في كيفية الاستفادة منها ‏دون التأثير على ميزانية المؤسسة، وكذلك بالتوفر على صمامات أمان تشكل حصناً منيعاً أمام ‏الاختراقات المعلوماتية المهددة لأمنها. ‏
‎(باحث وأكاديمي مغربي) ‏
المساهمون