تقييم أداء الرئيس

17 يناير 2018
أميركا تحاكم ترامب والعرب لا يحاكمون حكامهم (GETTY)
+ الخط -

مع بداية العام الجديد، سيطر كتاب مايكل وولف الأخير "النار والغضب"، والذي يتناول بعض التفاصيل الدقيقة حول ترامب ومعاونيه أواخر أيام حملته الانتخابية، وبعد وصوله للمكتب البيضاوي، على العاصمة الأميركية واشنطن، بشوارعها، ومواطنيها، وإعلامها.

فإذا قررت تناول وجبتك في أحد مطاعمها، أو اخترت أن تشرب قهوتك في أيٍ من مقاهيها، لابد أن تتلقف أذناك بعضاً مما جاء في الكتاب.

ولو ركبت أي من وسائل المواصلات العامة، فستجد من يمسك بالكتاب في يده، أو يسمعه من خلال السماعات في أذنيه، ويمكنك التأكد من ذلك من ابتسامات السخرية والحسرة التي تراها على وجوههم من آنٍ لآخر.

وإذا فتحت الراديو أو التلفزيون، تجد أغلب البرامج تناقش ما جاء في الكتاب وردود الأفعال بعده، وعلى الأرجح، سيكون للكتاب تأثير كبير على تقييم الشعب لرئيسه المثير للجدل.
في أميركا وأوروبا والدول المتقدمة، تقوم الشعوب بتقييم رؤسائها، وتحاسبهم على أقوالهم وأفعالهم ونتائجها، ولا تمنحهم أبداً "شيكات على بياض" أو "تفويضات لأجل غير مسمى"، مهما كانت المخاطر والتهديدات.

وربما لا تشفع لترامب إنجازاته الاقتصادية التي حققها خلال العام الأول لرئاسته، والتي يرى مؤيدوه أنها تضعه في مصاف أعظم الرؤساء الأميركيين على مر العصور، بعدما شرع الكتاب الجديد في تدمير صورته، وأدى إلى تزايد المطالبات بإجراء الكشف الطبي عليه للتأكد من سلامة قواه العقلية.

يستحق الرئيس الأميركي التقدير على إنجازات عامه الأول، بعدما انخفض معدل البطالة خلال هذا العام إلى أدنى مستوى له منذ عام 2000، وأضاف الاقتصاد أكثر من مليون وثمانمائة ألف وظيفة، وانخفضت طلبات الإعانة من العاطلين إلى أقل مستوى لها منذ 44 عاماً.
كما بلغت ثقة المستهلكين في عام ترامب الأول في الحكم أعلى مستوى لها منذ عام 2000، وتجاوزت مبيعات المنازل الأميركية مستوياتها في السنوات العشر الأخيرة.

وفي آخر رُبعين تم الإعلان عن نتائجهما، تجاوز معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي مستوى 3%، وحققت الأسهم الأميركية ارتفاعات كبيرة منذ الإعلان عن فوز ترامب، تراوحت بين 30% - 37% للمؤشرات الثلاثة الأشهر في الولايات المتحدة الأميركية حتى كتابة هذه السطور.


ثم جاء الإصلاح الضريبي الأخير بمثابة التزيين النهائي لكعكة ترامب الاقتصادية، والذي يمنح فيه الشركات الأميركية تخفيضاتٍ ضريبيةً تُقدّر بمليارات الدولارات خلال العقد القادم.
وعلى الرغم من كل ما سبق، تهافتت وسائل الإعلام الأميركية على انتقاد الرجل ولومه بعدما فقد الدولار الأميركي 10% من قيمته أمام اليورو، و5% أمام العملة الصينية. واعتبروا أن هذه الانخفاضات تؤثر على مستوى معيشة المواطن الأميركي وتقلل من دخله الحقيقي.

انخفضت العملة الأميركية هذه الانخفاضات الطفيفة، ولم تخسر 60% من قيمتها في عام واحد. انخفضت العملة بسبب سياسات تهدف إلى زيادة الصادرات الأميركية، ولم تنخفض بسبب مشروع توسعة ممر ملاحي شَفَطَ ثمانية مليارات من الدولارات، كانت تمثل وقتها أكثر من نصف احتياطيات الدولة من النقد الأجنبي، ولم يضف دولاراً واحداً لإيراداتها، ومع ذلك وصفته نسبة كبيرة من شعبه بأنه غير كفء، وغير جدير بالوظيفة.

لم يضطر ترامب لشراء شرعيته بتوقيع اتفاقيات بمليارات الدولارات لشراء طائرات الرافال وحاملات الطائرات من فرنسا، أو غواصات من ألمانيا، أو طائرات من أي دولة أخرى، في وقت تئن فيه احتياطيات النقد الأجنبي في البلاد.

ولم يُقِل محافظ البنك المركزي عندما أشار إلى أن قرارات الرئيس، فيما يخص شراء الأسلحة أو المشروعات الاقتصادية الكبرى عديمة الجدوى، كانت السبب الرئيسي لاستنزاف احتياطي النقد الأجنبي. ومع ذلك لم يرحمه الإعلام، ولم تنقذه طرق وكباري أنشأتها الحكومة بأموال الشعب ومن الضرائب التي يدفعها في عهده.

لم ترتفع أسعار السلع والخدمات والوقود في بلاد العم سام بنسب تجاوزت المائة بالمائة في عامٍ واحد، ولم يرفع ترامب الدعم عن الكهرباء والمياه والبنزين والسولار والغاز ورغيف العيش، ولم يرتفع التضخم في عهده لأكثر من 35%، ولم يبق راتب المواطن الأميركي كما هو، أو يزيده زيادة طفيفة.

ولم يُفرِط في فرض الضرائب على المواطنين تحت مسميات مختلفة، ولم يرفع رسوم الخدمات الحكومية، ورسوم إصدار وثائق الجواز والطلاق والميلاد والوفاة ومع ذلك وصفه البعض بأنه لا يهتم إلا بالطبقة التي ينتمي إليها، وأنه يمرر تكلفة الاصلاح الاقتصادي من حاملي أسهم الشركات الكبرى إلى طبقات الشعب الأميركي الأكثر فقراً.

لم يسمح ترامب لجيشه بالانصراف عن مهامه الأساسية على حدود البلاد والانشغال بتوفير السمك والجمبري والأرز والسكر والزيت والمكرونة للشعب، ولم يحتكر جيشه تصنيع اللحوم والدواجن في البلاد، ولا سيطروا على نسبة كبيرة من خطوط إنتاج وحفظ وتجميد وتصدير الفواكه والخضروات، ولا فازوا بأية عطاءات بالأمر المباشر، ولا وضعوا أيديهم على أي أراضٍ زراعية أو عقارية ولا قنوات تلفزيونية ولا صحف، ومع ذلك يتهمه شعبه وإعلامه بأنه يشوه بيئة العمل، ويعوق الاستثمار، ويضيع الكثير من الفرص على شعبه لغياب الشفافية والمحاسبة.

لم ينجرف ترامب إلى الاعتماد على القروض الخارجية، ولم يضطر لمضاعفة الدين الداخلي، ولكن سعت الدول للاستثمار في سندات الحكومة الأميركية لتمتعها بأعلى نسب الأمان.
ولم ترتفع تكلفة خدمة الدين في عهده إلى أكثر من 45% من إجمالي نفقات الدولة السنوية، ومع ذلك يجد برلمانه يقف له بالمرصاد عند كل زيادة في الاقتراض، ولا يسمح له بها إلا بصورة مؤقتة، مع محاسبته على كيفية إنفاق كل دولارٍ على الوجه الأمثل.

مسكين الرئيس الأميركي. يُقَيِّمَه الشعب بمنتهى القسوة، ويسلخه بألسنةٍ حداد عند حدوث أي هفوة، خاصةٍ في الاقتصاد ولقمة العيش. ولو كان في بلدٍ آخر لحصل على تزكية 95% من نواب الشعب عند إعادة انتخابه.

المساهمون