تقسيط ديون الزواج في غزة قد ينتهي بالسجن

02 مارس 2020
تكلفة كبيرة للزواج في غزة(عبد الحكيم أبو رياش/العربي الجديد)
+ الخط -


يسابق الشاب الفلسطيني محمود موسى، الزمن لتوفير دفعة من الأقساط المستحقة عليه لإحدى مؤسسات تيسير الزواج في قطاع غزة خشية من أن يتعرض للسجن في حال عدم توفر هذه الدفعة في موعدها المحدد شهرياً.

ويعتبر موسى من بين عشرات الحالات للشباب في القطاع المحاصر إسرائيلياً منذ عام 2006، الذين دفعتهم ظروفهم المعيشية والاقتصادية للذهاب نحو هذه المؤسسات لتقسيط مراسم زفافهم في ظل عجزهم عن توفيرها.

وانتشرت عشرات مؤسسات تيسير الزواج في غزة في السنوات الأخيرة، وتتكفل هذه المؤسسات الربحية بتوفير صالة أفراح ومتعلقاتها وتوفير غرف النوم الخشبية وبعض التجهيزات الأخرى مثل حفلات الشباب، مقابل تقسيط هذه المبالغ على دفعات شهرية لعام أو عامين، مع تقديم المستفيدين منها ضمانات مختلفة.

وتستقبل المراكز الشرطية في القطاع يومياً عشرات الشكاوى ضد المتزوجين من قبل المؤسسات، إذ تسجل هذه على أنها قضايا ذمم مالية، قد توصل للسجن، في الوقت الذي تواجه المؤسسات هي الأخرى ظروفاً مالية صعبة.

وتشير إحصائيات وتقديرات إلى أن 22 في المائة من إجمالي قضايا الذمم المالية التي تستقبلها الشرطة بغزة التي تديرها (حركة حماس) هي من قروض ومؤسسات تيسير الزواج، وهو ما يعكس تعثر الشبان في سداد الالتزامات المتراكمة عليهم.

ويقول موسى لـ "العربي الجديد" إن توجهه نحو الزواج عبر هذه المؤسسات نتيجة لظروفه الاقتصادية الصعبة وعمله بمبلغ لا يتجاوز 8 دولارت يومياً في أحسن الأحوال، وهو ما يصعب دفع كامل تكاليف الزواج مرة واحدة.

ويسعى الشاب الغزي إلى تفادي الملاحقة القانونية أو التعرض للسجن خشية من أن يفقد عمله الذي تحصّل عليه بصعوبة في أحد المحال التجارية قبل نحو عامين، عبر توفير الدفعة الشهرية مع الحفاظ على متطلبات عائلته بالحد الأدنى.

في الأثناء، يقول مدير عام مشروع فرحة لتيسير الزواج سلامة العوضي، إن حجم التزام الشبان الغزيين في سداد التزاماتهم الشهرية يتهاوى تدريجياً؛ نتيجة للظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة التي وصل إليها القطاع.

ويوضح العوضي لـ "العربي الجديد" أن نسبة الالتزام في تسديد الأقساط الشهرية من قبل الشبان لا تزيد عن 27 إلى 30 في المائة فقط، في وقت من المفترض أن تكون نسبة الالتزام فوق 90 في المائة حتى لا يشكل ذلك خطراً على المؤسسات.

ولا يخفي مدير مشروع فرحة أن هذه المؤسسات العاملة في القطاع تهدف إلى الربح، بالإضافة لكونها مؤسسات خدمية ساهمت في منع حدوث مشاكل اجتماعية كبيرة، نظراً لمساهمتها في إتمام مراسم الزفاف للكثيرين على مدار السنوات الماضية.

وأدت الظروف الاقتصادية المتردية وعجز الشبان عن الالتزام بسداد الأقساط الشهرية الخاصة بهم إلى إغلاق أكثر من 10 مؤسسات تعمل في مجال تيسير الزواج، في الوقت الذي يلاحق أصحاب هذه المؤسسات نظراً لتراكم الديون عليهم.

ورأى العوضي أن المشكلة الكبرى تكمن في عدم التزام الشبان المقبلين على الزواج بتسديد ما عليهم من أقساط للمؤسسات وبالتالي عجز هذه المؤسسات عن دفع التزاماتها للتجار المتعاملين معهم، وهو ما يُحدث خللاً كبيراً ويؤدي للملاحقة القانونية.

ويضيف أن حجم الانخفاض في التردد على مؤسسات تيسير الزواج في القطاع كان أقل من النصف خلال العام الماضي مقارنة بالسنوات التي سبقتها، وهو ما يعكس حالة التراجع في الإقبال على الزواج بشكل عام بغزة.

وبحسب المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في غزة، فإن نسبة الإقبال على الزواج تراجعت خلال عامَي 2018 و2019 نتيجة لتدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية، إلى جانب ارتفاع تكاليف الزواج والتي لا تقل عن 10 آلاف دولار.

من جانبه، يرجع الباحث في الشأن الاقتصادي، رائد حلس، حالة زيادة قضايا الذمم المالية وملاحقة الشبان المترددين على جمعيات تيسير الزواج، إلى حالة التدهور الحاصلة في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.

ومعدلات البطالة في صفوف الشباب تزيد عن 70 في المائة، في الوقت الذي تقدر معدلات انعدام الأمن الغذائي في صفوف السكان بنحو 70 في المائة، عدا عن اعتماد 80 في المائة من السكان على المساعدات الإغاثية، وفق حديث حلس لـ "العربي الجديد".

ويلفت إلى أنّ اللجوء لمؤسسات تيسير الزواج أصبح وسيلة الكثير من الشباب، غير أن الواقع الاقتصادي السيئ وتردي الأوضاع المعيشية يحولان دون التزامهم بتسديد أقساطهم الشهرية، وما يرفع معدلات قضايا الذمم المالية الموجودة عند الأجهزة الشرطية.