كشف تقريرٌ لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن مصر أخفقت في حماية حرية التعبير، والأقليات، والتحقيق في انتهاكات قواتها الأمنية والعسكرية، وحالت دون وصول مراقبين أميركيين إلى شبه جزيرة سيناء التي مزقتها الصراعات.
ووردت تفاصيل الشكاوى الأميركية في مذكرة لوزارة الخارجية قُدمت إلى الكونغرس، ورفضت وزارة الخارجية نشر التقرير، وحصلت الأسوشييتدبرس عليها ونشرتها قبل ساعات من اللقاء المرتقب، اليوم الأربعاء، بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والأميركي دونالد ترامب على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومن المرجح أن تثير الانتقادات امتعاض السيسي.
وطالبت المذكرة بأن تواصل إدارة ترامب تقديم مساعدات أميركية معينة إلى القاهرة على الرغم من إخفاقها في الوفاء بعدة شروط بشأن الحكم الرشيد. وجاء في المذكرة أن المناخ العام لحقوق الإنسان في مصر في حال تدهور مستمر.
وقالت المذكرة إن "المناخ العام لحقوق الإنسان في مصر مستمر في التدهور". "هناك مشكلة مستمرة في الاعتقالات التعسفية والاحتجاز والإخفاء القسري، وهناك تقارير عن عمليات قتل خارج نطاق القانون، وهناك ادعاءات عديدة بالتعذيب والوفاة أثناء الاحتجاز".
وخفضت إدارة ترامب الشهر الماضي ما يقرب من 100 مليون دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر، والتي تعتبرها أميركا شريكا رئيسيا في "مكافحة الإرهاب"، وهو ما أدى مرارا وتكرارا إلى تغاضي الولايات المتحدة عن سجل مصر في مجال حقوق الإنسان. إلا أن الإدارة قالت إن مصر ستستمر في الحصول على تمويل عسكري بقيمة أكثر من 200 مليون دولار في وقت لاحق إذا ما أدخلت تحسينات بما في ذلك تخفيف القيود الصارمة المفروضة على منظمات المجتمع المدني.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قالت إنها لا تستطيع أن تؤكد أن مصر استوفت شروطها للحصول على المعونة، فإن القانون يسمح لوزير الخارجية ريكس تيلرسون بالتنازل عن هذه الشروط إذا ما قرر أنها في مصلحة الأمن القومي الأميركي ويقوم بصرف الأموال على أي حال. لكن القانون يتطلب أيضًا "مذكرة تبرير" تفصيلية توضح كيف أن مصر تقصّر.
وأرسل تيلرسون المذكرة إلى الكونغرس يوم 22 أغسطس، في اليوم نفسه الذي أعلن فيه قرار التمويل. ولكن وزارة الخارجية رفضت تعميم المذكرة، على الرغم من مطالبات وسائل الإعلام وجماعات حقوق الإنسان. وتعتبر المذكرة محرجة للسيسي، الذي ندد بانتقادات سابقة لحقوق الإنسان في مصر على أنها لا أساس لها من الصحة.
ولم يتناول السيسي بشكل مباشر الانتقادات العالمية لسجل بلاده في حقوق الإنسان في خطابه أمام الأمم المتحدة أمس الثلاثاء. إلا أنه قال إن بلاده تعمل على تمكين شعبها اقتصاديا بالرغم من أنه "محاصَر بأكثر الأزمات خطورة في العالم".
وهناك قلق أميركي كبير آخر من عدم إمكانية وصول المسؤولين الأميركيين إلى شمال سيناء في مصر، حيث يحارب السيسي "تمردا من قِبل مسلحين معارضين" وفق تعبير التقرير الأميركي. وقد منعت السلطات المصرية الصحفيين من السفر إلى هناك، مما ترك وسائل الإعلام تعتمد كليا على تصريحات الشرطة أو المتحدث العسكري.
وقال التقرير الأميركي إن مصر سمحت فقط للمسؤولين الأميركيين بزيارة بعض المنشآت التى
تستخدمها قوة مراقبة دولية ومشروعات التنمية بالقرب من قناة السويس. وقال ستيفن ماكينيرني الذى يدير مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط ومقره واشنطن إن هذا يثير تساؤلات حول ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة تقديم المساعدة العسكرية والمعدات العسكرية بشكل قانوني.
وبموجب شروط المساعدات، يجب أن تكون الولايات المتحدة قادرة على مراقبة كيفية استخدام الأموال والأسلحة التي يتم نقلها إلى الحكومات الأجنبية.
وأضاف أن "الإدارة الأميركية تستحق الثناء في الاعتراف في هذا التقرير بالواقع الوحشي المتمثل في تصعيد انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الدولة المصرية".
وذكرت الولايات المتحدة في التقرير أن القاهرة فشلت في تلبية خمسة معايير منصوص عليها في فاتورة الإنفاق السنوية التي تغطي المساعدات الخارجية. وذكرت المذكرة وقوع حوادث محددة، منها اعتقال أكثر من 30 عضوًا من أحزاب المعارضة منذ مايو/ أيار. وفي الفترة نفسها، ذكر التقرير أن السلطات المصرية قامت بغلق أكثر من 100 من وسائل الإعلام عبر الإنترنت، وجمّدت أصولا لنشطاء، وفشلت في توفير الإجراءات القانونية الواجبة للمحتجَزين السياسيين.
وقال التقرير "إن الاعتقالات غالبًا ما تتم دون أمر قضائي". و"إن الظروف في السجون ومراكز الاحتجاز قاسية بسبب الاكتظاظ والإيذاء الجسدي والرعاية الطبية غير الكافية وسوء التهوية".
كما تنتقد المذكرة القاهرة لتسهيلها "الإفلات من العقاب" لقوات الشرطة والأمن على الرغم من التقارير عن "عمليات القتل التعسفي" أثناء الاعتقال. وتنتقد أيضًا توقيع السيسي قانونا في أيار/ مايو يعتبر حملة ضد الجمعيات غير الحكومية، بما فيها التي تدعو إلى تحسين حقوق الإنسان في مصر.
ولم تذكر وزارة الخارجية الأميركية لماذا رفضت نشر التقرير. وقال مسؤول في الوزارة إن الولايات المتحدة قررت زيادة التعاون الأمني مع القاهرة لأنه مهم بالنسبة إلى الأمن القومي الأميركي رغم "المخاوف الجدية المتعلقة بحقوق الإنسان والحكم في مصر".
وتعتبر مصر ثاني أكبر مستفيد من المساعدات العسكرية الأميركية بعد إسرائيل، وتتلقى حوالي 1.3 مليار دولار سنويا. وقد تجنب ترامب عمومًا النقد المباشر للسيسي على سجل حقوق الإنسان في بلاده، دون أن يذكر ذلك في بيان علني صدر بعد اجتماعهما الأول في المكتب البيضاوي في إبريل/ نيسان.
وقال تقرير سابق لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" صدر في سبتمبر/ أيلول الماضي إنه منذ يوليو/تموز 2013، عندما أطاح الجيش المصري بأول رئيس منتخب بحرية في البلاد، عاد التعذيب كورقة رابحة للأجهزة الأمنية في مصر، وساعد انعدام المساءلة تجاه ممارساته المنهجية في تحديد شكل نظام الحكم السلطوي الذي يقوده الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وأضاف التقرير أن السيسي حاول الوصول إلى الاستقرار السياسي مهما كان الثمن، وهو ما منح وزارة الداخلية الحرية الكاملة لارتكاب الانتهاكات ذاتها التي أشعلت انتفاضة عام 2011.
واستخدمت الشرطة العادية و"قطاع الأمن الوطني" التابعان لوزارة الداخلية على نطاق واسع الاعتقالات التعسفية، الإخفاء القسري، والتعذيب ضد معارضين مشتبه بهم، زعم أن العديد منهم يتعاطفون مع "الإخوان المسلمين".
ورصدت "التنسيقية المصرية للحقوق والحريات" (التنسيقية المصرية)، وهي مؤسسة حقوقية مستقلة، 30 شخصا ماتوا تحت التعذيب أثناء احتجازهم في مراكز الشرطة ومواقع الاحتجاز الأخرى التابعة لوزارة الداخلية، بين أغسطس/آب 2013 وديسمبر/كانون الأول 2015. في 2016، أفادت التنسيقية المصرية أن محاميها تلقّوا 830 شكوى بشأن التعذيب، وأن 14 شخصا آخرين ماتوا من التعذيب أثناء الاحتجاز.