وقالت الشبكة في تقريرها: "يعدّ مبدأ علانية المحاكمات من أهم الضمانات الشكلية للمحاكمة العادلة، الذي يشترط أن تعقد المحكمة جلساتها في إطار من العلانية، وأن تكون تلك الجلسات متاحة أمام الجمهور والرأي العام، وبالطبع أسر وذوي المتهمين. وبعد ثورة يناير، وعقب الضغوط الشعبية لمحاكمة الدكتاتور الأسبق حسني مبارك، كانت ضخامة القضية مبررا لعقد المحاكمة داخل أكاديمية الشرطة".
وأضاف التقرير: "لكن منذ عام 2013، تم نقل أغلب المحاكمات الجنائية ذات الطابع السياسي إلى المقار الشرطية، وذلك بدءاً من المحاكمة في القضية المعروفة اعلامياً بـ(أحداث مجلس الشورى) والقضية المعروفة إعلامياً بـ(أحداث محكمة عابدين)؛ حيث عقدت جلسات المحاكمات فيهما داخل مقر معهد أمناء الشرطة بطرة بزعم تعدي بعض المواطنين على مقار المحاكم، وخشية الاعتداء على رجال القضاء".
ورغم تأكيد الأجهزة الرسمية على استقرار الأوضاع الأمنية، ظلت المحاكمات ذات الطابع السياسي مستمرة داخل المقار الشرطية، وباتت القاعدة هي عقد المحاكمات في مقار تتبع وزارة الداخلية، والاستثناء أن تعقد المحاكمات في المحاكم، بحسب التقرير.
وأكد دستور 2014 على مبدأ علانية المحاكمات في المادة 187، كما نص قانون المرافعات المدنية والتجارية على المفهوم ذاته في المادة 101، ونص قانون الإجراءات الجنائية في المادة 268 على أنه "يجب أن تكون الجلسة علنية، ويجوز للمحكمة مع ذلك مراعاة للنظام العام أو محافظة على الآداب، أن تأمر بسماع الدعوى كلها أو بعضها في جلسة سرية، أو تمنع فئات معينة من الحضور فيها".
وأكد التقرير "يتمثل افتقاد المحاكمات المنعقدة في مقار شرطية لمبدأ العلانية في منع دخول كثير من أهالي المتهمين والجمهور ووسائل الإعلام من قبل قوات الأمن، وهو ما يقوض المبدأ الدستوري والقانوني ويجرده من محتواه بشكل كامل".
وعن وضع المتهمين داخل قفص زجاجي ومنعهم من الاتصال بمحاميهم، أفاد التقرير بأنه "كثيرا ما يوضع المتهمون في جلسات محاكمتهم المنعقدة في المقار الشرطية داخل أقفاص حديدية مزودة بحواجز زجاجية معزولة الصوت، تمنع المتهم من التواصل مع محاميه، وكذا قد تحجب عنه سماع إجراءات محاكمته، وهو ما يشكل إهداراً لحق المتهم في الدفاع عن نفسه بشخصه، أو من خلال محاميه، وحقه في الإحاطة بإجراءات محاكمته من سماع الشهود وفض الأحراز ومرافعة الدفاع عنه، وفقا لما أقره الدستور والقانون، وما أكدت عليه العهود والمواثيق الدولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان".
وأضاف التقرير: "في سجن الجيزة المركزي، حيث يوجد مقر المحكمة التي نظرت القضية المعروفة إعلامياً بقضية (جمعة الأرض)، تم منع أهالي المتهمين وذويهم وكذلك الإعلامين، من حضور جلسات المحاكمة، ولم يسمح بالدخول سوى لمحامي المتهمين، كما أن قاعة المحكمة وضع بها قفص زجاجي لم يمكن المحامين من التواصل مع المتهمين، ولم يتمكن المتهمون بالتبعية من سماع مرافعة محاميهم".
وأوضح: "في معهد أمناء الشرطة بطرة، توجد ثلاث قاعات محاكمة، وتعقد أغلب المحاكمات ذات الطابع السياسي بها، وأشهرها قضية (فض اعتصام ميدان رابعة العدوية)، فضلاً عن نظر جلسات تجديد الحبس، ولا يسمح بحضور أهالي المتهمين وذويهم وكذلك الصحافيين، إلا بقرار من رئيس المحكمة رغم كون الجلسة علنية، وتم تجهيز جميع قاعات المحكمة بأقفاص زجاجية لمنع التواصل بين المحامين والمتهمين، والأنكى ما يتعرض له المحامون من إجراءات تفتيش المتعسفة من قبل قوات الأمن والدخول".
وذكر التقرير أنه "بعيداً عن محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، وما يشوب هذه المحاكمات من فقدان لشروط المحاكمة العادلة، فالمحاكم التابعة لوزارة العدل لم تشهد سوى نحو 26 في المائة من المحاكمات، في حين شهدت المقرات الشرطية التابعة لوزارة الداخلية نحو 74 في المائة من المحاكمات في الفترة من مايو/ أيار 2017 إلى مايو/ أيار 2018.
وأشار التقرير إلى أنه خلال الفترة المذكورة تم رصد 192 قضية ذات طابع سياسي يتم تداولها أمام القضاء، من بينها 118 قضية عقدت جلساتها داخل مقار شرطية، بينما 32 قضية ذات طابع سياسي عقدت داخل مقار محاكم عسكرية، و42 قضية فقط عقدت جلساتها في مقرات محاكم تابعة لوزارة العدل.
وأوصت الشبكة الحقوقية بعودة المحاكمات من المقرات الشرطية إلى مقراتها الطبيعية، وإزالة الحواجز الزجاجية من الأقفاص المودع بها المتهمون لتسهيل التواصل بين المتهم ومحاميه ومتابعة المتهم إجراءات محاكمته، واتخاذ كافة التدابير اللازمة للتسهيل على الأهالي والصحافيين والجمهور حضور جلسات المحاكم، وتعديل وتنقيح القوانين بما يتفق مع مواد الدستور والعقود والمواثيق الدولية.