أصدر المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، اليوم الأحد، تقريرا حديثا عنونه بـ"فوق الدولة.. الشركات متعددة الجنسيات في مصر"، للربط بين حقوق الإنسان والصالح العام والتنمية من جانب، وسياسات الاستثمار والضرائب من الجانب الآخر، عبر تسليط الضوء على انتهاكات الشركات متعددة الجنسيات في مصر، والإفلات المحير من العقاب، الذي قال إن الدولة المصرية، تستمر في منحهم إياه.
وتكمن أهمية التقرير في كونه يأتي قبل أيام من انطلاق المؤتمر الاقتصادي، الذي وصفه
الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بـ"ذراع مصر"، في مارس/آذار القادم، والاستعدادات التي تقوم بها البلاد لاستقبال المؤتمر، الذي تأمل الحكومة أن يشكل طفرة في علاقة المستثمرين الأجانب بمصر، وأن يمثل منطلقاً لجذب الاستثمار الأجنبي، وتأكيد وضعها على الخريطة كدولة جاذبة للاستثمار العالمي.
ويشير التقرير، إلى أن أهم المستفيدين من تعديل قوانين الاستثمار وتعديل البنية التشريعية المنظمة له، هي الشركات متعددة الجنسيات، وذكر أنها الكيانات الضخمة، التي لا تتقيد بقوانين دولة واحدة، موضحاً بأنه عادة ما تختار القواعد التي تنطبق على استثماراتها.
وأضاف: "بالرغم من أهمية تلك الشركات صاحبة الاستثمارات الضخمة، خاصة في تشجيع قطاعات معينة كالتصنيع، وتوفير فرص العمل، إلا أن قواعد الاستثمار التي فرضتها اتفاقيات الاستثمار الثنائية، وطبقتها مصر على قوانينها المحلية، أصبحت تعطي هذه الكيانات كافة الحريات في شراء واقتناء الأراضي والممتلكات العامة، والحصول على الحوافز والإعفاءات الضريبية، من دون قواعد تربط بين الحوافز ونوع الاستثمار والخدمات المقدمة من قبله، ولفت إلى أن الأهم من ذلك أن للشركات تلك كامل الحرية في تحويل كافة أرباحها إلى الخارج، مما يعني أن العملة الأجنبية، التي قد تعتبر المكسب الوحيد من وجود الاستثمار الأجنبي في العديد من الاستثمارات، لا تتقيد بالبقاء داخل مصر، بل يمكن تحويلها إلى الخارج من دون أية التزامات بإعادة استثمار جزء منها داخل البلاد، كما تشترط العديد من الدول.
ويشير التقرير إلى أن الشركات متعددة الجنسيات، هي قائدة وشريكة في انتهاكات حقوق الإنسان، وبأن هناك انتهاكات مستمرة وحالات واضحة للإفلات من العقاب، بحق العاملين في شركات متعددة الجنسيات؛ إذ ذكر أن الإحصاءات العالميـة، تظهـر أن 18 عاملا يموتون كل 15 ثانيـة نتيجـة حـادث عمـل أو مـرض، بينـما يتعـرض 160 عامـلا لحـوادث أو إصابـات عمـل كل 15 ثانيـة.
وذكر أن الـدول الناميـة، تنـال نصيـب الأسـد مـن حـالات الوفـاة والإصابات والأمراض
المهنيـة، نظـرا لانعـدام الاهتـمام بالأمـن المهنـي وانتشـار المهـن الخطـرة.
وبحسب التقرير، فإن شركـة لافـارج للأسـمنت والإنشـاء، الفرنسـية الأصـل، تعتبر مثـال لشركـة متعـددة الجنسـيات، التي انتهكـت حقـوق العـمال في أكثـر مـن مناسـبة، مشيراً إلى أن الشركة، التـي كانـت مملوكـة في الأصـل لشركـة أوراسـكوم للإنشـاء، اندمجت مـع مجموعـة لافـارج الدوليـة عــام 2007، وبـأنه منــذ ذلـك الحين يشــكو العـمال مــن تعرضهـم لانتهــاكات متعلقــة بالأمـن والسلامة المهنيـة والحقـوق الماليـة.
وأضاف:" على الرغـم مـن تربح المالـك السـابق نصيـف سـاويرس، واستحقاق العـمال نحو 250 مليـون جنيـه مصـري (44 مليـون دولار أميركي) مـن عمليـة الدمـج، فقد شـكا العـمال مـن عـدم حصولهـم ولـو علـى جنيه واحد مــن العمليــة، مؤكديــن أن الأمــوال وزعــت عـلـى الإدارة العليــا للشركــة، ولم تصلهــم أبـدا".
ولفت إلى تهرب الشركات متعددة الجنسيات من المسؤوليات البيئية في مصر، حيث ذكر أن نقطـة التحـول المركزيـة في إطـار سياسـة الطاقـة، هـو قرارهـا الصـادر حديثـا باسـتخدام الفحـم لتوليـد الطاقـة.
وقال: "هـذا القـرار الخطـر يفيـد بشـكل واضـح الـشركات متعــددة الجنســيات العملاقــة، خاصــة تلــك العاملــة في صناعــة الإســمنت، التــي تتحكـم في 80% منهـا، الـشركات متعـددة الجنسـيات.
وكشف التقرير عن أن الشركات متعددة الجنسيات تتهرب من الضرائب في مصر، مشيرا إلى أن جانـبا كبـيرا مـن التدفقـات الماليـة المحظـورة إلى خـارج الـدول الناميـة مـن الانتهـاكات الضريبيـة، تتبع الشركات متعددة الجنسية، وقـدر أن مـصر خلال الفتـرة مـن 2001 وحتى 2010 فقـدت ما يصل إلى 5.6 مليـارات دولار أميركي، نتيجـة للتدفقـات الماليـة المحظـورة، وشـكلت الانتهـاكات الضريبيـة للشـركات نحو 80% مـن هـذه التدفقـات إلى الخـارج، خاصـة عـبر الممارسـة المعتـادة المتمثلـة في سـوء تسـعير التحويـل.
وبناء على نتائج التقرير، وجه المركز المصري لصناع القرار، بمطالبة لإعادة النظر في الأطر الحاكمة للاستثمار، وذلك من أجل ضمان عملية جذب الاستثمار الأجنبي وعدم تصادمها مع محاربة ومكافحة الفساد، الذي يعد من أهم الأسباب في هروب المستثمرين الأجانب من مصر.
وطالب التقرير، بأن تقوم مصر بوضع استراتيجية متوازنة، ما بين حقوق المستثمر، وحقوق الدولة المصرية، وحقوق المواطن في الحفاظ على المال العام والاستفادة من خيرات مصر، كما دعا إلى: "أن تتوقف الحكومة المصرية عن الانشغال بالأعراض (قضايا التحكيم الدولي) عوضا عن انشغالها بالمرض (الفساد المنتشر والممنهج)، والتعامل باستراتيجية وطنية ومرنة مع الاستثمار الأجنبي كوسيلة، وليس كهدف مطلق".
وبحسب التقرير، فإنه بدلا من بناء إطار تشريعي لمكافحة الفساد، قامت الحكومات المتتابعة بعد الثورة بتعديل التشريعات القائمة بطرق تيسّر الفساد، بل وتجاوزت أحكام القضاء المصري.
ويأتي التقرير بينما تستعد الحكومة للإعلان عن قانون الاستثمار الجديد، الصادر عن لجنة التشريعات الاقتصادية المنبثقة من اللجنة العليا للإصلاح التشريعي، استعدادا لإصداره قبل المؤتمر الاقتصادي في شهر مارس/آذار القادم.
كما يأتي التقرير، في ظل تكثيف جهود الحكومة لتطهير وتعديل البيئة التشريعية، من أجل إصلاح مناخ الاستثمار وخلق بيئة جاذبة له.
واهتمت التعديلات التشريعية في الأشهر الماضية بتوفير ما يسمى بـ"حماية حقوق المستثمر"، بحسب التقرير، الذي أوضح أن التعديلات لضمان الحماية الكاملة والأمن التام للمستثمر الأجنبي، والتأكيد على معاملة المستثمر الأجنبي معاملة المستثمر الوطني في كافة المزايا والاستحقاقات، وكذلك إعطاء المستثمر الأجنبي الحق في استخدام العمالة الأجنبية، جاءت دون التقيد بتشغيل العمالة المحلية المصرية، وتحريك الأرباح خارج مصر، دون أي قيود أو شروط لإعادة استثمار نسبة من الأرباح في مصر.