رغم أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طلب شخصياً من الوزير الأسبق والقيادي الوسطي، جان لوي بورلو، تقريراً عن الضواحي الفرنسية، إلا أن تسليم التقرير يوم 26 أبريل/نيسان الجاري، لرئيس الحكومة إدوارد فيليب بالنيابة عن الرئيس، فسّره كثيرون بأن لا أهمية للضواحي لدى ماكرون في اللحظة الراهنة.
وسيعرض ماكرون موقفه من التقرير في 22 مايو/ أيار المقبل، أثناء خطابه المرتقب عن "سياسة المدينة"، الذي يُنتظر أن يعلن فيه الرئيس عن قرارات مهمة.
ويكشف جان- لوي بورلو في تقريره "الجريء" فشل الحكومات الفرنسية المتعاقبة في التعامل مع الأراضي "المنسية" من الجمهورية، "ليس فقط بسبب الإمكانات المتواضعة التي سُخرت للأحياء الشعبية، والتي كانت دون الحدّ الأدنى الجمهوري، بل الأخطر كان عدم تنفيذ خطط الإصلاح".
وتطلَّب إعداد تقرير بورلو شهوراً عدة، ويعترف الأخير أنه أعدّه في ظروف مَرضيّة أقعدته طويلاً في الفراش، أجرى خلالها لقاءات عديدة مع المنتخبين المحليين والجمعيات. ويُعرف بورلو بطموحه السياسي، وأفكاره الجريئة والإنسانية، ولعلّ آخرها العمل على تعميم الطاقة الكهربائية على كامل القارة الأفريقية لربطها بالعالم في ظل العولمة.
ويعتبر التقرير "دعوة للتعبئة الوطنية من أجل الضواحي"، بحسب بورلو. ولا يقف عند حدود توصيف واقع الضواحي، بل يقدم مقترحات ملموسة لتحسين أوضاعها وإدماجها في الجمهورية.
— Jean-Louis BORLOO (@JLBorloo) April 26, 2018 " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
ولم يتوقف رؤساء البلديات في تلك المناطق عن إبلاغ السلطات الحكومية بتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية فيها. واضطر أحدهم للاستقالة قبل أسابيع قليلة، بعد 17 عاماً من العمل، بسبب جمود المشاريع والمبادرات، وتعامل الدولة بدونية واحتقار مع الأحياء الشعبية.
ويكرّس التقرير أهمية كبرى للتعليم، ودوره المهم في الاندماج المجتمعي وفي سوق العمل. ويقترح إنشاء مدرسة عليا جديدة هي "المدرسة الوطنية للإدارة" تلتقط "مَواهب شبابنا خصوصاً الموجودين منهم في الأحياء الشعبية"، ويمكن الانتساب إليها عبر خوض مباراة تتيح للفائزين بأن يكونوا "موظفين متدربين ويحصلون على مرتب 1700 يورو، طيلة سنوات الدراسة". ويكون لِزاماً على الخريجين العمل في وظيفة حكومية خلال فترة لا تقل عن عشر سنوات.
ويقترح التقرير ضخّ مليار يورو لتشغيل قطار الضواحي السريع، للتقريب بين المدن وضواحيها، وفتح الآفاق أمام شباب الأحياء الشعبية المُحاصَرين في غيتوهات، التي يعتبرها رئيس الحكومة السابق، مانويل فالس "أبرتهايد اجتماعي واقتصادي".
ويطالب التقرير بإتاحة إمكانية السفر لكل طفل ومراهق يتعلم في تلك الأحياء، أربع مرات خلال سنوات دراسته للِقاء الآخَر، داخل فرنسا وإلى دولة عضوة في الاتحاد الأوروبي. ويشير إلى مراعاة ظروف أسرة الطالب المادية، وإتاحة السفر المجاني لأبناء الأسر المتواضعة.
ولم تغب المرأة في الأحياء الشعبية في التقرير، الذي يطالب بإنشاء "بيوت ماريان" لمنح الحماية للنساء المعنفات والمهمشات والمنخرطات في الحركة الاجتماعية، في الطوابق الأرضية من البنايات. وتوفير ميزانية تصل إلى 10 آلاف يورو سنوياً لتلك البيوت، إضافة إلى خلق 6000 وظيفة شغل، 4500 وظيفة منها للنساء.
ويقترح التقرير زيادة أعداد عناصر الشرطة في الضواحي، مدعومة بنحو 500 شخص مهمتهم المساهمة مع الشرطة البلدية في إرساء سياسة "الهدوء العمومي". كما يقترح التقرير توظيف 200 امرأة في هذا المجال، لمكافحة الجريمة، ونشر الأمن والسلامة.
ويوصي بورلو إنشاء 200 فضاء رقمي، وتقديم دروس حرة وتكوين مهني، وتجذيره في الأحياء المتعطشة للنجاح. إضافة إلى إنشاء "مؤسسة للسكن"، يشارك فيها كل الفاعلين من جماعات محلية وممولين وشركاء اجتماعيين ومُؤجِّرين، لتحسين مشاكل الحوكمة في التجديد الحضري. وكذلك يطالب الحكومة بتوفير قسم من تمويل تلك المقترحات وضمان تنفيذ الالتزامات.
ويُقدّر تقرير جان- لوي بورلو الميزانيات السنوية الإضافية الضرورية بـنحو 10 مليارات و250 مليون يورو، تتحمل منها الدولة مبلغ 3.2 مليارات يورو، والباقي يتقاسمه الممولون العموميون أو القطاع شبه العمومي وصندوق الودائع والأمانات.
— TF1LeJT (@TF1LeJT) April 27, 2018 " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
وإذا كانت الحكومة الفرنسية ليست ملزمة بتنفيذ التقارير التي توصي بإعدادها، كما حدث مع تقرير سبينيتا حول "الشركة الوطنية للسكك الحديدية"، والذي أعلنت عن تنفيذ بعض توصياته والعدول عن أخرى. فإن بورلو، يشدد على أن تقريره، "يجسّد إجماعاً عاماً على الحلول التي يجب تنفيذها. والدخول فوراً في التفاصيل، ثم الانتقال إلى العمل". كما يأمل أن يطبق الرئيس ماكرون كل توصيات التقرير، أي مقترحاته وعددها 19 مقترحاً.
ولا يخفي بورلو أن إدماج شباب الضواحي هو "محرّك نموّ جديد"، وأن "كثيراً من رؤساء بلديات الضواحي عبّروا له عن دعمهم للتقرير واستعدادهم للعمل". ويشدد بورلو، الذي أقنع رؤساء بلديات كثراً بعدم الاستقالة في انتظار موقف الرئيس ماكرون من تقريره، على أن "إنقاذ الضواحي قضية أمّة، وعلى قائد الأمّة أن يقرّر".