تقارب عسكري لفنلندا والسويد مع حلف الأطلسي: توسيع التحالفات بوجه روسيا

30 يونيو 2017
تعزيز للتعاون العسكري بين السويد والدنمارك(Getty)
+ الخط -
شهدت العاصمة السويدية استوكهولم، اليوم الجمعة، توقيع حلف شمال الأطلسي مذكرات تفاهم بينه وبين السويد وفنلندا، تهدف إلى توسيع مشاركة الدولتين في فرقة المشاة المشتركة.

ويبرّر حلف الأطلسي توسيع مشاركة الدول المطلة على البلطيق بما يسميه "مواجهة تهديدات روسيا في المنطقة"، وبهذه التفاهمات تصبح هيلسنكي واستوكهولم جزءا فاعلا في القوة التي تقودها بريطانيا.

 وكانت كل من الدنمارك وإستونيا وليتوانيا ولاتفيا والنرويج وهولندا انضمت إلى فرقة المشاة في عام 2015 لـ"سرعة نشر وإرسال قوات قتالية في حال اندلاع نزاع".

 تأسست هذه الفرقة بالأصل في بريطانيا، وأضحت منذ قمة الحلف الأطلسي في 2014 جزءا أساسيا من مكوناته.

وتشهد منطقة البلطيق توترا متزايدا بين روسيا وعدد من الدول الأعضاء وغير الأعضاء في الناتو، كفنلندا والسويد، وقد حذرت الأجهزة الأمنية والدفاعية في استوكهولم من تزايد "استفزازات وعدوانية روسيا".

وبالرغم من وجود معارضة شعبية في السويد لانضمام بلدهم إلى حلف الأطلسي، إلا أن التوترات التي شهدتها المنطقة دفعت حتى بأحزاب يسار الوسط للقبول بالتقارب معه، بالإضافة إلى تعزيز التعاون مع دول الشمال ضمن "مجلس دفاع الشمال".

وشهدت مياه وسماء البلطيق في الآونة الأخيرة عدداً من الأحداث كاد بعضها أن يصل حد الاشتباك العسكري بين السفن والطائرات العسكرية الروسية والأطلسية.

روسيا المسؤولة

 يرد مختصون في الشؤون الدفاعية في "الأكاديمية العسكرية" في استوكهولم زيادة التوتر إلى "إصرار روسيا على تعزيز مواقعها وتحركاتها في جيب كالينينغراد".

من جانبها، ذهبت وزارة الدفاع السويدية، في بيان نقلته وكالة الأنباء السويدية "تي تي"، اليوم الجمعة، إلى اعتبار انضمام السويد إلى القوة المشتركة "جزءا من عملية الدفاع عن دول البلطيق، وتوسيعا لتعاون دول الشمال معها في وجه التهديدات الروسية".

وزير الدفاع الدنماركي كلاوس يورت فريدريكسن، عبر عن سعادته لتوسيع الفرقة المشتركة "فهي إشارة إلى أن التذبذب الأميركي انتهى، وما عاد من شك بأن واشنطن تدعم مئة بالمئة الدفاع الجماعي لحلف الناتو".  

واعتبر فريدريكسن أن "انضمام السويد وفنلندا إلى التعاون العسكري ستكون فوائده كبيرة للبلطيق ودول الشمال"، محملاً روسيا مسؤولية التوترات العسكرية، "فنحن مضطرون لإيجاد صيغ تعاون بين الحلف (الناتو) ودول الاتحاد الأوروبي في مواجهة التحديات المفروضة وتهديدات روسيا، والآن كل الدول في بحر البلطيق تتجه لزيادة موازناتها الدفاعية".

ولم يختلف موقف وزير الدفاع السويدي عن موقف نظيره الدنماركي بيتر هولتكفيست، إذ عبر عن اعتقاده بأن انضمام بلاده للتعاون في القوة المشتركة "سيعود بالفائدة علينا".

وأضاف هولتكفيست أن استوكهولم "تنظر إلى التعاون الوثيق الآن كفرصة لتطوير التعاون الأمني والعسكري في المنطقة، وسيعدل (الاتفاق) من الصورة الأمنية التي كانت قائمة في سماء البلطيق، حيث كانت الطائرات تكاد تصطدم، وتعاوننا هذا سيعمل على منع أية مشاكل وأزمات محتملة، لأن أية نزاعات ستؤثر على جميع الدول المحيطة بالبلطيق".

وبهدف طمأنة المعارضين في بلده وخارجه، قال هولتكفيست "سوف يكون تعاوننا في الفرقة المشتركة مستندا إلى الظروف بحسب كل حالة، دون أن يؤدي ذلك إلى تعارض مع سياسة عدم الانحياز لبلدنا".

وكانت السنوات الأخيرة قد شهدت تعزيزا للتعاون العسكري بين السويد والدنمارك، بما يسمح بسرعة تحليق الطائرات الحربية الدنماركية في الأجواء السويدية حال مطاردتها لطائرات روسيا فوق جزيرة بورنهولم، دون اتصالات بروتوكولية كانت قائمة سابقا.

من ناحية ثانية، تشير اللغة السياسية التي يستخدمها الرسميون في دول الشمال إلى تصاعد التوتر وغياب الثقة، ففي أحدث تصريحات تناولت روسيا، ذهب وزير الدفاع الدنماركي، فريدريكسن، إلى أوصاف قاسية وجديدة بحق موسكو والرئيس فلاديمير بوتين.

 وقال الوزير في اجتماع سياسي شعبي حاشد في جزيرة بورنهولم "نحن نحكم على روسيا من أفعالها، قاموا بضم القرم وبدأوا حربا في جورجيا، مثلما فعلوا في أوكرانيا، وتتزايد عدوانيتهم بحق جيرانهم"، مضيفاً "ما أراه هو أنه لا يمكنك الوثوق بهذا النظام (الروسي) برئاسة شخص نشأ في كنف الكي جي بي، ولا يمكنك التغاضي عن مشاعره التي تبغض الديمقراطية".

وأوضح أن ما يمكن قوله "إننا أمام نوع من ديكتاتورية الدولة، لا يستطيع الناس المناقشة بحرية، ويخصصون معظم الموارد للقوات العسكرية، فهذه هي الدولة التي نواجه تهديداتها".

تحذيرات روسية

 وتلقى الخطوات الحكومية في الشمال دعما من يسار الوسط، وخصوصا في صفوف الديمقراطيين الاجتماعيين، الذين يرون أن "التهديد الروسي بات يتجاوز كل تهديد إرهابي وغيره من التحديات". ويحمل هؤلاء روسيا مسؤولية "العسكرة واضطرار استوكهولم مدفوعة بالتهديدات إلى تعاون عسكري أوثق مع الناتو".

ولا يبدو أن الروس معجبين كثيرا بهذه التحركات، فالسفير الروسي في كوبنهاغن، ميخائيل فانين، عبر عن رفضه لهذا التعاون الوثيق بين دول الشمال والأطلسي. ودعا فانين إلى "عدم النظر إلى روسيا كتهديد، بل مناقشة سياسات التعاون في مجال الطاقة، وخصوصا خط نورد ستريم 2 المار في البلطيق".

لغة السفير الروسي التي تحاول التخفيف من قلق دول الشمال لا تشبه لغة التحذير التي انطلقت قبل 3 سنوات ومستمرة حتى الآن على لسان ساسة روسيا، بمن فيهم الرئيس فلاديمير بوتين.

 ففي يونيو/حزيران 2014 حذر بوتين عبر مبعوثه الخاص، سيرغي ماركوف، من أن "انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي سيكون بداية الحرب العالمية الثالثة"، (في لقاء مع صحيفة فنلندية).

وتتهم موسكو هيلسنكي بأنها "أكثر دولة أوروبية تعاني من رهاب روسيا (روسفوبيا، وفقا لتعبير ماركوف)".



ويرى مراقبون أن التقارب العسكري في البلطيق سوف يثير الجانب الروسي، وخصوصا إذا ما مضى "الناتو" في مشاريع "الردع الصاروخي"، وتسليح الفرقاطات الدنماركية بتوماهوك ونشر غواصات للناتو، كرد على نصب روسيا لصواريخ إسكندر في كالينينغراد.

وتبدو نهاية الصيف حارة ومتوترة بين روسيا ودول الشمال، ففي سبتمبر/أيلول القادم ستنطلق في السويد، وعلى مدى 3 أسابيع، تدريبات عسكرية تشارك فيها الولايات المتحدة وفنلندا وفرنسا وإستونيا والدنمارك والنرويج.

ومثل هذه المناورات بمشاركة 20 ألف جندي، وسرية دبابات أميركية، انطلاقا من غوتيبورغ، تثير مخاوف روسية عن تخلي السويد عن سياسة عدم الانحياز، وأن فنلندا لا تأبه لتهديدات مبعوث بوتين في مسألة الناتو.

وكانت استوكهولم قد وقعت مع حلف الناتو في عام 1994 اتفاقية شراكة، وفي 2009 وقعت على اتفاقية تعاون عسكري مع الاتحاد الأوروبي للدفاع عن الدول الأعضاء في حال تعرُّض إحداها لعدوان ومن بينها السويد.

وتنشط السويد وتشارك في عدد من المناورات والتدريبات والعمليات العسكرية مع الحلف، ودخلت في 2016 في معاهدة مع الناتو باسم "البلد المضيف"، وهي التي تسمح لحلف شمال الأطلسي بأن يرسل جنوده لإقامة مناورات عسكرية كالتي ستستضيفها استوكهولم (لأول مرة منذ الحرب الباردة) لثلاثة أسابيع بعد حوالي الشهرين.