بلدة كفرعقب، الواقعة شمال مدينة القدس المحتلة، هي إحدى بدائل ومخططات الاحتلال الإسرائيلي لتهجير الفلسطينيين من القدس، لكن بحوافز شبيهة بالتي تُقدّم داخل المدينة، مع صرف النظر عن البناء والتوسّع والمخالفات القانونية التي لا يمكن أن يتم تجاوزها في القدس ذاتها.
تبلغ مساحة كفرعقب حوالى 3500 دونماً، يسيطر الاحتلال الاسرائيلي على ثلثي هذه المساحة لصالح المستوطنات وجدار الفصل العنصري. البلدة مصنّفة في خانة المناطق التابعة للسيادة الإسرائيلية، ويجتاحها الانفجار السكاني، إذ قُدّر عدد سكانها في الفترة الأخيرة، بحسب بعض الاحصائيات، بأكثر من 80 ألف نسمة، جُلّهم من حَمَلة الهويات المقدسية، وليسوا من سكانها الأصليين.
ما يلفت النظر فيها هو كثرة البناء العشوائي في كل مكان، بالإضافة إلى الارتفاعات غير القانونية لبعض المباني السكنية، حيث لا توجد أي زاوية أو تجمع سكاني، إلا يضمّ عشرات العمارات والأبنية، وهذا الأمر ليس بالطبيعي لقرية بمساحة صغيرة في ظل الانفجار السكاني الضخم الذي يثقل كاهلها.
يقول أحمد نافع، الذي يعيش في البلدة منذ العام 1978، إن المشكلة الأساسية في كفرعقب هي الاحتلال، كونه السبب الأساسي في كل شيء. ويضيف أن منطقة كفرعقب ضُمّت إلى اسرائيل عام 1968، وتعتبر مخططاً إسرائيلياً، كون الاحتلال بات يخشى التكاثر السكاني في القدس، والمنطقة بقيت تحت السيطرة ومصنّفة على أنها منطقة "قدس"، على الرغم من أنها خارج الجدار وتتبع إدارياً لبلدية الاحتلال، الامر الذي جعلهم يفكرون كثيراً كيف تصبح كفرعقب ملاذاً مشروعاً لأي مقدسي يريد الهرب من إجراءات وتضييق الاحتلال.
ويتابع نافع أن "أهالي القدس مستعدون للعيش في الكهوف أو الخيم والبيوت الصغيرة من أجل المحافظة على الهوية المقدسية. لقد أوجد الاحتلال الحل في إقامة مناطق تفريغ على حدود القدس، تقع خارج جدار الفصل العنصري، سُمح فيها للمقدسيين بالبناء من دون رخص وبشكل عشوائي، ودون تحديد لعدد الطوابق في العمارات السكنية، بكامل الخدمات التي تقدم لهم في القدس من تأمين وطني وصحي وتعليمي".
ويشير نافع إلى أن البلدة تعاني من الانفجار السكاني، الذي خلّف المزيد من المشاكل الاجتماعية والأخلاقية والثقافية، إلى جانب المشاكل الصحية والبيئية والتعليمية، وانتشار الفلتان الامني والمخدرات بين الشباب، وانعدام الترابط الاجتماعي. ويعلّل ذلك، بسبب إهمال بلدية القدس للمنطقة وسماحها بالبناء العشوائي فيها، إضافة إلى عدم خضوع المنطقة للسلطة الفلسطينية كونها داخل حدود بلدية القدس.
ويلفت إلى غياب مدارس حقيقية في البلدة، كاشفاً أن بلدية القدس منحت تراخيص لعدد من المدارس أنشئت في مبانٍ سكنية مكوّنة من أربعة إلى خمسة طوابق، لا ترقى إلى مستوى مدرسة. ويوضح نافع أن هذه التجمعات العشوائية استقطبت أكثر من 80 ألف مقدسي من أحياء وبلدات مختلفة من القدس، وهو ما أدى إلى انعدام الترابط الاجتماعي، وانتشار المخدرات، ومشاكل عديدة في الصرف الصحي.
من جهته، يقول أبو جعفر (52 عاماً)، وهو من السكان الأصليين لبلدة كفرعقب، إن البلدة كانت صغيرة جداً لا يتجاوز عدد سكانها الألفي نسمة، من حمَلَة الهوية الفلسطينية، يعيشون في المنطقة المصنّفة "ج"، وفق اتفاقية أوسلو (الخاضعة للسيادة الإسرائيلية). أما المنطقة التي ضمّها الاحتلال عام 1968، فكانت خالية تماماً من السكان.
يستذكر أبو جعفر فترة ما قبل العام 2000، حين كان البناء ممنوعاً في المنطقة التي تخضع لسيطرة الاحتلال، إلا بترخيص من بلدية القدس. وكانت رخصة البناء محصورة بتشييد منزل لا يتجاوز الطابقين، وتكلّف حوالى 200.000 شيكل، لكن بشكل مفاجئ وضمن مخطط تهجير السكان الفلسطينيين، سمح الاحتلال للمقدسيين بالبناء فيها وبطوابق تتجاوز المسموح به قانونياً لاستيعاب الاعداد الهائلة من المقدسيين المهاجرين إليها.
أسعار الشقق في كفرعقب أقل بحوالى أربع مرات من تلك السائدة داخل مدينة القدس. وقد سمحت إسرائيل للمقدسيين بالسكن داخل بلدة كفرعقب مع الاعتراف بهويتهم الاسرائيلية، إلى جانب تقديم الخدمات البلدية إليهم، وجباية ضريبة سنوية، تدعى "أرنونا"، وهي ضريبة سكن يدفعها كل مواطن مقدسي يحمل الهوية الاسرائيلية.
يرى أبو جعفر أن كفرعقب هي "جائزة كبرى للاحتلال. فقد شجّعت بعض المقاولين وأصحاب رؤوس الاموال على البناء كما يريدون، من دون تسجيل أي مخالفات، والمقدسي يريد المحافظة على هويته، لكنه يريد أيضاً أن يتوسّع في السكن، كون مساكن العرب كافة في القدس ضيّقة، وتكاليف البناء والتوسّع فيها باهظة جداً، والبلدة كانت مخرجاً لإسرائيل لاستيعاب أكثر من 80 ألف مقدسي، وضعت لهم بعض المدارس، والخدمات، في منطقة تقبع خارج الجدار وتخضع لسيطرة بلدية القدس".
ويشير المهندس في المجلس القروي لكفرعقب، عبد الناصر أبو رحمة، إلى أن نسبة كبيرة من أراضي البلدة تحت سيطرة الاحتلال، وتحوي العديد من مخالفات البناء والاستيلاء على الأراضي، لافتاً إلى أن بلدية القدس لا تهتم بتجاوز عدد الطبقات المسموح بها للعمارة السكنية، ولا بالمواصفات والمقاييس الخاصة بأي عمارة سكنية، و"أكثر من 90 في المئة من المباني العشوائية غير مطابقة للمواصفات والمقاييس".
معاناة كفرعقب، كبيرة، كغيرها من العشوائيات في العالم. لكن البلدة تحمل ثقلاً سياسياً كبيراً، كون إسرائيل صرفت النظر عن الكثير من قوانينها في المناطق التي تخضع لسيطرتها، لأنها تريد التخلص من العرب المقدسيين بصورة "مشروعة"، وربما تكون قد نجحت بعد خروج أكثر من 80 ألف مقدسي ليعيشوا في مساحة قد يستغني الاحتلال عنها في أي وقت، ويتركها قنبلة سكانية موقوتة في رقبة السلطة الفلسطينية.