تفاقم ظاهرة الغش لدى طلاب الثانوية العامة
في ظاهرة لم يسبق لها مثيل في الجمهورية اليمنية -منذ عقد من الزمن- صار الغش أمرًا سهلًا، وتم التداول على المواقع الإلكترونية والصحف والشبكات الاجتماعية بما آل إليه اليمن من فوضى عارمة بسبب ظاهرة الغش التي ينتهجها بعض طلاب الثانوية العامة في المراكز الامتحانية.
بيد أن الأمر لم يتوقف هنا وحسب، بل باتت المبادرة والتسابق نحو هذا -المضمار- نوعًا من الرأفة والرحمة بالطالب حد زعمهم، وظنًا منهم أن الفعل هذا لا يعد إلا مجرد خدمة اجتماعية لأبناء بلدهم من أجل أن يجدوا الكم الهائل -من الطلاب- متفوقين كمًا لا كيفًا.
عزيزي المواطن -المشوه خُلقيًا- هل ترضى بأن يموت مريضك على يد طبيب نجح بالغش، وأن ينهار بيتك على يد مهندس نجح بالغش، وأن تخسر أموالك على يد محاسب نجح بالغش، وأن تُخذلَ مظلوميتك أمام القضاء على يد قاض أو محام نجح بالغش، وأن يتفشى الجهل في عقول أبنائك في المستقبل القريب على يد معلم نجح بالغش؟
فهل تعي وتدرك أن انهيار العلم هو انهيار الأمة كلها، وأن نجاح الأمم والشعوب مرتهن بجودة التعليم، وأن الحضارة والتقدم لا يأتيان إلا من مكافح ومجتهد، آثر نفسه على اللهو واللعب من أجل أن يخدم نفسه ومجتمعه؟
ومع استمرار هذا السيناريو أو الشبح المخيف، إلا أن الحقائق تظهر على ما هي عليه حينما يتقدم الطالب المخدوع بالمعدل الذي حصل عليه -زعما لا حقيقة- إلى إحدى الكليات المرموقة، كالطب أو الهندسة؛ فينصدم نفسيًا بالنتيجة، وحينها يدرك أن مكانه الحقيقي ليس كما كان يوهم نفسه، وأنه كان يعيش حلما لا حقيقة، فلقد خاب وخاب كل من كان يفخر به، وألا مكان له بين المتفوقين المثابرين! فتجده يخجل ويتلعثم مجرد أن يُسأل عن معدله في شهادة الثانوية العامة؛ لأنه لن يستطيع أن يطرح الإجابة الصحيحة والمنطقية لها، كونه لم يضع الإجابات الصحيحة أثناء الامتحانات.
النقص في المعلمين والكتب المدرسية والفصول الدراسية في بعض المناطق اليمنية، تسبب في حالة من الخوف والهلع لدى الطلاب من الرسوب، لأسباب لا علاقة لهم بها؛ ولذا يمارسون الغش تعويضاً لذلك
وفي الوقت الذي ينتظر فيه الطالب المجتهد المثابر درجته الحقيقية، يفاجأ بأنه أقل درجة من الطالب الذي لم يجتهد نصف ما اجتهد، فيحزن ويتألم، ولكننا نقول له: تمهل يا عزيزي، وثق وأعلم بأنك القوي الأمين، وأن مستقبلك هو المستقبل الذي ينتظره أبناء جلدتك، وأن الله لن يضيع عمل عامل منكم، وليس بالضرورة أن تنال الدرجات العليا التي كنت وما زلت تحلم بها، وإنما يكفيك شرفًا أن تكون ما أنت عليه، ولا ترتدي لباس الزور، فالحامل بما لا يعطي كلابس ثوب زور.
وللعلم طالب أحرز 60% باجتهاده ومثابرته خير من طالب أحرز 90% بوسائل الغش والاحتيال، لماذا؟، لأن إحرازه 60% يضمن له القبول والتفوق في إحدى مجالات العلوم الإنسانية، حيث يكون متقن لفن من هذه الفنون باجتهاده ومثابرته، نافعا للأجيال القادمة بكل عزيمة وإصرار، ويظل شجاعا حاملا كل معاني الثقة بما هو فيه، وخير من طالب أحرز 90% ولكنه يموت مئات المرات من هول الإحراجات والمصائب التي تسبب بها، فتجده مهزوم الثقة متهربا من الحقيقة، فعليك أيها المثابر أن تعي أن كل هذا -الذي أنت فيه- كان ثمرة من ثمار الأيام التي سهرت واجتهدت بها وصدقت مع الله ومع نفسك ومع مجتمعك، ولا سيما أن الكثير منا يؤمن بأن العبرة ليست بالدرجة التي يحصل عليها أبناؤنا، وإنما العبرة في اجتيازهم لامتحان القبول في الكلية التي تقدموا لها.. إذا فلماذا القلق أيها الطالب المثابر؟!
عندما نتأمل بكل تمعن عن الأسباب حول هذه الظاهرة المتفشية، سنجد أن لها عوامل عدة منها :
1- غياب الاستقرار السياسي، وضعف البنية التحتية من تعليم وصحة واقتصاد؛ نتيجة الحروب والصراعات الداخلية، والعدوان السعودي على اليمن، حيث تجد بعضا من الطلاب يعمل طوال اليوم من أجل لقمة العيش، كونه لا يستطيع الجمع بين العمل والدراسة في آن واحد؛ فيلجأ إلى الغش.
2- مخالفة اللائحة الامتحانية، حيث إنها تنص على أن لا يزيد المركز الامتحاني عن 200 طالب وطالبة، فضلا عن تعيين مراكز امتحانات من نفس المركز، مما يؤدي إلى عدم القدرة على ضبط لجان الامتحانات من حيث الكم، وتفعيل العاطفة لأبناء المركز من قبل رئيس المركز الامتحاني.
3- غياب الوازع الديني، وعدم استشعار المسؤولية أمام الله وأمام المجتمع، وضعف في الرقابة المركزية والمحلية أثناء سير عملية الامتحانات، واكتفاء المسؤولين عن التعليم بزيارة عدد محدود من المدارس في مراكز المدن فقط.
4- تفشي ظاهرة الواسطة والمحسوبية لأبناء المسؤولين والمشايخ داخل المراكز الامتحانية.
5- التهديد والوعيد بالسلاح الناري أو الأبيض -لا سيما- في المناطق الريفية والقبلية، ونشوب فوضى، وتسلق لجدران المراكز الامتحانية ضد من يحاول أن يضبط سير عملية اللجان الامتحانية، ويجنبها الغش، مما يشكل نقطة ضعف أمام من يحاول أن يصدح بكلمة الحق في ظل هذه الفوضى العارمة.
6- صعوبة المناهج وعدم توفر البيئة التعليمية المناسبة: حيث صرح الدكتور داود الحدابي، أستاذ المناهج بكلية التربية في جامعة صنعاء وأحد مؤلفي مناهج العلوم للمرحلة الثانوية، متحدثا لشبكة "زذني" أنه كان لديهم خطة في تدريب المعلمين وتجريبهم على المناهج وتزويد المدراس بالمعامل، وإجراء عمليات تقييم شاملة، ولكن ما تم في الواقع هو إقرار المناهج وليس تدريب المعلمين..
كما أن النقص في المعلمين والكتب المدرسية والفصول الدراسية في بعض المناطق اليمنية، تسبب في حالة من الخوف والهلع لدى الطلاب من الرسوب، لأسباب لا علاقة لهم بها؛ ولذا يمارسون الغش تعويضاً لذلك.
إذا ظن أحدنا في يوم من الأيام أن الغش في الامتحانات له كل هذه الأبعاد المخيفة، وإذا كنا قد ظننا ذلك فلماذا تواطأنا بالسكوت أو بالضعف فلم نقاوم هذا الوباء المستشري في بلادنا والذي يفرخ لنا كل يوم فاسدين محترفين يهددون قيم المجتمع ويشوهون فطرته.
من هنا نفهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا".
بعد أن تطرقنا لأهم الأسباب، يمكننا معرفة الحلول والتدابير التي تمكننا من الخلاص من هذة الظاهرة المزعجة:
- التربية الحسنة للأبناء، واستشعارهم مبدأ الرقابة والخوف من الله حتى في ظل غياب رقابة المعلم.
- تفعيل دور التوعية والإرشاد من قبل الآباء والأمهات تجاه هذه الظاهرة.
- تشجيع الطلاب على الدراسة، وتوفير كل السبل والاحتياجات التي تعينهم على فهم كافة المواد المقررة.
- تكريم وتحفيز الطالب المتفوق من بين أقرانه وحث الآخرين على التفوق ما يرسخ لدى الطلاب ثمرة الاجتهاد والاعتماد الذاتي دون اللجوء إلى أي وسيلة تخرجه عن الهدف الذي يسعى إليه.
- معرفة الأسباب والقصور لدى الطالب الذي يلجأ إلى الغش، والقيام بمعالجتها.
- إقرار عقوبات صارمة، ومعاقبته أمام أقرانه حتى يكون عبرة للآخرين وحتى لا تسول نفس أي طالب بالقيام أسوة بمن سبق له فعل ذلك.
- القيام بإعداد نماذج مختلفة حتى يتم التقليص والسيطرة من تفشي هذه الظاهرة.