تفاءلوا.. لا بديل عن ذلك

27 سبتمبر 2015
لا نملك رفاهية استبعاد كلمة "تفاؤل" من حياتنا (Getty)
+ الخط -
ربما يرى البعض أن كلمة "التفاؤل" هي أكثر الكلمات المثيرة للسخرية في واقعنا الحالي! وذلك بسبب الكوارث التي ألمت بوطننا العربي ـ خاصة في السنوات الأخيرة. ولكنني أتصور أن العكس هو الصحيح، وأن هذه الكلمة هي الأكثر واقعية، وأننا لا نملك رفاهية استبعادها أو تجاهلها.. ولكننا ربما نحتاج للإجابة عن خمسة أسئلة تضبط تناولنا لها.

السؤال الأول: هل هذه الأشياء هي التفاؤل؟
البعض يتصور أن التفاؤل هو تجاهل الواقع المرير، وهذا في الحقيقة "ليس" تفاؤلا، وإنما يسمي في علم النفس "إنكار"، وهو من أسوأ آليات الدفاع التي تلجأ إليها النفس عند الضغوط، و هي آلية مدمرة للإنسان لأنها لا تقدم حلولا، بل ترجئ التعامل مع المشاكل حتى تتفاقم!. 

والبعض أيضا يتصور أن التفاؤل هو مجرد الابتسامة أو ترديد الكلمات الإيجابية دائما! وهذا أيضا غير صحيح، فالتفاؤل ليس معناه "كبت" أحزاننا وتحويلها إلى ابتسامة "ظاهرية" على الوجه أو كلمات جوفاء باللسان، لأن هذا "الكبت" أيضا هو من آليات الدفاع النفسي المهلكة، والتي قد تؤدي للانفجار في أقرب لحظة. (الابتسامة والكلمات الإيجابية قد تكون جزءا من التفاؤل ولكنها ليست التفاؤل كله).

السؤال الثاني: إذن، ما هو التفاؤل؟
التفاؤل أعمق من ذلك بكثير، التفاؤل هو: أسلوب في التفكير ينبني عليه سلوك. وهو مهارة يمكن اكتسابها بالتدريج، حيث تدرب نفسك على أن ترى الحقيقة المريرة كما هي دون تزييف أو تجميل، ولكنك أيضا ترى في وسط هذه الحقيقة المريرة بعض النقاط المضيئة التي يمكن أن تتوسع إلى مساحات أخرى مضيئة أكبر وأكبر، ثم تحول ذلك إلى خطة عمل.

السؤال الثالث: وكيف يمكن التدريب على ذلك؟
التدريب يأتي بالتدريج من خلال "الحوار التحويلي" مع النفس في كل موقف صعب تمر به. فعندما يحدث موقف مؤلم تميل النفس لليأس والإحباط.
وهنا يجب أن يأتي هذا "الحوار التحويلي"، ليفتش عن "النقاط المضيئة" أو "نقاط القوة" أو "نقطة بداية" وسط ركام الهموم والمصائب. ثم الخروج من هذه النقاط بخطة عملية، ثم المثابرة والتطوير.

في البداية يكون هذا "التحويل" صعبا (من الاستسلام لليأس إلى البحث عن النقطة المضيئة)، ولكنه ـ بالتدريج ـ يتم بشكل تلقائي (أوتوماتيك)، تماما مثل هؤلاء الذين يتدربون على قيادة السيارة، حيث إنهم بالتدريج يمارسون هذه المهارة بشكل تلقائي. وأكرر هذا الحوار "التحويلي" مع النفس يشمل قدرا من الفضفضة والاعتراف بالألم، ولكنه ـ كما ذكرت ـ يشمل أيضا البحث عن نقاط مضيئة نبني عليها مساحة مضيئة أكبر من خلال العمل والجهد.

السؤال الرابع: هل من أمثلة؟
هنا أذكر مثالا واحدا وهو: أصحاب الإعاقات، حيث نرى بعضهم يحققون بطولات أو نجاحات. هؤلاء لم ينكروا إعاقاتهم، ولم يكتفوا بالابتسامة والكلمات الإيجابية، ولكنهم بحثوا عن النقطة المضيئة ليبنوا عليها، بحثوا عن نقطة قوة في قدراتهم أو ظروفهم، ثم جاء العمل والإرادة والجهد.

وقد يستلزم هذا العمل أيضا قدرا لا بأس به من الابداع (أعرف شابا مصريا مقطوع اليدين يعمل بإصلاح الساعات بأصابع قدميه)!! وأنا اخترت مثال "الإعاقة" لأنني أرى أننا كلنا الآن "معاقون"، تعددت أسباب إعاقتنا: الظروف السياسية، الظروف الاقتصادية، الذكريات المؤلمة، تجارب الفشل، العجز. تعددت الأسباب و"الإعاقة" واحدة.

السؤال الخامس: هل يمكن للنهار أن يأتي بعد الليل؟
والإجابة، نعم بالتأكيد، فكم من أمة انتكست ثم ازدهرت، وكم من إنسان انكسر ثم انتصر، ولكننا فقط لا نعلم متى سيأتي هذا النهار! وجهلنا بموعد مجيئه لا يعني أنه لن يأتي. الموعد ليس من اختصاصنا، بل هو من اختصاص الإله فقط، لذلك لا يجب أن نحشر أنفنا في اختصاص غيرنا!..

كل ما نملكه هو الاستمرار في التفاؤل والعمل والتقويم.. أن نصحح مساراتنا، نتقبل واقعا جديدا مختلفا عما توقعناه، نتقبل خيرا مختلفا عن الخير الذي لا نعرف غيره، ونستوعب شرا لم نكن نعرفه من قبل، نتعلم من أخطائنا، ولا نصر على أفكار ثبت خطؤها، أو وسائل ثبت فشلها، وأن نطهر عقولنا من الخرافات، ونطهر قلوبنا من الاحباط.

اقرأ أيضا:لا تقل لإبنك الـ"يضربك اضربه"

المساهمون