تغييرات الرئاسة العراقية: إصلاح أم تخلص من تركة الطالباني؟

26 ابريل 2019
اختار البرلمان صالح رئيساً في أكتوبر 2018(لودوفيك ماران/فرانس برس)
+ الخط -
تتفق أوساط سياسية عراقية مع مراقبين للمشهد السياسي على ترهّل منظومة رئاسة الجمهورية العراقية وأهمية إجراء تغييرات سريعة فيها، لا سيما في ظل وجود جيش من المستشارين والمدراء العامين وموظفي الرئاسة، الذين بات عددهم ضعف ما تحتاجه أعمال ديوان الرئاسة ذاتها. ففي كل دورة انتخابية يتم تعيين مستشارين وموظفين جدد يكونون في العادة من حزب الرئيس أو محسوبين عليه، مع وجود شخصيات لم تتغير منذ نحو 14 عاماً، معظمها من الذين استقدمهم الرئيس الراحل جلال الطالباني معه من السليمانية وكركوك، تجاوزت أعمار بعضهم السن القانونية للتقاعد. وفي السياق أعادت التغييرات التي يجريها الرئيس الحالي برهم صالح داخل مؤسسات الرئاسة، والتي بدأت تتسرب تفاصيل بشأنها إلى وسائل الإعلام، تساؤلات حول الهدف منها، وما إذا كانت محاولة لإجراء إصلاحات فقط أم أنها تسعى للتخلص من "تركة" الطالباني داخل مؤسسة الرئاسة.

وأخيراً، كشفت تسريبات من داخل منظومة الرئاسة عن حزمة تغييرات واسعة باشر صالح بإجرائها، بدءاً من مكتب الرئيس وصولاً إلى ديوان الرئاسة والهيئة الاستشارية وباقي المديريات والأقسام الأخرى، تماشياً مع دعوات الإصلاح ومحاربة الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة، إلا أن الرئاسة لم تكشف بشكل رسمي عن هذه التغييرات. مع العلم أن المتحدث باسم الرئيس، لقمان الفيلي، سبق أن أكد في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، أن "مؤسسة الرئاسة، ومنذ استلام برهم صالح، تعمل على معالجة الترهّل فيها"، مبيناً أن "العمل جار على اتخاذ إجراءات إدارية، وإعادة هيكلة رئاسة الجمهورية". وأعقب ذلك نفي الرئاسة في فبراير/ شباط الماضي، ما تم تداوله بشأن تعيين النواب السابقين حنان الفتلاوي، وميسون الدملوجي، وحسن السنيد، وعبد الكريم السامرائي، مستشارين للرئيس برواتب عالية. وقالت في حينه، إن "لديها مستشارين يعملون بشكل تطوعي من دون أجر".

من جهته، قال مسؤول رفيع في مكتب صالح، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "معظم التغييرات التي حدثت لم تكن على سبيل العقوبة، بل جاءت بناءً على رغبة الرئيس الذي كان يريد تحميل المسؤولية للأكفأ"، مبيناً أن "التغييرات طاولت مسؤولين ورؤساء أقسام ومستشارين تمّت إحالة قسم منهم إلى التقاعد، كما تم تحديد صلاحيات آخرين أو نُقلوا لأماكن أخرى". ولفت إلى أنه "تمّ إجراء تغييرات كبيرة في مكتب رئيس الجمهورية والهيئة الاستشارية، التي شهدت استبدال أعضائها، الذين تمّ تعيينهم في زمن الرئيس السابق فؤاد معصوم، والراحل جلال الطالباني". وأوضح أن "التغييرات التي حدثت لم تشمل طرد أو فصل أي مدير أو موظف، بل ما حدث هو تغيير في المواقع، لا سيما للأشخاص الذين شغلوا مواقعهم أكثر من ست سنوات".

وأشار المسؤول إلى أن "التغييرات شملت أيضاً رؤساء لجان مهمة في رئاسة الجمهورية، وموظفين في دوائر ذات أهمية أيضاً، بما في ذلك في الدائرة القانونية، ودائرة المراسم"، مؤكداً "استقطاب عدد من الإعلاميين البارزين في المكتب الإعلامي للرئيس، الذين رافق بعضهم صالح خلال زيارات إلى خارج البلاد". وأوضح أن "صالح أبلغ مقربين منه برغبته في اختيار نائب واحد له، بدلاً من ثلاثة كما هو معمول به".



من جهته، دعا عضو البرلمان عن ائتلاف "دولة القانون"، علي الغانمي، إلى "ضخّ دماء جديدة في الوجوه التي يتم تغييرها في دوائر رئاسة الجمهورية"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، ضرورة "استبدال الذين تسلموا مناصب أو مهمات عمل لفترات طويلة خصوصاً من مستوى مدير عام فما فوق". وأوضح أن "هذه المسألة ليست إقصائية، بل تمثل محاولة للبحث عن رؤى وأفكار مختلفة تساهم في بناء الدولة خلال المرحلة المقبلة". وتابع "بكل تأكيد نحن ندعم خطوة رئيس الجمهورية، لكن يجب أن تكون التغييرات من أجل الإصلاح، وبهدف تحقيق الأفضل، وليس لأغراض شخصية أو سياسية".

بدوره، قال النائب عن تحالف "سائرون"، برهان المعموري، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "مختلف مؤسسات الدولة، ومن بينها رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء، تضمّ أشخاصاً ليسوا أهلاً للمواقع التي يديرونها". ولفت إلى أن "خطوة الرئيس صالح باختيار الشخصيات الكفوءة، والاعتماد على الخبرات، تمثل دليلاً على نجاحه". ودعا رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء إلى "إسناد المناصب المهمة لشخصيات يمكن أن تقوم بواجبها على أحسن وجه". وأضاف "نحن ضد فكرة اختيار الشخصيات في جميع مؤسسات الدولة، بدءاً من رئاسة الجمهورية، ورئاسة البرلمان، وفقاً للعرف السائد بعد عام 2003 (الاحتلال الأميركي للعراق)، الذي يسعى لحفظ التوازن بين المكونات العراقية الأساسية"، مشدّداً على "ضرورة اختيار الشخصيات الكفوءة والنزيهة في المواقع المهمة والأماكن الحساسة".

في السياق، رأى أستاذ القانون الدستوري في جامعة بغداد، محمد التميمي، أن "التغييرات التي يجريها برهم صالح في مؤسسة الرئاسة طبيعية إذا كانت وفقاً للدستور"، مؤكداً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "السلطة التنفيذية في العراق ثنائية، وكما أن لرئيس الوزراء صلاحيات، فإن لرئيس الجمهورية صلاحيات أيضاً". وأضاف أنه "من حق الرئيس استبدال أي مدير أو موظف لا يثق بكفاءته"، مستدركاً "إلا أن الدستور اشترط موافقة البرلمان على استبدال كل من يتولى الدرجات الخاصة، سواء كان في رئاسة الجمهورية أم في أي مؤسسة أخرى، إذا لم تنته مدته ولم يتورط بقضايا نزاهة". وتابع قائلاً إنه "وفقاً للعرف السائد في العراق منذ احتلاله عام 2003، فإن أي مسؤول يأتي يغيّر طاقم مؤسسته"، مؤكداً أن "معظم التغييرات التي جرت سابقاً، وتجري الآن، تسير وفقاً للأهواء الشخصية، والميول الحزبية، بعيداً عن الكفاءة والنزاهة والاستقلالية".

ويعتبر منصب رئاسة الجمهورية تشريفياً في العراق، منذ الغزو الأميركي عام 2003، ولا يملك أي صلاحيات تنفيذية. كما أوجزت المادة 71 من الدستور صلاحيات الرئيس بعشر نقاط، هي إصدار العفو الخاص بتوصيةٍ من رئيس مجلس الوزراء، باستثناء ما يتعلق بالحق الخاص والمحكومين بارتكاب الجرائم الدولية والإرهاب والفساد المالي والإداري، فضلاً عن المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بعد موافقة مجلس النواب، وتُعد مصادقاً عليها بعد مضي خمسة عشر يوماً من تاريخ تسلمها. كما يُصادق الرئيس العراقي ويصدر القوانين التي يسنها مجلس النواب، وتعد مصادقاً عليها بعد مضي خمسة عشر يوماً من تاريخ تسلمها. ومن صلاحياته أيضاً دعوة مجلس النواب المنتخب للانعقاد خلال مدةٍ لا تتجاوز خمسة عشر يوماً من تاريخ المصادقة على نتائج الانتخابات، وفي الحالات الأخرى المنصوص عليها في الدستور، فضلاً عن منح الأوسمة والنياشين بتوصيةٍ من رئيس مجلس الوزراء، وفقاً للقانون. كما تناط به مهمة قبول السفراء، وإصدار المراسيم الجمهورية، إلى جانب المصادقة على أحكام الإعدام التي تصدرها المحاكم المختصة. كذلك يقوم الرئيس العراقي بمهمة القيادة العليا للقوات المسلحة للأغراض التشريفية والاحتفالية، وممارسة أي صلاحيات رئاسية أخرى واردة في هذا الدستور.
ومنذ الاحتلال الأميركي عام 2003، مرّ أربعة رؤساء على العراق، هم غازي عجيل الياور، ثم جلال الطالباني وفؤاد معصوم وبرهم صالح. 

المساهمون