"لننسَ الفرنسيّة والصينيّة المندرينيّة ولنتعلّم اللغة العربيّة"، عنوان تقرير نُشر قبل عشرة أيام على موقع جريدة "ذي إندبندنت" البريطانيّة. يبدو أن لغتنا على الموضة اليوم. ربما يتوجّب على العرب، لا سيّما اللبنانيّين منهم، إعادة النظر في توجّهاتهم اللغويّة.
يلقي التقرير الضوء على برنامج المجلس الثقافي البريطاني الخاص بتعليم العربيّة في مدارس بريطانيا الرسميّة، الذي ينطلق من معطى يقول بأن أكثر من 300 مليون شخص حول العالم - الشرق الأوسط وشمال أفريقيا - يتحدّثون العربيّة اليوم.
في زمن العولمة، تكثر نداءات الاستغاثة التي يطلقها ألسنيّون حول العالم، بعدما راحت اللغات لا سيّما تلك الأصليّة، تتطعّم بمفردات ليست فقط أجنبيّة غريبة وإنما هجينة أيضاً. وقد تكون اللغة العربيّة، أو المتحدثون باللغة العربيّة، من أكثر المتأثرين بتلك المفردات. هم في الأساس، سبقوا غيرهم من الشعوب بتطعيم تواصلهم الشفويّ بمصطلحات فرنسيّة وإنجليزيّة. قد يكون ذلك من تبعات الاستعمارَين الفرنسيّ والإنجليزيّ اللذَين مرّا بنا، أو قد يكون مجرّد توجّه لمجاراة العصر و"الغرب المتحضّر".
نجاري العصر، وننسى أو لا ندرك أن اللغة بالإضافة إلى كونها في الأساس شكلاً من أشكال العقود الاجتماعيّة الجماعيّة لدى قوم بعينهم، هي من المكوّنات الأساسيّة لهويّتنا الأصليّة. بالتالي، وكنتيجة حتميّة لإهمالها، تأتي خسارتنا لبعضٍ من هويّتنا. ونخسر بعضاً من ذاتنا ومن حقيقتنا.
في ردّ على سؤال حول إمكانيّة الخضوع إلى علاج نفسيّ بلغة غير لغتنا الأم، تجزم المتخصّصة الفرنسيّة في التحليل النفسي كلود ألموس بأنه من الصعب جداً القيام بذلك. وتوضح أن "كلّ ما نعيشه يُسجَّل فينا بكلمات.. تلك التي نفكّر بها أو التي نقولها أو تُقال لنا. والأمر لا يتعلّق بمعاني الكلمات، وإنما بصدى نغميّتها في اللغة التي تنتمي إليها، فتُقرَن على الأثر بأخرى".
لمن يهمّه الأمر، تفيد دراسة للمجلس الثقافي البريطاني بأن "لغات المستقبل العشر" هي وبالترتيب: الإسبانيّة والعربيّة والفرنسيّة والمندرينيّة الصينيّة والألمانيّة والبرتغاليّة والإيطاليّة والروسيّة والتركيّة واليابانيّة.
لننسَ مراكز تعليم اللغات الأجنبيّة، ولنسرع ونحجز لأولادنا - ولنا إذا أمكن - مقاعد في تلك الصفوف الخاصة التي تستحدثها المدارس اليوم لتعليم اللغة العربيّة، لتلاميذها المتعثّرين في لغتهم الأم. تكلفتها قد ترتفع قريباً. هي موضة الأيام الآتية، إذا صحّت التوقّعات البريطانيّة.
[قبل نحو عقدَين من الزمن، كانت المدارس تخصّص صفوفاً للمتعثّرين في اللغات الأجنبيّة، قبل أن تنتفي الحاجة إليها.]
اقرأ أيضاً: قبل أن تحين الساعة