تعليم الكويت... منهج "الكفايات" لم يوقف التدهور

22 يناير 2018
تهديد لمستقبل التلاميذ (العربي الجديد)
+ الخط -
يعاني التعليم في الكويت من تراجع كبير في جميع مؤشرات التنمية العالمية. تطبيق المناهج الجديدة في المدارس بناء على توجيهات البنك الدولي لم يكن ناجحاً

يحذر تربويون وخبراء في المجال التعليمي من أنّ الأوضاع التعليمية في الكويت ستتدهور بشكل أكبر إذا ما استمرت الحكومة في خطتها التعليمية بالتعاون مع البنك الدولي، الذي يتهمه التربويون بتدمير العملية التعليمية في البلاد التي ضُرب المثل خليجياً بمدارسها في ما مضى.

حلت الكويت، بحسب التقرير السنوي للتنافسية العالمية لعام 2017 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، في المرتبة 103 عالمياً في مؤشر التعليم الأساسي، كما احتلت المرتبة 99 في جودة تعليم الرياضيات والعلوم، والمرتبة 95 في مؤشر جودة التعليم العالي والتدريب. وبذلك، سبقتها جميع الدول الخليجية الأخرى، بالرغم من الإنفاق الكويتي الكبير على التعليم، إذ تبلغ الموازنة السنوية للتعليم في الكويت أكثر من مليار و700 مليون دينار كويتي (5 مليارات و650 مليون دولار أميركي).

بدأت الكويت منذ العام الماضي في تطبيق "منهج الكفايات" في التعليم بتوصية من البنك الدولي الذي كان قد وقّع شراكة مع الحكومة الكويتية لتحسين جودة التعليم المدرسي بنظام الخدمات الاستشارية المسددة. يستهدف منهج الكفايات، بحسب وزارة التربية، تحويل التلميذ من مجرد مستمع ومتلقٍّ وحافظ للمعلومة إلى مشارك في صنعها واتخاذ القرار حولها، لكنّ الكثير من المعلمين يقولون إنّ هذا المنهج لا يتناسب مع الآلية التعليمية في البلاد، ما اضطر وزارة التربية إلى التعديل في المنهج مرتين في غضون 10 أشهر من تطبيقه فقط، وسط خلافات بين الموجهين والوكلاء الذين اتهموا المعلمين بالتقصير في فهم طرق وآلية تدريس التلاميذ وفق المنهج الأخير.

حققت الكويت المركز الأخير خليجياً في نتائج اختبارات "بيرلز" لقياس مستوى القراءة لدى تلاميذ الصف الرابع، كما حققت المركز الأخير خليجياً في اختبارات "تيمس" لقياس مستوى التحصيل في الرياضيات والعلوم للصف الرابع أيضاً.

يتساءل الدكتور أحمد المليفي، الوزير السابق للتربية والتعليم في الكويت، في حديثه إلى "العربي الجديد": "كيف لمنهج يضعه البنك الدولي الذي لا يفقه شيئاً عن طبيعة البلاد أن يُدرَس في مدارسنا ويُفرض على تلاميذنا قسراً، في ظل فوضى تعليمية وغياب وجهة واضحة المعالم للدولة ككل؟". يضيف: "أسباب فشل العملية التعليمية في الكويت تندرج في ثلاث نقاط لا رابع لها، أولها تدخل البنك الدولي وفرضه منهج الكفايات السيئ على التعليم، وثانيها تغير المنصب الوزاري بفعل الاضطرابات السياسية في البلاد واستقالات الحكومات المتكررة، وثالثها الصراع داخل وزارة التربية نفسها بين الموجهين والوكلاء والمعلمين".

يقول يوسف الأحمد، وهو مدرّس لغة عربية استقال من المجال التعليمي مطلع العام الماضي، احتجاجاً على تراجع المستوى الدراسي للتلاميذ، إنّ عدم التجانس بين توجيهات البنك الدولي للقطاع التعليمي في الكويت وفكر وعقلية المجتمع الكويتي هو السبب في كلّ ما يمر به التعليم من تدهور، لكنّ المشكلة الأكبر هي منهج الكفايات الذي فشل فشلاً ذريعاً بشهادة جميع الإحصائيات والاختبارات التي أجرتها الوزارة بعد ذلك. يضيف لـ"العربي الجديد": "منهج الكفايات يطلب من المعلم تقسيم التلاميذ إلى مجموعات صغيرة وقيام هذه المجموعات بعمل تكاليف تُمرّر من خلالها معلومات المنهج، لكنّ المعوقات كثيرة، أبرزها عدم توفر وقت حصص كافٍ، وضخامة المنهج التعليمي، بالإضافة إلى كثرة التلاميذ في الصف الواحد واختلاف المجموعات من مادة إلى أخرى، ما يؤدي إلى ضياع التلاميذ ذهنياً". يتابع: "في اللغة العربية مثلاً، وهي اللغة التي كنت أدرّسها، قررت الوزارة إلغاء تدريس الإعراب وحفظ الآيات وأبيات الشعر وفهم معاني الكلمات، إذاً، لماذا أدرّس اللغة العربية؟ لأقول للتلاميذ إنّ السماء زرقاء والتفاح من الفواكه؟".



من جهته، يقول حمود الحمدان، وهو مدير مدرسة أمضى أكثر من 35 عاماً في السلك التعليمي، لـ"العربي الجديد": "الجميع يتحمل مشكلة تدهور التعليم، من الأهالي الذين يرفضون الانسجام مع الأجهزة الحديثة والتطور في منهج الكفايات، إلى المعلمين المتقاعسين ومديري المدارس الذين يظنون الساحة التعليمية مجرد مكان للوساطات والمحسوبيات".

يرد عثمان العوضي، وهو ولي أمر تلميذ في المرحلة الابتدائية، في حديثه إلى "العربي الجديد": "وزارة التربية تحاول إلقاء اللوم في فشلها على الأهالي، بالرغم من أنّ ابني يمضي 6 ساعات يومياً في المدرسة من دون استفادة حقيقية. اضطررت إلى تسجيله في حلقة للقرآن الكريم بعد العصر يومياً كي يتعلم اللغة العربية كتابة ونطقاً وفصاحة".

يروي سليمان الحلبي، وهو رجل دين يدرّس في أحد المراكز الدينية الخاصة، لـ"العربي الجديد": "في السابق، كنا نتولى تعليم التلاميذ القرآن الكريم، وبعض مبادئ النحو، لكن اليوم مع تدهور التعليم فإننا نضطر إلى تعليمهم حروف اللغة العربية من جديد".

مشكلة المناهج وتدهور التعليم ليست الوحيدة التي تواجه القطاع التعليمي في الكويت، إذ تتفشى مشكلة المحسوبيات والوساطات، بالإضافة إلى مشكلة الغش. وقد وصلت حالات الحرمان من الاختبارات بسبب الغش في اختبارات الثانوية العامة إلى أكثر من 100 حالة في النصف الأول من العام الدراسي، بحسب بيان رسمي نشرته وزارة التربية، فيما لا يعرف عدد الحالات التي تسترت عليها إدارات المدارس خوفاً من تراجع تقييم المدرسة السنوي لدى المنطقة التعليمية.

يقول أحمد السهو، وهو مدرّس للتربية الإسلامية في إحدى ثانويات العاصمة، لـ"العربي الجديد": "انتشار حالات الغش في مدارس الدولة يكاد يشكل ظاهرة في ظل غياب الحزم الواضح من قيادات الوزارة تجاهه، وخروج الكثير من التلاميذ بالوساطات بالرغم من كشفهم متلبسين بحالات غش". يضيف: "الوساطات لا تقتصر على حالات الغش بل تمتد إلى إضافة درجات في بعض المواد التي يعتبرها مديرو المدارس هامشية، مثل اللغة العربية والتربية الإسلامية والفلسفة، إذ هناك تعميم شفوي بعدم ترسيب أيّ تلميذ في هذه المواد".

يقول النائب عادل الدمخي، عضو اللجنة التعليمية في مجلس الأمة (البرلمان)، إنّ "أيدي اللجنة مكبلة بالقرارات الروتينية الكبيرة لوزارة التربية وحجم الفساد والبيروقراطية الكبيرين فيها، كما أنّ اللجنة غير مهتمة بالجانب التعليمي بقدر اهتمامها بمنح المعلمين المزيد من التقديمات، وهو أمر غير صحي".

عدم تعاون الأهل
أستاذة التربية في جامعة الكويت، ليلى الخياط، تقول إنّ منهج الكفايات الموصى به من البنك الدولي، طبّق في دول كثيرة بنجاح، لكنّ تطبيقه في الكويت كان خاطئاً، لأنّه لم يُجرّب على عدد معين من المدارس ثم يعمم بشكل عام، كما حدث في فنلندا مثلاً، بالإضافة إلى مشكلة أخرى وهي عدم تعاون الأهل الكافي مع المعلمين والموجهين.