تعز وصالح وعبد الملك

26 مارس 2015
+ الخط -
أقرب إلى العنوان نفسه، أو في السياق، سطر الكاتب، الدكتور مروان الغفوري، قبل أشهر مقالة رائعة بعنوان "تعز وعبد الملك"، حظيت بإعجاب كثيرين، كاتب هذه السطور أحدهم. وبداية، علينا أن ندرك أن لدى علي عبدالله صالح ثأراً مغروساً بداخله، وحقداً يغلي جسده من تعز وأبنائها، المدينة التي أوقدت شعلة الثورة ضد نظامه الأزلي، وقادت قطار الحرية نحو سلك النجاة والعيش الكريم. وأشعلت براكين الانتفاضة الثورية، ما يجعلنا نجزم أنه جمع كل قواه، وقطع تذكرة الذهاب للثأر الذي من المحتمل أن يعود منها خاسراً. إنه يمتلك من الحقد والطغيان والغطرسة، وكذلك حليفه عبد الملك الحوثي، ما يكفي لإشعال فتيل العنف، وإحراق البلاد، وإغراقها في نيران الحرب والاقتتال، وإدخالها عنق الزجاجة، ومربع الصراع الدائم والمستمر. وهو الحاصل اليوم.
يدرك صالح، تماماً، أن دخوله تعز يعني دخول نار لا حطب لها، وفيها نوع من التهور، وتحتاج مجازفة، ووقتاً للتفكير والترتيب عن كيفية دخولها. وكيفية مواجهة أبنائها. وقد اضطر صالح والحوثي إلى استخدام كل قواهم وأساليبهم المفتوحة لمحاصرة الجنوب من كل جهة، وقياس رد فعل تعز من تلك الخطوة.
يحمل صالح في قلبه لتعز حقداً وكرهاً لا يوصفان، ولا يمكن قذفهما وإطلاقهما عبر الانتقام، الأمر الذي يسعى إليه منذ فترة طويلة، لكنه لم يستطع تحقيقه. وإن كان هناك مؤشرات لكسر ذلك الحاجز. بنفوذه وقواه المستخدمة كلياً، فذلك يخلق خلفه تبعات، وتنتج عنه أحداث سلبية مع تلك المدينة.
استخدم صالح جميع قواته، أخيراً، لدخول تعز، وقد تمركز على مدخل المدينة، عبر قوات موالية، مستخدماً فيها الحوثي غطاءً، من دون تعمق فيها، لقياس نبض المدينة وردة فعل أبنائها، لأنه يعلم تبعات الحدث، ويعي جيداً ماذا تعني تعز، وماذا يعني دخولها، مع وجود احتمال بضربها، وتجريعها كأس الأنين. لكن نتائج ذلك جسيمة، سيتحملها الحوثي الذي أصبح أمام المشهد.
وتاريخ صالح يحتاج سطوراً كثيرة، بل مؤلفات ومجلدات كثيرة، بمجرد إشعاله فتيل العنف، وتأزيمه الوضع في البلاد. لكنه، في المقابل، رجل أحقاد بداخله، وبخطواته المتسرعة يقحم نفسه بها بطريقة غير واضحة، ويرمي الحوثي في النار. لتحقيق مآربه بطريقة واضحة. ويكون بذلك قد استخدم آخر أوراقه السلبية المتفاقمة التي قد تجرعه من الكأس نفسها.
لم يع عبد الملك الحوثي بعد أن خطواته المتسارعة، منذ البداية، وتحالفه مع صالح، تسقطه شيئاً فشيئاً نحو مستنقع الانهيار، والهرولة نحو المجهول، من دون مشروع أو رؤية واضحة لطريقة خطواته المستحدثة سلبياً في الواقع. ظل، في خطاباته المتكررة والمبهمة، يغازل تعز من كل الجهات، سواء عبر غمزة من رمش العين، أو قرعة بكعبه العالي، أو ركلة كتف، أو مدح يصفها بالحسن والجمال.
لا ننكر أن عبد الملك قد وصف تعز بجمل المدح، وبكل الكلمات التي تستحقها الحالمة. مع أن ذلك جزء من كل. ولا أدري، هنا، كيف تخلو لغة تغزله من التخبط، والتعنت، وسوء التحدث، كغيرها من مجمل خطاباته الغامضة والمبهمة.
عبد الملك أنت لا تعرف بعد، ماذا تعني تعز واليمن بشكل عام، وما قيمتها لدى أبنائها، وما تمتلكه من العلم والمعرفة والثقافة المتنوعة التي لم تتعرف إليها بعد. ولن تستطيع الوصول إلى ذلك العالم.
شيء من الخيال أو مقطع من مسلسل أو جزء من حلم ذلك الذي يروى على واقع الحال في منام عبد الملك من أحد كوابيسه المظلمة المفتقدة النور المتسلل إلى الحياة. إن كان ولا بد من دخول عبد الملك مدينة تعز من دون معرفته بها. وما تحمله من ثكنات علمية، وسلسلة بشرية هائلة، وضباب من القلوب المتحجرة بالإصرار والتحدي، والمشبعة بمادة العلم والثقافة العالية.
 
CB59BB83-CDAC-4C33-81B8-A68DBAFDF14C
CB59BB83-CDAC-4C33-81B8-A68DBAFDF14C
راكان عبد الباسط الجُــبيحي (اليمن)
راكان عبد الباسط الجُــبيحي (اليمن)