تعز "مدينة المعابر" يخنقها الحصار... وتخذلها الشرعية والتحالف

20 اغسطس 2017
يتم نقل المواد الغذائية عبر الحمير (عبد الناصر الصديق/الأناضول)
+ الخط -

توفي 8 مواطنين جراء سيول الأمطار الجارفة، الأربعاء 9 أغسطس/آب الحالي في محافظة تعز جنوب غرب اليمن. وكانت جوهرة الصنعاني (48 سنة) وأولادها الثلاثة وقريبتها قطعوا، على متن سيارة نجلها عبد المجيد عبدالله صالح (25 سنة)، 65 كيلومتراً، وهي المسافة بين محافظة إب غرب اليمن، وبين منطقة الحوبان، التي تعد بوابة المنفذ الشمالي الشرقي الرئيسي لمحافظة تعز، وهي مناطق تحت سيطرة القوات الانقلابية التي تفرض حصاراً على المدينة منذ أكثر من عامين.

وتمنع القوات الانقلابية دخول المواطنين عبر منافذ تعز الرئيسية إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات الحكومة الشرعية وسط المدينة، ما جعل جوهرة وأولادها يسلكون معبراً فرعياً، عبارة عن طريق طويلة وشاقة للوصول إلى المنزل وسط المدينة، لكنها لم تكن تعلم أن الموت ينتظرهم على الطريق التي تخترقه "سائلة" في منطقة الأقروض جنوب تعز، والتي تعد المعبر الوحيد للعبور إلى المدينة، جراء الحصار التي تفرضه القوات الانقلابية على تعز. في هذه "السائلة"، التي هي بالأساس مجرى للسيول، وتم استخدامها بسبب الحصار كمعبر للدخول إلى المدينة، دهم السيل المتدفق من الجبال المحيطة بمنطقة الأقروض عدداً من المركبات، ما أدى إلى وفاة جوهرة وأولادها هاني وعلي عبدالله صالح وقريبة لهم، فيما نقل عبدالمجيد إلى المستشفى. كما توفي 4 أشخاص بسبب السيول.

و"سائلة" الأقروض جنوب تعز عبارة عن طريق التفافي طويل وشاق ووعر لجأ إليه أهالي المنطقة كمعبر فرعي بعد قيام الانقلابيين بقطع طريق الحوبان المرتبطة بمناطق وسط المدينة من جهة الشرق، ما تسبب بتحويل تعز إلى مدينة منكوبة ومنسية في الوقت ذاته. وأجبر قطع القوات الانقلابية الطرق والمنافذ الرئيسية المواطنين على استخدام طرق شاقة للعبور من المناطق الشرقية والشمالية إلى وسط المدينة، وذلك بعد أن كانوا يقطعون مسافة 10 كيلومترات عبر منفذ جولة الحوبان الرئيسي شرقاً، في مقابل 100 ريال. لكنهم يضطرون اليوم إلى عبور طريق التوائية، تبدأ من وسط المدينة إلى منطقة الضباب غرباً ومنها إلى نجد قسيم، ثم "سائلة" الأقروض، وهي آخر منطقة تقع تحت سيطرة القوات الحكومية من الجهة الجنوبية، وترتبط بمناطق دمنة خدير والراهدة الواقعة تحت سيطرة الحوثيين جنوب شرق المدينة، وصولاً إلى الحوبان شمالي شرق تعز. ويقطع المسافر 130 كيلومتراً، وبوقت قد يصل إلى 8 ساعات، وبتكلفة تصل إلى 4 آلاف ريال.

هكذا أصبحت تحسب المسافات في زمن الحرب والحصار المطبق على تعز، والذي تسبب باستحداث العديد من المعابر، ما جعل تعز تتحول إلى "مدينة المعابر"، ولكل معبر حكاية. وتزايدت المعاناة في تعز إثر قطع الانقلابيين للطرق البديلة التي كان الأهالي يعتمدون عليها للحصول على حاجاتهم من المواد الغذائية والدوائية والمشتقات النفطية، وآخر هذه الطرق تلك الواصلة بين مركز المدينة وبين مديرية دمنة خدير مروراً بمديرية المسراخ جنوباً، ما جعل الأهالي يستحدثون طريقاً فرعياً عبر مديرية مشرعة وحدنان، التي كانت المقاومة الشعبية أعلنت تحريرها، والتي تطل على مركز مدينة تعز من أعلى جبل صبر جنوباً. وأطلق على هذه الطريق "معبر الحياة"، لكونها مثّلت المتنفس الوحيد لتعز، إذ إنها تصلها بالخط الواصل بين تعز وعدن، وتم عبرها نقل المواد الغذائية والإغاثية والطبية. وكان الأهالي ينقلون، عبر مديرية مشرعة وحدنان جنوباً، المواد الغذائية القادمة من مدينة التربة المرتبطة بمحافظ عدن الجنوبية، عبر ثلاث مراحل، الأولى عبر السيارات ليتم إفراغها في معبر طالوق في مديرية المسراخ جنوبي تعز، والذي لا يمكن للمركبات استخدامه، لتبدأ المرحلة الثانية بنقل المواد الغذائية عبر الحمير والجمال، بالإضافة إلى عشرات الرجال والنساء، من معبر طالوق وصولاً إلى مديرية مشرعة وحدنان، حيث تبدأ المرحلة الثالثة، والتي يتم فيها تحميل المواد الغذائية في السيارات من جديد وإدخالها إلى المدينة.

وقبل تحرير مديرية مشرعة وحدنان، لم يكن أمام السكان من منفذ للانتقال بين مناطق سيطرة الشرعية والانقلابيين داخل المدينة غير ما عرف بـ"معبر الدحي" الشهير، والذي يقع في المناطق الفاصلة بين سيطرة الطرفين إلى الجهة الغربية من المدينة. وكان لهذا المعبر حضوره في ذاكرة أبناء المحافظة، فقد اشتهر بتسمية "معبر الموت" نتيجة الممارسات اللاإنسانية التي مارسها الانقلابيون ضد المدنيين الذين اضطروا لاستخدامه للوصول إلى منطقة بيرباشا الواقعة خارج طوق الحصار غرباً، والتي كانت تمثل مركزاً للتسوق وشراء المواد الغذائية الضرورية. وسقط على المعبر قتلى جراء الرصاص، كما أهينت النساء وضُرب الرجال. ووصل الأمر، كما يتحدث السكان، إلى تبول المسلحين داخل صهاريج الماء التي كان يسمح بنقلها بمواعيد معينة، بالإضافة إلى عمليات التفتيش بطريقة مهينة ومصادرة المواد الغذائية من المواطنين والمواد الإغاثية الخاصة بالمنظمات الدولية. ومع مرور الوقت، كان الانقلابيون يتشددون في منع السكان من التنقل، إذ عمدوا إلى نشر قناصة في المباني المحيطة بالمعبر لاستهداف المدنيين بين الحين والآخر.

واستمر الحصار بهذه الصورة القاسية لنحو 10 أشهر، قبل تحرير المعبر من قبل المقاومة الشعبية في مارس/آذار 2016، في عملية عسكرية استمرت 3 أيام، ما أدى إلى فتح طريق الضباب الذي يربط بين تعز وعدن، والذي تتفرع منه طرق فرعية تصل المدينة بمناطق جنوب وشرق وشمال المحافظة. ورغم ذلك ما زال الحصار قائماً، مع فارق أنه مع كل عملية تحرير تتوسع دائرة الحصار لتشمل قرى في الأرياف الغربية، حيث تفرض القوات الانقلابية حصاراً خانقاً على 11 قرية في منطقة بلاد الوافي، التي تتبع مديرية جبل حبشي غربي تعز. وترتبط بعض هذه المناطق المحاصرة بمنفذ البوابة الغربية الرابط بين تعز والحديدة غرباً. وقال عضو المجلس المحلي في جبل حبشي، نعمان قائد، لـ"العربي الجديد"، إن "الحصار تسبب بتهجير ونزوح 2807 أسر، تمثل 70 في المائة من إجمالي عدد سكان بلاد الوافي، فيما لم تستطع بقية الأسر النزوح جراء محاصرة قراهم بشكل كامل. ويقطع أهالي هذه القرى مسافات طويلة مشياً على الاقدام للحصول على متطلبات الحياة من الغذاء والدواء والماء. ومنذ عدة أشهر يعمل أهالي بعض القرى المحاصرة في جبل حبشي، على شق طريق بديل للمساعدة بفك الحصار عن بعض القرى، عبر ربطها بطريق المنفذ المفتوح في منطقة الضباب، لكن الجهات الرسمية تتجاهل معاناة الأهالي الذين ينفذون عملية شق الطريق على نفقتهم الخاصة وبجهودهم الذاتية".



يشار إلى أنه وفي سياق المفاوضات الجارية لفتح المعابر، أعلنت اللجنة الأمنية في محافظة تعز فتحها، من جانبها، طريق الموشكي- كلابة وصولاً إلى جولة القصر الواقعة تحت سيطرة الانقلابيين شرقاً، وأنها رتبت كل ما يلزم لاستقبال وتأمين المواطنين والمركبات. ودعت كل المنظمات الإنسانية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، للضغط على الطرف الانقلابي لفتح المعبر، وإنهاء الانتهاكات والمعاناة التي يعانيها أبناء تعز منذ أكثر من عامين. وأعلنت استعدادها لترتيب أوضاع كافة المعابر في حال فتحها من طرف الانقلابيين، بحسب اتفاقية ظهران الجنوب الموقعة بين الطرفين في 10 إبريل/نيسان 2016. ويرى مراقبون أن هذه الخطوة التي جاءت من جانب واحد تأتي بعد عرقلة فتح معبر صالة شرق تعز، والذي اتفق الجميع على فتحه بعد مفاوضات قادتها "اللجنة المجتمعية" التي تضم قيادات سياسية واجتماعية وعسكرية من أبناء تعز ومن جميع الأطراف. وتوصلت اللجنة إلى اتفاق مبدئي لفتح مداخل مدينة تعز، والتزام الطرفين بوقف إطلاق النار فيها، وتبادل كافة الأسرى الذين تم أسرهم في مدينة ومديريات تعز فقط، ودراسة إمكانية تطبيق وقف إطلاق نار كامل وفقاً لاتفاق ظهران الجنوب واتفاقية الحوبان. وتنص مسودة الخطوات التنفيذية على فتح ممرات آمنة في مدينة تعز، والتي توافقت عليها "اللجنة المجتمعية"، بدعم من المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وانفردت "العربي الجديد" بها، على أن يكون الممر الشمالي، عبر منطقة عصيفرة ومنفذ سوفتيل كلابة، عبارة عن ممر إنساني ومنفذ دخول للمدنيين والمواد الغذائية والبضائع والمساعدات الإنسانية، وأن تكون القوات النظامية من الطرفين (قوات اللواء 35 مدرع من طرف المقاومة وقوات اللواء 22 ميكا من طرف الحوثيين)، هي المسؤولة عن تأمين المنفذين، مع الالتزام بعدم التمدد وحشد التعزيزات واستحداث مواقع جديدة، وإزالة الألغام والقناصة على بعد كيلومترين من المنفذين، غير أن ذلك لم يتم ترجمته على أرض الواقع حتى الآن.

ويقول خبراء عسكريون إن قوات الشرعية المدعومة من التحالف العربي تستغل حالة الحصار لتسجيل حضور إعلامي، من خلال الإعلان بين الحين والآخر عن عمليات عسكرية، وخوض معارك على جبهات شرق وغرب المدينة تقول إنها تهدف لفتح الحصار عن تعز، إلا أن هذه المعارك يغلب عليها طابع المراوحة، إذ إنها لم تؤدّ إلى تحول ميداني لجهة فك الحصار. ويرى محللون سياسيون أن تراخي قوات الشرعية في مهمة فتح الحصار عن تعز عسكرياً، يرتبط باستخدام الحصار كورقة ضغط سياسي على طاولة المفاوضات التي تجري بين الحين والآخر بصدد الوصول إلى تسوية سياسية. وقبل كل محاولة لدفع الأطراف للعودة إلى الحوار تحرك قيادة التحالف العربي جبهات تعز عسكرياً. كما أن استخدام حصار تعز كورقة سياسية يظهر في تغريدات وزير خارجية الحكومة الشرعية، عبد الملك المخلافي، على حسابه في "تويتر"، إذ ربط بين فك الحصار عن تعز وفتح مطار صنعاء، بعد دعوة الأمم المتحدة للتحالف العربي لفتح المطار. وتغيب تعز عن تصريحات المسؤولين الحكوميين في حالة جمود المفاوضات السياسية مع الانقلابيين، لكنها تعود وبقوة في أي محاولة تدعو للتفاوض. وطبقاً للمحللين فإن هذا السلوك في التعامل مع تعز من قبل الشرعية وقيادة التحالف يزيد من فقدانهما للحاضن الشعبي في المحافظة، في وقت تزداد فيه معاناة المواطنين بفعل الحصار وقطع رواتب الموظفين منذ أكثر من 10 أشهر.