شملت حملة الاعتقالات التي طاولت أمراء ووزراء ورجال أعمال بارزين في المملكة عدداً كبيراً من المسؤولين عن عدد من المشروعات الاقتصادية والحوادث التي أثارت الرأي العام في المملكة خلال السنوات الأخيرة.
ومن بين الذين شملتهم حملة التوقيفات الأخيرة أمير الرياض السابق تركي بن عبدالله، بتهمة الفساد في مشروع قطار الرياض، ورئيس الخطوط الجوية السعودية السابق، خالد الملحم، بالتهم ذاتها، ورجل الأعمال والمقاول الشهير بكر بن لادن، بسبب الفساد في بناء الحرم المكي، ورجل الأعمال صالح كامل واثنين من أبنائه.
وأوقفت أيضاً وزير الاقتصاد السابق عادل فقيه بتهمة التورط في حادثة سيول جدة وقضايا الفساد المتعلقة بها، كذلك عمرو الدباغ محافظ هيئة الاستثمار ورجل الأعمال المسؤول عن مشاريع المدن الاقتصادية.
وجاءت الاعتقالات بعد إصدار العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود أمراً ملكياً بتشكيل لجنة عليا جديدة لمكافحة الفساد برئاسة الأمير محمد البالغ من العمر 32 عاماً.
وتتمتع اللجنة الجديدة بسلطات واسعة النطاق من بينها التحقيق وإصدار أوامر القبض والمنع من السفر وكشف الحسابات والمحافظ وتجميدها وتتبع الأموال والأصول.
وكانت المملكة قد أنشأت عام 2011 هيئة مكافحة الفساد "نزاهة"، وذلك تحت عنوان حماية المال العام، ومحاربة الفساد، والقضاء عليها، وذلك، بعدما وافقت الحكومة السعودية على الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد في عام 2007.
وتراجعت السعودية إلى المركز الـ 62 على المستوى العالمي في مؤشر الفساد لعام 2016 الصادر عن "منظمة الشفافية الدولية"، بعد أن كان ترتيبها في المركز الـ48 في عام 2015.
وهذه أبرز قضايا الفساد التي اعتقل على خلفيتها الأمراء والوزراء الحاليون والسابقون وكبار رجال الأعمال في المملكة:
المدن الاقتصادية
تعيد المملكة النظر منذ فترة في خطط إقامة مركز مالي فخم في الرياض وست مدن صناعية، بعد التأخيرات التي شابت المشاريع وعدم تحمس المقيمين المحتملين والمستثمرين.
وأقرت وثيقة تتضمن الخطوط العريضة لخطة الإصلاح "رؤية السعودية 2030" بالصعوبات التي تواجه جهود إنشاء "المدن الاقتصادية" الست، وقالت الوثيقة عن مشاريع المدن الاقتصادية: "توقف العمل في عدد منها، ويواجه أغلبها تحديات حقيقية تهدد استمراريتها".
وأطلقت السعودية، منذ عام 2005، أربع مدن اقتصادية عملاقة، وينتظر الانتهاء من اثنتين أخريين، فتم إنشاء مدينة الملك عبدالله الاقتصادية في رابغ على ساحل البحر الأحمر، وهي إحدى محافظات منطقة مكة المكرمة غرب المملكة، كما تم إطلاق مدن جازان (جنوب غرب)، وحائل (شمال)، و"وعد الشمال" في محافظة طريف شمال البلاد.
وكان من المخطط أن تكون مدينة رابغ الاقتصادية مركزاً لوجستياً، خصوصاً مع إطلاق ميناء الملك عبدالله، وتضم أيضاً شركات صناعة الأدوية وتوزيع السلع الاستهلاكية والأغذية والبناء والسيارات، بينما كان مقرراً أن تحتوي "جازان" على مصانع تخلق أكبر عدد ممكن من الوظائف لأن المدينة تتميز بعدد سكانها الكبير، أما حائل فتركز على التجارة البحتة كونها تربط بين الدول الخارجية ومكة، في حين تضم مدينة "وعد الشمال" الصناعات التعدينية.
قطار الرياض
يعمل في السعودية قطار واحد يتنقل بين الرياض والمنطقة الشرقية مروراً بالأحساء، وتعرض خلال الأعوام الثلاثة الماضية لأكثر من خمسة حوادث، بسبب قدم السكك الحديدية، ولأسباب مناخية، وتخطط السعودية لإطلاق خط قطارات جديد يربط العاصمة الرياض بالمنطقة الشمالية، وكذلك لخط جديد يربطها بالمنطقة الغربية وصولاً إلى مكة المكرمة، ويخشى مختصون أنه في حاله عدم تحسين أنظمة السلامة والأمان أن تتكرر الحوادث.
وهناك كذلك مشروع قطار الأنفاق والنقل العام في العاصمة السعودية، والذي تبلغ قيمته 22.5 مليار دولار، ويأتي في القلب منه مشروع "مترو الرياض"، والذي يشمل ستة خطوط للسكك الحديد ممتدة على مسافة 176 كيلومتراً، تضاف إليها شبكة من الحافلات لمسافة 1150 كيلومتراً.
رافعة الحرم
على الرغم من أن المحكمة برأت مجموعة بن لادن من المسؤولية عن سقوط رافعة في الحرم المكي عام 2015 في حادثة تسببت بمقتل أكثر من مائة شخص، إلا أن الحادث، فضلاً عن مشروعات الشركة في الحرم، برز إلى الواجهة مرة أخرى مع الاعتقالات الأخيرة في المملكة.
وجاء اعتقال رئيس المجموعة بكر بن لادن أمس على خلفية عمليات الفساد التي شابت مشروعات الشركة التي تقدر بمليارات الدولارات في الحرم المكي، وفقاً لهيئة مكافحة الفساد.
وتعتبر مجموعة بن لادن الأكبر من نوعها في السعودية، وواحدة من أكبر خمس شركات مقاولات في الشرق الأوسط، وتستحوذ على حصة الأسد من الإنفاق الحكومي المقدر بأكثر من 690 مليار ريال (184 مليار دولار)، وتحصل عادة على هذه المشاريع بالأمر المباشر.
سيول جدة
شهدت مدينة جدة أكثر من مرة سيولاً جارفة تسببت في وفاة كثيرين، كانت أقساها في 26 يناير/ كانون الثاني 2011، والتي أودت بحياة أكثر من 100 شخص وإصابة مئات آخرين، وقطع التيار الكهربائي، واستدعت مشاركة قوات الجيش السعودي والحرس الوطني في نجدة المنكوبين، في أكبر عملية إنقاذ تشهدها السعودية في تاريخها.
وارتفع منسوب مياه السيول وقتها إلى نسبة قياسية بلغت ضعف النسبة التي سُجّلت في سيول جدة 2009، وأودت بحياة 114 شخصاً، وقال الدفاع المدني السعودي إنه تمكن من نجدة 1451 شخصاً بواسطة الفرق الأرضية المنتشرة و467 شخصاً من خلال الطوافات المروحية.
وفتحت الجهات المختصة حينها تحقيقاتها مع 302 متهم في الكارثة، ووجهت إليهم جرائم الرشوة والتزوير واستغلال النفوذ الوظيفي، وكشفت التحقيقات أن جريمتي الرشوة والتزوير كانتا الأبرز في ملفات القضايا التي أحيلت إلى المحكمة الإدارية في محافظة جدة.
وطلب المدعي العام من المحكمة إيقاع عقوبة تعزيرية على المتهمين، كون الأفعال التي ارتكبوها مخالفة صريحة للأوامر، والأنظمة الرسمية، وعدم مراعاة مصالح الوطن، غير أن الأحكام التي صدرت على المتهمين كانت غير مرضية، إذ تمت تبرئة العشرات منهم والحكم على البقية بأحكام تراوح ما بين السجن خمس سنوات وسنتين، فيما صدر أكثر من 310 أحكام وقرارات تضمنت البراءة والإدانة في أكثر من 750 تهمة.
وباء كورونا
وفقاً لصحيفة "عكاظ"، نقلاً عن مصادر لها، فإن لجنة مكافحة الفساد فتحت تحقيقاً في فساد مالي في ملف مكافحة "كورونا".
وتتعلق شبهات الفساد الرئيسة بعقود مكافحة تم إيقاف تنفيذها، مشيرة إلى أن هذه العقود ليس لها علاقة بإجراءات المكافحة أو الوقاية منه.
وشملت العقود الموقوفة، وفقاً للصحيفة، مجالات التطوير والاستشارات والتوظيف وعقوداً خاصة بالنقل الجوي، إضافة إلى استئجار مختبرات وأجهزة متنقلة لم تتم الاستفادة منها، وأخرى تتصل باستئجار مجمعات سكنية بملايين الريالات وأجنحة فندقية، وعقد خاص بتكاليف اجتماعات الشركات مع وزارة الصحة.
ومنذ ظهور المرض عام 2012 وحتى مارس/ آذار 2017 بلغ إجمالي عدد الإصابات 1520 إصابة، شُفيت منها 905 حالات، في حين ما زالت 12 حالة تتلقى العلاج. إضافة إلى ذلك، توفي 651 مريضاً.
ووجهت اتهامات عدة لوزارات الصحة والزراعة بالإهمال في مواجهة المرض ووقف تفشيه خلال خمس سنوات.
(العربي الجديد)