وألمح السيسي سابقاً إلى إمكانيّة تعديل الدستور، إذ قال إنّ "الدستور المصري كُتب بنوايا حسنة، والدول لا تُبنى بالنوايا الحسنة فقط". كان ذلك في سبتمبر/أيلول 2015، أي بعد أكثر من عام من توليه منصبه رئيساً للجمهورية.
تصريحات السيسي في 2015، فتحت الباب واسعاً أمام الكثيرين للحديث عن إجراء تعديلات على دستور 2014 لمنح الرئيس صلاحيات أوسع ومددًا أطول، ولكنّ ذلك لم يحدث خلال فترة الرئاسة الأولى، بينما يعاد الحديث عن الموضوع اليوم، خلال فترة السيسي الثانية.
وكان السيسي قد قال أيضاً في حوار مع شبكة "سي إن بي سي" الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي قبل الانتخابات الرئاسية، "إننا نتحدث عن إطار زمني لعقد انتخابات الرئاسة المصرية خلال مارس أو إبريل المقبل، وأود أن أقول خلال هذه المقابلة إن هناك تطورا كبيرا للغاية في مصر في ما يخص وضع الرئيس، وما يجب أن نضعه في الاعتبار أنه ليس هناك رئيس سوف يتولى السلطة من دون إرادة الشعب المصري، ولن يستطيع أيضا أن يواصل لفترة أخرى دون إرادة هذا الشعب، وفي كلتا الحالتين فهي 8 سنوات، وأنا مع الالتزام بفترتين رئاسيتين مدة الواحدة منهما 4 أعوام، ومع عدم تغيير هذا النظام، وأقول إن لدينا دستورا جديدا الآن، وأنا لست مع إجراء أي تعديل في الدستور في هذه الفترة".
لكنه أضاف: "إن الدستور يمنح الحق للبرلمان وللرئيس في أن يطلبا إجراء تعديلات، وأنا لا أتحدث هنا عن فترات في منصب الرئاسة، فهذه لن نتدخل فيها، ولهذا لن يستطيع أي رئيس أن يظل في السلطة أكثر من الوقت الذي يسمح به الدستور والقانون، والشعب هو الذي سوف يقرر ذلك في النهاية، ولا يناسبني كرئيس أن أجلس يوما واحدا ضد إرادة الشعب المصري وهذا ليس مجرد كلام أقوله فقط أمام شاشات التليفزيون، فهذه قيم أعتنقها ومبادئ أنا حريص عليها وأي رئيس يحترم شعبه ومبادئه لن يظل يوماً واحداً في منصبه ضد إرادة شعبه".
المقترحات، بحسب المتداول، هو زيادة مُدة الرئاسة لتكون ستّ سنوات بدلًا من أربع، وذلك مع الإبقاء على الحد الأقصى لفترتين، ووضع مادة انتقالية في الدستور تنصّ على إنشاء ما يسمى بـ "المجلس الأعلى لحماية الدستور"، تكون له صلاحيات واسعة في الحفاظ على "هوية الدولة" وحماية الأمن القومي للبلاد في حالة تولي قيادة سياسية جديدة. هذا بالإضافة إلى تعيين السيسي رئيسًا لهذا المجلس مدى الحياة، سواء كان في السلطة أو تركها.
هذا ما أشار إليه سابقاً الكاتب المقرّب من السيسي، ياسر رزق، في جملة من مقال له نُشر في أغسطس/ آب الماضي قال فيها: "يتصور الإخوان أن السيسي حين تنتهي رئاسته في الموعد الدستوري الذي يرتضيه الشعب، سيجلس في منزله يشاهد التليفزيون أو يدوّن مذكراته، وسيكتفي بأن ينزوي في الظلال تاركاً مصائر البلاد والعباد نهباً لأهواء أصحاب الهوى!".
ونقلت تقارير صحافية مصريّة عن أحد أعضاء اللجنة التي قامت بصياغة دستور 2014، والمعروفة باسم "لجنة الخمسين"، قوله إنّ البرلماني والقانوني ورئيس حزب "الوفد"، والمستشار غير الرسمي المقرب للسيسي، بهاء أبو شقة، بدأ في التواصل مع عدد من أعضاء اللجنة السابقين "في إطار ودّي ليقول إن هناك حاجة مُلحّة لتعديل بعض مواد الدستور بسبب أن الحرب على الإرهاب لم تنتهِ، وأن هناك تربُّصًا بمصر، ولا يمكن بحال الاستغناء عن السيسي الآن في وسط معركة لم تتحدد نهايتها". وأضاف عضو لجنة الخمسين أنه "لم ينظر لما قاله أبو شقة على أنه مجرد حديث للتشاور بقدر ما كان في رأيه إبلاغًا بما سيتمّ مع تحذير ضمني بأن أي اعتراض من أي من أعضاء اللجنة التي صاغت الدستور السابق سيكون سببًا في تعرّض مَن يتقدم به إلى هجوم إعلامي مباشر ومكثف".
وهو ما رد عليه عضو لجنة الخمسين عمرو صلاح بمنشور على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، قائلاً: "إلى المسؤولين أو الطامحين في أو القائمين على التعديلات الدستورية في البلاد، أود إحاطتكم بالآتي: أنا عمرو صلاح، عضو لجنة الخمسين المصرية لصياغة التعديلات الدستورية، والمقرر المساعد للجنة الحقوق والحريات- أثناء فترة عمل وانعقاد اللجنة - أرفض جملة وتفصيلا أي نية أو اتجاه لتعديل النصوص المحددة لمدد الرئاسة أو عدد سنواتها، أو تلك المتعلقة بالحقوق والحريات في هذا الدستور، وهي مواد محصّنة دستوريا لا يجوز تعديلها إلا بالمزيد من الضمانات ( لكم أن تجتهدوا أو تزعموا عكس ذلك، وهو سلوك حال اللجوء إليه فهو قد يتفق مع ما لجأت إليه كثير من الأنظمة الديكتاتورية لتأويل نصوص دساتيرها والالتفاف حولها حتى لو كانت تحمل صيغاً صريحة أو نصوصا قطعية بهدف تأمين بقاء القائمين على السلطة مدى الحياة تحت دعاوى أو تبريرات مختلفة (الحرب.. العدو.. الاستقرار.. الإرهاب.. إلخ. في النهاية هذا شأنكم لكن تظل تلك هي حقيقة الدستور ونصوصه مثلما هي حقيقة التاريخ)".
وأضاف صلاح: "سيظل هذا موقفي الذي يُرضي ضميري، وحدّه الأدنى توضيحه أو التعبير عنه أو التأكيد عليه. وهو موقف ثابت إدراكا من أن أي مساس بمدد الرئاسة في الدستور المصري أو سنواتها هو من شأنه ترسيخ نظام استبدادي، وإلحاق الضرر البالغ بمستقبل مصر، والقضاء على فرص أي تحول ديمقراطي أو تداول للسلطة آمن وسلمي".
Facebook Post |
وقد أعادت شخصيّات عامّة مصرية مشاركة منشور عضو لجنة الخمسين عمرو صلاح، ومنهم النائب عن تكتل "25/30" هيثم الحريري، والكاتب الصحافي أنور الهواري.
وتنصّ المادة 226 من الدستور على حق رئيس الجمهورية أو خُمس أعضاء مجلس النواب في طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور.
وأصدرت الدائرة الخاصة بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تعليمات لوسائل الإعلام ونواب الأغلبية البرلمانية "دعم مصر" بعدم الحديث عن تفاصيل المباحثات المتطورة بين أجهزة النظام وشخصيات نافذة، على رأسها مدير المخابرات عباس كامل، بشأن موعد وطبيعة التعديلات الدستورية المحتمل عرضها على مجلس النواب في الدورة البرلمانية الحالية، وذلك بسبب استمرار وجود خلافات حول المواد التي سيتم تضمينها في التعديل، وموعده.
وقالت مصادر في أحزاب سياسية داعمة للنظام المصري، إن هناك اتجاهاً لإجراء الاستفتاء على التعديل الدستوري في النصف الأول من العام 2019 المقبل، على أن تتقدّم الأغلبية البرلمانية مدعومة من الحكومة بمسودة التعديل في فبراير/ شباط المقبل.
وبحسب المصادر، ستكون المطالبة بعودة مجلس الشورى، أي الغرفة الثانية للبرلمان والملغاة بموجب دستور 2014 المعمول به حالياً، مدخلاً لإجراء التعديل وفتْح باب النقاش حوله، ولكن من دون التمسك بضرورة عودة مجلس الشورى أو إنشاء غرفة ثانية بدلاً منه.
وأوضحت المصادر أن الأيام الماضية شهدت إضافةَ عددٍ من المواد إلى قائمة التعديلات، منها إلغاء القيد على سلطة رئيس الجمهورية ومجلس النواب في عرض مادة معينة من الدستور للاستفتاء بغية التعديل أكثر من مرة متتالية حتى إذا رفض الشعب تعديلها في المرة الأولى، وتعديل المادة 226 التي تحظر تعديل الدستور إلا بمزيد من الضمانات بشأن الحقوق والحريات ومدد الرئاسة.
كما شملت التعديلات المقترحة، إباحة تعطيل صدور الصحف ووسائل الإعلام بقرارات إدارية على أن يُنظّم القانون لاحقاً كيفية الطعن عليها، وإباحة حل المجالس المحلية المنتخبة بقرار من رئيس الجمهورية بعد استيفاء إجراءات حكومية معينة، وتنظيم منح مساعدات مالية من الحكومة للأحزاب، وتغيير قواعد إشهارها لتتطلب مزيداً من الأعداد في عضويتها.