تعثّر جنيف السوري يعيد إحياء طرح "الفيدرالية"

21 ابريل 2016
توافق واشنطن وموسكو على خيار الفيدرالية (هارولد كانينغهام/Getty)
+ الخط -
غير بعيد عن طاولة المحادثات السورية المُتعثرة في جنيف، لا يستبعد البعض عودة الدوائر الدولية المُنشغلة بالملف السوري لإحياء خيار التقسيم الجغرافي تحت يافطة "الفيدرالية"، لاسيما أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري قد لوّح بسيناريو التقسيم أو الفيدرالية، حين قال أمام الكونغرس في وقت سابق "ربما فات الأوان لإبقاء سورية موحّدة" في حال فشل العملية السياسية. وربما يكون سيناريو الفيدرالية أكثر ما يجمع بين واشنطن وموسكو، إذ ترى الأخيرة في خيار "الدولة الفيدرالية" البديل للدولة المركزية الحالية، مدخلاً لحل سياسي وسط بين فرقاء الصراع السوري، بعد فشل حليف الروس رئيس النظام السوري بشار الأسد في استعادة حكم سورية مركزية كما كانت، وعدم قدرته على استعادة السيطرة على المناطق التي خرجت من قبضته.
وترى الباحثة المشاركة في "برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" في المعهد الملكي البريطاني "تشاتهام هاوس"، دوريس كاريون، أن هذا الخيار الذي تتوافق عليه واشنطن وموسكو لأسباب مختلفة، لا يلقى قبولاً بين القوى الإقليمية، خصوصاً تركيا وإيران. فبينما تُصرح واشنطن وموسكو أنهما لا تعارضان "خيار الفيدرالية" إذا ما توافقت عليه الأطراف السورية خلال محادثات جنيف، فإن القوى الإقليمية، سواء المؤيدة للنظام أو المعارضة له، تشدد على أهمية الوحدة الترابية لسورية، وقد تجلّى ذلك في تصريحات رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو في 5 مارس/آذار الماضي خلال زيارته لطهران، حين قال إنه ونظيره الإيراني اتفقا على أهمية وحدة سورية الإقليمية، والحاجة إلى منع شمال سورية من أن يصبح "غرب كردستان". وأكثر من ذلك تزامن دفاع الرئيس الإيراني حسن روحاني، عن الوحدة الوطنية في سورية خلال كلمة ألقاها في اليوم التالي، مع صدور بيان عن اجتماع المجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي يوم 9 مارس/آذار أكد موقف دول المجلس الثابت في الحفاظ على وحدة سورية واستقرارها وسلامتها الإقليمية.


وتشير كاريون إلى أن الفجوة بين القوى الدولية والقوى الإقليمية المعنية في سورية حيال خيار الفيدرالية، تبرز أكثر عندما ترى موسكو أن النظام الفيدرالي قد يُشكل حلاً للحفاظ على الأسد في منصب الرئاسة في مقابل إسناد صلاحيات معينة لمجموعات أخرى. وفي المقابل ترى إيران وتركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، أن الفيدرالية وما تعني من إعطاء الحكم الذاتي للأقليات، ستُشكّل سابقة غير مقبولة، تفتح الأبواب لمطالب مماثلة في بلدانهم أو في الساحات الخلفية لأقطارهم.
وترى كاريون، في الطرح غير الناضج لـ"خيار الفيدرالية" عقبة إضافية ستجعل الأطراف الإقليمية والمحلية أقل استعداداً للنظر في خيارات أخرى لتوزيع السلطة في سورية، أو لقبول الأكراد السوريين على طاولة المحادثات.
ويتفق الكاتب في مجلة "فورين بولسي" مايكل ماير، مع فكرة أن الحديث عن الفيدرالية لن يساعد على تحقيق السلام في سورية، وأن على الأطراف السورية المتفاوضة استبعاد هذا الخيار، حتى وإن ظهر للبعض بأن الفيدرالية هي الحل السياسي للصراع السوري. ويقول الكاتب إن خيار الفيدرالية وإن كان مقبولاً من القوى الدولية الكبرى الفاعلة، كمخرج أو حل سياسي في سورية، فإن هذا الخيار مرفوض من جميع السوريين، نظاماً ومعارضة، لأن فكرة الفيدرالية تعني رسم حدود جغرافية بين المناطق السورية، وإمكانية تطور هذا التقسيم إلى ما يشبه حدود "سايكس بيكو" الاستعمارية، على طريق خلق الشرق الأوسط الجديد.
أما الباحث في "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية"، نيك كروفورد، فيرى أن خيار الفيدرالية وإن كان فيه بعض المزايا للتسوية السياسية على المدى القصير، من قبيل وضع نهاية سريعة للحرب الأهلية، إلا أنه ينطوي على مخاطر جمّة على المدى البعيد، ليس أقلها تأجيج الصراع بين الطوائف المذهبية والعرقية، لأن التداخل الديمغرافي بين مكوّنات المجتمع السوري لا يتطابق مع أي تقسيمات جغرافية مُقترحة، كما أن الثروات الطبيعية في سورية ليست مُوزعة بشكل عادل بين المناطق الجغرافية، وبالتالي فإن أي حل فيدرالي لا بد أن يضمن إزالة الاختلافات العرقية والطائفية، بدلاً من تأجيجها.
وفي السياق نفسه، يخلص تقرير لـ"ميدل إيست بريفنغ" إلى أن "خيار الحفاظ على سورية موحّدة ينبغي أن يمر بما يشبه اتفاق الطائف اللبناني، لتمكين كافة القوى السياسية من المشاركة في الحياة السياسية العامة، مع بقاء جوهر الدولة، قوات الجيش والأمن، تحت سيطرة السياسيين السوريين الملتزمين فقط بحماية بلدهم والحفاظ على استقراره".

المساهمون