تعبئة استثنائية... قبل أن تختفي "لومانيتيه"

05 فبراير 2019
أمسية تعبئة وتضامن مع الصحيفة يوم 22فبراير (ألكساندر ديميانتشوك/TASS)
+ الخط -
وجّه مدير صحيفة "لومانيتيه"، التي أسسها الزعيم السياسي الاشتراكي الفرنسي جان جوريس سنة 1904، نداءً حارًّا، يوم 28 يناير/ كانون الثاني 2019، إلى القراء والمواطنين الفرنسيين، ممن يدعمون تعددية الآراء والصحافة، مَهما كانت توجهاتهم السياسية، لدعم الصحيفة في الفترة الحرجة التي تمر بها.
ولا تعود مشاكل الصحيفة لفترة قريبة، فمنذ سنوات عديدة كانت الصحيفة الشيوعية مهدّدة وتم إنقاذها، سواء من خلال دعم شعبي أو بمساعدة حكومية.
ويعترف باتريك ليهياريك مدير الصحيفة والنائب في البرلمان الأوروبي، بأنه بُذِلت جهود كبيرة من القراء خلال أسابيع، أثمرت أكثر من مليون يورو.
ولكنّ الهدف المنشود لا يزال بعيد المنال، فلا تزال الصحيفة تصطدم برفض تنفيذ الخطة الشاملة التي تم إعدادها تحت إشراف الدولة منذ نهاية سنة 2016. ولا تزال جميع المصارف الفرنسية لحد الآن، ترفض الانخراط إلى جانب الصحيفة.
ويعترف ليهياريك بأن الصحيفة أُلزِمَت بدفع مليون يورو بسبب نقص مساحاتها الإعلانيّة، وهو ما ساهم في تأزيم ميزانيتها، خصوصاً خلال الصيف الأخير، فيما كانت الصحيفة تناضل من أجل تنفيذ هذه الخطة الشاملة. وهو ما جعل كل الجهود، إلى حدود الأيام الأولى من شهر يناير/ كانون الثاني، لا تؤتي أُكلها.
ولم يكن ثمة بدٌّ من وضع الصحيفة تحت حماية المحكمة التجارية الأسبوع الماضي، وهي التي ستقرر في مصير الصحيفة، كما يعترف ليهياريك. ولا يتعلق الأمر، كما يشدد مدير "لومانيتيه"، بِرِهان مُحاسبات، بل في المقام الأول بـ"قضية سياسية تسائل مجتمعاً حريصاً على
تعبير تعددية الأفكار والديمقراطية".
كما أنه أيضاً "رهان على السيادة في بلد شهد خلال الفترات الأخيرة شراء مجموعات صناعية ومالية للعديد من صحفه الوطنية، وعيونها على الأنشطة الإنتاجية في فرنسا"، بحسب ما يضيف مدير الصحيفة.
وعلى الرغم من اعتراف مدير الصحيفة بأن سنة 2018 شهدت ازدياد الاشتراكات في الصحيفة ومجلتها الأسبوعية، وأيضاً ارتفاع المبيعات في الأكشاك، وخاصة في شهري نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول، كما ارتفع عدد مستخدمي المنصة الرقمية للصحيفة، إضافةً إلى نجاح حفل "لومانيتيه" السنوي، إلا أنه لا شيء استطاع أن يُخرج الصحيفة من عنق الزجاجة. وهو ما يعني أن التعبئة يجب أن تتواصل.



ولهذا السبب طالب مدير الصحيفة بتعبئة شاملة واستثنائية، في المدن والبلدات وفي الجامعات والشركات وفي الشارع، من أجل التعريف بالصحيفة وجمع التبرعات. كما أعلن إطلاق حملة في الأيام المقبلة، لتسويق اشتراك لشهرين بـ27 يورو، يتضمن الصحيفة اليومية والمجلة الأسبوعية. كما طلب مدير الصحيفة الشيوعية من الدولة اتخاذ إجراءات لدعم تعددية الصحافة، والزيادة في المساعدة التي تقدم للصحف التي تتوفر على إعلانات إشهارية ضعيفة.
وأعلن وضع الصحيفة تحت ما سماها "حماية شعبية ومواطنيّة". كما أعلن تنظيم أمسية تعبئة وتضامن مع الصحيفة، يوم الجمعة 22 فبراير/ شباط في قاعة "بيلفيلواز" بباريس، وقد أعلن
حضور شخصيات عديدة في هذه الأمسية. ووعد ليهياريك بمعركة كبرى من أجل الحفاظ وتطوير صحيفة لومانيتيه، معتبراً "أنه يجب ألا يختفي من المشهد مكوِّنٌ تاريخيٌّ للصحافة الفرنسية".

وفي الجديد أن القضاة تدارسوا يوم 30 يناير/ كانون الثاني 2019 وضع الصحيفة، التي أصبحت تحت حماية المحكمة التجارية في بوبيني، ضاحية باريس، في حضور مدير الصحيفة وممثلي عمالها، وأعلنت تأجيل قرارها إلى السابع من شهر فبراير/ شباط الحالي.
ولأنّ بقاء وصمود هذه الصحيفة المشاكسة للحكومات المتعاقبة، ضروريّ للديمقراطية وتعدد الآراء والمواقف، أعلن نواب من الأغلبية الحاكمة وأيضاً من المعارَضة اليمينية دعمهم للصحيفة، رغم كل اختلافات سياسية وأيديولوجية. والطريف أن نائباً من حزب "الجمهوريين" اليميني أوريليان براديي، أعلن اشتراكه في الصحيفة.
وفي انتظار التعرف إلى حكم المحكمة التجارية، بعد ثلاثة أيام، يواصل الشيوعيون الفرنسيون بذل جهودهم، في التعريف بصحيفتهم وجمع التبرعات، حتى لا تتوارى هذه الصحيفة.
وليس من شكّ أن انهيار شعبية الحزب الشيوعي، في المشهد السياسي الفرنسي، الذي أصبح تحت عتبة 5 في المائة، والذي بالكاد يحافظ على مجموعة برلمانية، وما يستتبعه من تقلص كبير في أعضاء ومتعاطفي الحزب الشيوعي، وضعف النقابات العملية والطلابية التي كانت تدور في فلكه، له دورٌ كبير في ركود هذه الصحيفة، وقلة قرّائها. علماً أن الصحف الورقية الفرنسية في انحسار متواصل، وبعضها انقرض من المشهد الورقي، كفرانس - سْوَار، قبل سنوات.

وإذا اعتبرنا أن غياب هذه الصحيفة سيُعتبر خسارة للفئات الشعبية والأقليات، التي لا تهتمّ الصحف الأخرى التي يمولها رجال أعمال ومال، بقضاياها واحتجاجاتها كما هو الشأن بحركة السترات الصفراء، إلا أن كثيراً من القضايا العادلة، ليس فقط في الداخل الفرنسي، بل أيضاً في الخارج، ستكون ضمن الخاسرين. وعلى رأسها القضية الفلسطينية، التي كانت تعتبر، ولا تزال، على رأس اهتمامات الصحيفة ومديرها في البرلمان الأوروبي. وكم كان مثيراً للإعجاب تكريس الصحيفة صفحاتها الأولى وملفاتها لقضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال وللمهاجرين واللاجئين، وللدفاع عن شعوب عربية سقطت تحت نير الاحتلالات الجديدة في السنوات الأخيرة.
يجب ألا تتوقف هذه الصحيفة، التي تعتبر نشازاً بالمفهوم الإيجابي للكلمة عن الصدور، في ظل سيادة الرأي الواحد، وعودة الأحكام المسبقة.