تعالوا نلامس الشمس!

12 سبتمبر 2018
+ الخط -

خلف مبنى البورصة القديم ببروكسل، سيدة أربعينية لباسها بال ووجهها شاحب، شعرها الأشعث فقد لونه بفعل طبقات الغبار المتراكمة عليه، تفترش الأرض وحولها طفلان ينبشان في كيس مملوء بالأشياء تارة أو يتمددان إلى جانبها تارة أخرى، ثم ترى أحد الطفلين يمسح المخاط الأخضر المتسرب من منخاريه بكفه قبل أن ينقض على قطعة حلوى ينتشلها من يد الطفل الآخر.

في الشارع المقابل، شابة عشرينية تقف على أصابع قدميها وتطوق عنق رفيقها بيديها الرقيقتين قبل أن تطبق شفتيها على شفتيه وهي مغمضة العينين، على بعد خطوات منهما، أرى عازفة الساكسفون تتوقف لتأخذ جرعة من الويسكي لتعيد ترتيب أنفاسها ومواويلها الجميلة.


في مطار شاغلوغوا، شابّ مغربي ذو لهجة شرقية يلعن موظفة التسجيل لأنها طلبت منه أن يؤدي ثمن ثقل الأمتعة، دفع حقيبته أرضا، مرر يده على رأسه وراح يشتم الموظفة والسفر والطائرة، سحبته والدته من يده ووبخته قائلة: ابتلع لسانك المسخوط إن أضفت كلمة واحدة سيمنعوننا من السفر.

البارحة، في الحسيمة قابلني وجه طفلة تقف عند عمود المرور، ترقب بعينيها الزرقاوين اشتعال الضوء الأحمر لتهرع إلى السيارات، تمد يدها التي تبدّل لونها لكل سائق فتح نافذته، ثم تسمعها تقول بصوت طفولي مبحوح: اشترو من عندي الكلينيكس.

في كل مرة تعود خائبة، تحشر إصبعها في منخارها، تسحبه بسلاسة ثم تنظر إلى النفط البشري فوق طرف إصبعها قبل أن تمسحه مع سروالها.

هذا المساء، في المقهى جلس على بعد طاولة مني ثلاثة شبان في مثل عمري تقريبا، يدخنون التبغ ويرشفون من كؤوس الشاي، يغوصون في حديث حول التاريخ البشري بين حين وحين ثم يقاطع الحديث أحدهم باستفساره عن تاريخ انطلاق موسم صيد الأرانب البرية، فيرد عليه الآخرون: ها المعقول. يضحكون جميعا ثم ينغرسون في حديث آخر.

رشيد الأبله لم أعد أجد له أثرا منذ عودتي إلى بوكيدان، سألت عنه النادل والحانوتي، لا أحد يعلم شيئا عن مصيره، هل استجاب لنداء عائلته أو سحبته خيوط الجنون إلى مكان آخر؟ هل أحرقته الشمس وهو يمشي أو يسخط على وضعه؟

أخيرا وقعت بين يدي مجلة علمية وقرأت خبر إرسال وكالة ناسا مركبة فضائية مهمتها اختراق الغلاف الجوي للشمس، وهذه مهمة تاريخية تهدف إلى حماية الأرض، إنها فكرة جيدة تنم عن تطور العقل البشري المدهش، أعني هنا فكرة "تعالوا نلامس الشمس" لحماية الأرض، لكن متى سنلامس همّ كل من في الأرض؟

52A7C077-30C2-4027-8C86-4C46EB3981D4
يوسف البرودي

من مواليد مدينة الحسيمة شمال المغرب. أتابع الدراسة في سلك الماستر تخصص الحكامة.

مدونات أخرى