ما زالت مدن عدة في جنوب ليبيا تشهد تظاهرات انطلقت قبل ثلاثة أسابيع، تنديداً بالانهيار المعيشي الذي يواجه معظم سكان الجنوب، وسط عجز حكومي عن تخفيف معاناتهم، وبالترافق مع تفشٍّ كبير لوباء كورونا. ونظم مئات من المواطنين احتجاجات في مدن سبها، أكبر مدن الجنوب، ومرزق، وغات، وقرى وواحات أخرى، أطلقوا عليها اسم "ثورة الفقراء". وتفاوتت المطالب ما بين توفير الخدمات المتصلة بالحياة، من كهرباء ووقود وسيولة نقدية، وبين إسقاط الوجوه السياسية الحاكمة في البلاد.
وفي هذا الإطار، يقول مصطفى الشريف، عضو حراك غضب فزان الأهلي، إنّ تظاهرات "ثورة الفقراء" تلقى تجاوباً كبيراً من قبل السكان، مرجحاً إمكانية أن تشهد مدن أخرى احتجاجات مماثلة في الأيام المقبلة. وبينما يعبّر الشريف في حديثه إلى "العربي الجديد" عن رغبته في اللحاق بمئات غيره ممن نزحوا إلى مدن الشمال، ما زالت ليبيا منقسمة بين حكومتين، فيما تعاني من صراع مسلح أثّر كثيراً بالجهود الدولية من أجل الدفع بحلول سلمية سياسية لبدء توحيد مؤسسات الدولة، ولا سيما الخدمية. وبينما أصدر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في طرابلس، قرارات عدة قالت إنها تخدم المواطنين، من بينها تفويضات مالية لبلديات الجنوب والغرب الليبيين لبدء تذليل الصعاب التي تواجه حياة المواطنين، ما زالت سلطات شرق البلاد تعلن عقد اجتماعات كثيفة بين مسؤوليها، لبحث إمكانية تذليل تلك الصعوبات.
ويعلّق عبد المنعم الزيداني، وهو مواطن من سبها، بالقول إنّ "شاشات التلفزيون نقلت خبراً عن وصول شحنة من غاز الطهو قوامها 500 أسطوانة في متابعة قرارات حكومة طرابلس"، واصفاً تلك القرارات بـ"المسكنات". ويتساءل: "كيف سيتقاسم الجنوب الذي يسكنه قرابة مليون نسمة 500 أسطوانة غاز؟". ويتحدث الزيداني لـ"العربي الجديد" عن معاناته اليومية بالقول إنّها "حياة كلّ مواطن في الجنوب. ليتر البنزين يباع بعشرة أضعاف سعره الرسمي، فيما يعتمد أغلب السكان على الحطب للطهو المنزلي والتدفئة في الشتاء". وعن الكهرباء يؤكد أنّها "تغيب لأيام عدة في أغلب المناطق، وأغلب السكان يستخدمون مولدات الكهرباء التي تعمل على البنزين، لكنّ ذلك فقط لتشغيل مضخات مياه الآبار، فلا نستخدمها للإنارة أو غيرها من الخدمات المنزلية". وبالرغم من أنّ صعوبة الحياة مماثلة في الشمال، فإنّ الزيداني يدرس إمكانية النزوح إلى إحدى مدن شمال البلاد واللحاق بأقارب وأصدقاء له، بسبب توافر الأعمال الخاصة، رغبةً منه في إيجاد فرص عمل لتعويض غياب السيولة النقدية في الجنوب. منذ خمسة أشهر، لم تفتح فروع البنك التجاري في سبها أبوابها أمام المواطنين، ويؤكد الزيداني أنّه تسلم مبلغ 300 دينار (220 دولاراً) فقط، وهو ثلث راتبه الشهري، منذ آخر مرة فتح فيها المصرف أبوابه بسبب الكمية الضئيلة لشحنة السيولة النقدية التي أرسلها المصرف المركزي من طرابلس.
من جانبه، يذكر الشريف أنّ "المواطنين ينادون بتوفير مراكز الشرطة لحفظ الأمن، فالجريمة والسطو وقطع الطريق باتت مظهراً اضطررنا إلى معايشته وإلى محاولة خلق سبل للأمان منه، من بينها الاحتماء بالقبيلة أو السفر بين المدن والمناطق في جماعات وليس بشكل فردي". وبينما يذكر الشريف رواج تجارة الممنوعات كالمخدرات والسلاح وتهريب البشر في الجنوب، يتهم سلطات البلاد بتشجيعها، قائلاً: "عندما لا يجد شاب يطمح إلى تأسيس حياته أيّ منفذ أو فرصة لتحصيل رزقه، سيضطر إلى العمل مع تلك الشبكات التي يجني منها مالاً سريعاً وافراً"، مؤكداً أنّ مئات الشباب يعملون بسياراتهم الخاصة في نقل المهاجرين الأفارقة المارين عبر الحدود بشكل غير قانوني، لصالح شبكات التهريب، إلى نقاط ومناطق في وسط وشمال البلاد.
من جانبه، يقول مصطفى، وهو شاب من سكان أوباري، إنّه يعمل على سيارته الخاصة لنقل المواد الغذائية لتجار الجنوب ويتحصل على مقابل مالي مجزٍ. يوضح أنّ "التجار باتوا يتعاملون مع سائقي سيارات بعينهم لمعرفتهم بطرقات التهريب وتجاوز عصابات مسلحة تمتهن السطو"، مشيراً إلى أنّ عمله ليس تهريباً لمؤن ممنوعة، بل مطلوبة لحياة المواطنين، ويتجاوز في عمله دوريات مسلحة تقيمها عصابات السطو المنتشرة في الجنوب. هذا الوضع يسبب رفع أسعار المواد الغذائية، بحسب مصطفى، إلى ثلاثة أضعاف، ويرهق كاهل المواطن بعبء إضافي.
وبينما أعلنت نقابة الخبازين في سبها وقف العمل في المخابز "بسبب نقص الوقود والدقيق والمواد التشغيلية"، يؤكد عميد البلدية الشاوش غربال، انحيازه إلى مطالب المواطنين، مشيراً إلى أنّ البلدية أعلنت موقفها منذ أعلن المواطنون إطلاق ما عرف بـ"ثورة الفقراء" قبل أكثر من ثلاثة أسابيع. ويذكر غربال لـ"العربي الجديد" أنّ أغلب مدن الجنوب تعاني من أزمة كهرباء وصرف صحي، بالإضافة إلى خطر انتشار وباء كورونا بشكل متزايد، مشيراً إلى عجز السلطات في البلاد عن مواجهة هذه الأزمات وتوفير العلاجات المناسبة.