وغصّت شوارع العاصمة الجزائرية بالمتظاهرين، الذين نزلوا بكثافة إلى الشارع للتعبير عن التمسك بمطالب الحراك، ورحيل رموز نظام عبد العزيز بوتفليقة، كما رفعوا شعارات مناوئة لقيادة الجيش، التي تدعم بقاء هذه الرموز تحت عنوان "الحفاظ على مخرجات الدستور".
واستعاد الحراك الشعبي في الجزائر نفسه الاحتجاجي، بعد فترة من تقلص أعداد المشاركين في تظاهرات الجمعات الأخيرة.
وعُدّت تظاهرات اليوم الجمعة الأضخم منذ تظاهرات الثامن مارس/ آذار الماضي، حيث شارك الآلاف في التظاهرات التي سبقتها تعبئة كبيرة من قبل الناشطين، وقادة كبرى الأحزاب السياسية التي دعت الخميس مناضليها إلى المشاركة القوية في التظاهرات.
شعارات ضد صالح
وتزايدت أعداد المتظاهرين عقب الانتهاء من صلاة الجمعة، حيث تدفق المتظاهرون من المساجد والأحياء القريبة.
وأبدى المتظاهرون رفضاً للحوار مع السلطة عبر شخصيات مستقلة، وهتفوا "لا حوار لا حوار.. قبل رحيل النظام". وقال الناشط عبد الغني بادي إن "الحراك الشعبي منتبهٌ ويقظ إزاء محاولات السلطة الالتفاف على مطالبه المركزية".
ولأول مرة يظهر شعار سياسي جديد ينادي بالاستقلال التامّ ووقف استغلال النظام لمقدّرات البلاد، وإطلاق الحريات.
وسمعت هتافات "الشعب يريد الاستقلال"، و"الشعب يريد رحيل النظام"، و"تحيا الجزائر"، وبدا الشارع حادّاً في مواقفه إزاء رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قائد صالح، إذ توجه جزء بارز من التظاهرات والشعارات ضده بسبب تمسّكه برئيس الدولة عبد القادر بن صالح، ورئيس الحكومة نور الدين بدوي.
وهتف المتظاهرن مطولاً بشعارات تطالب بمدنية الدولة، وبرفع الجيش يده عن مطالب الشعب، مثل "دولة مدنية وليس عسكرية"، و"الجزائريين إخوة، والقائد مع الخونة"، كما اتهموا قائد الجيش بـ"حماية العصابة"، و"القايد عميل الإمارات".
ووصل متظاهرون، صباح اليوم، إلى العاصمة الجزائرية قادمين مشياً على الأقدام من مدن قريبة كبومرداس والبويرة وبرج منايل شرقي الجزائر، للمشاركة في تظاهرات الجمعة، في تحدّ لافت للسلطات التي كانت قررت التضييق على دخول المتظاهرين إلى العاصمة، وإصرار على المطالب السياسية، والتمسك بمواصلة التظاهر برغم ارتفاع درجات الحرارة.
ونظم التكتل الديمقراطي، الذي يضم رابطة حقوقية وسبعة أحزاب سياسية، أبرزها التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، مسيرة وسط العاصمة الجزائرية من أجل الانتقال الديمقراطي الحقيقي، والمطالبة بـ"السيادة الشعبية الكاملة وغير المنقوصة للجزائريين"، وكذا المطالبة بـ"الرحيل النهائي للنظام القائم منذ 1962".
وركزت مسيرة الكتلة الديمقراطية على مطلب الحرية لكل المعتقلين السياسيين والرأي، أبرزهم الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، والقيادي الثوري لخضر بورقعة، و"الكف عن كل الإجراءات القمعية، واحترام كل الحريات الديمقراطية، وفتح المجال السياسي والإعلامي للجميع".
وحمل المتظاهرون صور شهداء ثورة الجزائر، ورموزاً تاريخية، والعلم الوطني، كما طبعت مجموعة من المتظاهرين على أقمصة ارتدوها صوراً للقيادي الثوري لخضر بورقعة، المعتقل منذ الثلاثاء الماضي على خلفية تصريحات حادّة ضد الجيش، مطالبين بالإفراج الفوري عنه.
الأمن: أوامر بالتهدئة
وظلت قوات الشرطة، التي انتشرت بشكل كبير قرب ساحة البريد المركزي وساحة اودان وشارعي ديدوش مراد وحسيبة بن بوعلي، تراقب التظاهرات عن قرب دون أن تتدخل.
وتلافى المتظاهرون حمل الرايات الأمازيغية لتجنب الصدام مع قوات الشرطة، التي تلقت صباح الجمعة أوامر بالتهدئة وعدم التصادم مع المتظاهرين، وخاصة في يوم عيد الاستقلال.
وقال مصدر أمني لـ"العربي الجديد"، إن "السلطات قررت صباح الجمعة سحب تدابير احترازية كانت اتخذتها لمراقبة التظاهرات، ووزعت تعليمات على الكوادر الأمنية الميدانية لتجنب إلى أقصى حد ممكن الصدام والتوتر مع المتظاهرين"، مشيراً إلى أن "السلطات لا تريد أن تسجل ضدها أو تحسب عليها أي انزلاقات في يوم تاريخي مرتبط بعيد الاستقلال".
مؤتمر المعارضة
وتأتي تظاهرات الجمعة قبل يوم واحد من مؤتمر المعارضة المقرر السبت، حيث ستجتمع قوى ومكونات المعارضة السياسية والكتل المدنية والنقابات والشخصيات المستقلة لبحث صياغة أرضية موحدة ووضع خطة حل سياسي، لكن السلطة، ممثلة في الرئيس المؤقت، استبقت المؤتمر بطرح خطة حوار جديدة.
وطرح بن صالح مبادرة حوار غير مباشر، وعبر وساطة فريق من الشخصيات المستقلة مع المعارضة، لكنه اشترط أن يرتكز الحوار حول آليات تنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة دون غيرها من النقاط والمتعلقات السياسية.
وتنقسم مواقف قوى المعارضة بشأن الموافقة على عرض رئيس الدولة، وأيضاً باتجاه مطالب المرحلة الانتقالية والمجلس التأسيسي.
وفيما تدعم كتلة التغيير، التي تنظم مؤتمر السبت، مبدئياً فكرة الحوار مع هيئة الحوار، وتنظيم انتخابات رئاسية بعد توفير الاشتراطات القانونية والسياسية، تطالب الكتلة الديمقراطية بمرحلة انتقالية تديرها هيئة رئاسية وانتخابات مجلس تأسيسي يعيد صياغة الدستور.