المختارات الأدبية صناعة نادرة في الأدب العربي الحديث والمعاصر، رغم شيوع تعاطيها منذ الفجر الأوّل لهذا الأدب. وإن المتتبع لهذا التصنيف الثقافي الهام ليتأسف لتراجع العرب عن الاهتمام به.
فما يعرف عند مؤرخي الأدب بعصر التدوين هو مرحلة التصنيف الجدّي للغة والشعر، من خلال وضع معاجم اللغة وجمع أشعار القبائل، وتصنيف المجموعات الشعرية، وكتب المختارات المتنوعة، مما ترك لنا ذخيرة مهمّة نستعين بها اليوم لمعرفة ملامح الأشعار والمراحل على حد سواء. وأقدم هذه المختارات هي "المفضّليات" لمصنفها المفضل الضبّي الراوية الكوفي المتوفى سنة 168 هـ. وتليها "الأصمعيات"، وهي أيضًا من مصنفات القرن الثاني الهجري. وتُعتبر خير متمم لمختارات المفضّل. مما يعني أن العرب كانوا يعملون في الأدب وفق منطق الاستمرار والتكامل. وصولًا إلى "جمهرة أشعار العرب" المنسوبة لراوية مغمور. ويدخل في منهجية المختارات مصنفات أخرى تعرف بالحماسات، وهي فئة ثانية من المجموعات الشعرية. ويعرف منها "حماسة أبي تمام"، و"حماسة البحتري" و"حماسة ابن الشجري". كلّ هذه المختارات تحيل على العمل الدؤوب الذي باشره العرب من أجل جمع المتفرّق من النصوص وتقديمها إلى الجمهور العام. لكن تاريخ الأدب العربي الحديث يعرف تراجعًا كبيرًا عن هذه الذخائر التي عبرت القرون. فما السبب؟ هل تصنيف المختارات عمل وسيط يوضع في مرتبة أدنى من التأليف؟ أم بسبب النقد اللاذع والازدراء الكبير الذي يتعرّض له كلّ من صنف مختارات في النثر أو الشعر؟
يقع مصنفو المختارات ضمن فئة من الكتّاب يسميها المترجم أندري لوفيفر "الفئة الوسطى من الكُتّاب"، أي تلك الفئة التي تسعى بين المؤلف الأصلي للنصّ والقارئ. وتضمّ تلك الفئة بعد مصنفي المختارات فئة المترجمين، ومؤرخي الأدب، وواضعي القواميس الأدبية، والنقّاد والناشرين. إلا أن لوفيفر حصر فئة معدّي المنتخبات في جنس الشعر فقط. وهو أمر طبيعي لأن منتخبات النثر لم تعرف الانتشار الكافي لتجد لنفسها موقعًا واسعًا في الثقافة الأوروبية.
تكمن أهمية هذه الفئة في قدرتها على التقرير في شأن قبول الأعمال الأدبية أو رفضها، كما أنها تضطلع بمهمة إيصال هذه الأعمال إلى القارئ. لكن العادة جرت أن يتعرّض النص الذي تختاره هذه الفئة إلى الازدراء، إما بذريعة أن الأصل أفضل من النسخة، في حالة الترجمة، أو أنه في غير حاجة إلى وسيط يبرز أبعاده المضمونية والشكلية، في حالة النقد، أو أنه وُضع إلى جانب أعمال أدبية أخرى أقلّ أهمية، في حالة تاريخ الأدب، أو أنه أقلّ اكتمالًا من نص شمولي، في حالة المختارات التي يُعدّ صاحبها نصوصًا قصيرة يتم اجتزاؤها من نصوص أطول، خصوصًا في حالة السرديات والقصائد الطويلة.
اقرأ أيضاً: الانتصار لعنصر التخييل في السيرة الذاتية
لكن، مهما كان النقد الموجه إلى هذه الفئة من الكتّاب، فإنها في المحصّلة تؤدّي مهمّة كبيرة تتجلّى في تقديم الأدب إلى جمهوره الواسع، خصوصًا فئة الجمهور غير المتخصص. ومجمل ذلك النقد يستند إلى ترجمات سيئة، وإلى قواميس أهملت مرحلة، أو تيارًا أدبيًا، أو كاتبًا، أو مصطلحًا. أو إلى منتخبات أساءت الانتقاء، إما بسبب تجاهل حقبة أو بلد أو كاتب ما. "فاختيار كاتب معين وإهمال كاتب آخر عملية محكومة بعوامل تتجاوز مجرد الجودة الأدبية معيارًا له" حسب لوفيفر. بل إن هناك بعض المنتخبات الأدبية التي أهملت كتّابا كبارًا، أو أدرجت قصيدة أو قصّة لكاتب كبير من دون حتى عناء إثبات اسمه. فبعض المنتخبات الأدبية الألمانية، مثلًا، أهملت الشاعر هاينريش هاينه، وبعضها ضمّ قصيدة له لم يظهر عليها اسمه. والشيء نفسه حصل مثلا بالنسبة للشاعر العربي لبيد بن ربيعة في الموسوعة البريطانية الموسعة، التي أتت على ذكر قصيدة لبيد من دون ذكر اسمه.
هذا إضافة إلى أن كتب المنتخبات الأدبية تخضع لقيود الحجم، وهذا القيد أصبح مصدر شكوى معتادة. ولولا قيود الحجم والحيّز المسموح بهما لجاءت المنتخبات الأدبية غزيرة الورق وممتدة الحجم. ولعلّ من المنتخبات المهمّة في الأدب العربي الحديث هي التي صنفها أدونيس في الشعر والتصوف، وعلي الراعي في الرواية العربية الحديثة، ومحمد عضيمة في الشعر العربي الحديث. لكنه إنجاز يبقى في حاجة إلى إثراء من قبل الباحثين والمتخصصين، خصوصًا إذا ما قورن بما صنفه الأسلاف منذ القرن الهجري الأوّل.
فما يعرف عند مؤرخي الأدب بعصر التدوين هو مرحلة التصنيف الجدّي للغة والشعر، من خلال وضع معاجم اللغة وجمع أشعار القبائل، وتصنيف المجموعات الشعرية، وكتب المختارات المتنوعة، مما ترك لنا ذخيرة مهمّة نستعين بها اليوم لمعرفة ملامح الأشعار والمراحل على حد سواء. وأقدم هذه المختارات هي "المفضّليات" لمصنفها المفضل الضبّي الراوية الكوفي المتوفى سنة 168 هـ. وتليها "الأصمعيات"، وهي أيضًا من مصنفات القرن الثاني الهجري. وتُعتبر خير متمم لمختارات المفضّل. مما يعني أن العرب كانوا يعملون في الأدب وفق منطق الاستمرار والتكامل. وصولًا إلى "جمهرة أشعار العرب" المنسوبة لراوية مغمور. ويدخل في منهجية المختارات مصنفات أخرى تعرف بالحماسات، وهي فئة ثانية من المجموعات الشعرية. ويعرف منها "حماسة أبي تمام"، و"حماسة البحتري" و"حماسة ابن الشجري". كلّ هذه المختارات تحيل على العمل الدؤوب الذي باشره العرب من أجل جمع المتفرّق من النصوص وتقديمها إلى الجمهور العام. لكن تاريخ الأدب العربي الحديث يعرف تراجعًا كبيرًا عن هذه الذخائر التي عبرت القرون. فما السبب؟ هل تصنيف المختارات عمل وسيط يوضع في مرتبة أدنى من التأليف؟ أم بسبب النقد اللاذع والازدراء الكبير الذي يتعرّض له كلّ من صنف مختارات في النثر أو الشعر؟
يقع مصنفو المختارات ضمن فئة من الكتّاب يسميها المترجم أندري لوفيفر "الفئة الوسطى من الكُتّاب"، أي تلك الفئة التي تسعى بين المؤلف الأصلي للنصّ والقارئ. وتضمّ تلك الفئة بعد مصنفي المختارات فئة المترجمين، ومؤرخي الأدب، وواضعي القواميس الأدبية، والنقّاد والناشرين. إلا أن لوفيفر حصر فئة معدّي المنتخبات في جنس الشعر فقط. وهو أمر طبيعي لأن منتخبات النثر لم تعرف الانتشار الكافي لتجد لنفسها موقعًا واسعًا في الثقافة الأوروبية.
تكمن أهمية هذه الفئة في قدرتها على التقرير في شأن قبول الأعمال الأدبية أو رفضها، كما أنها تضطلع بمهمة إيصال هذه الأعمال إلى القارئ. لكن العادة جرت أن يتعرّض النص الذي تختاره هذه الفئة إلى الازدراء، إما بذريعة أن الأصل أفضل من النسخة، في حالة الترجمة، أو أنه في غير حاجة إلى وسيط يبرز أبعاده المضمونية والشكلية، في حالة النقد، أو أنه وُضع إلى جانب أعمال أدبية أخرى أقلّ أهمية، في حالة تاريخ الأدب، أو أنه أقلّ اكتمالًا من نص شمولي، في حالة المختارات التي يُعدّ صاحبها نصوصًا قصيرة يتم اجتزاؤها من نصوص أطول، خصوصًا في حالة السرديات والقصائد الطويلة.
اقرأ أيضاً: الانتصار لعنصر التخييل في السيرة الذاتية
لكن، مهما كان النقد الموجه إلى هذه الفئة من الكتّاب، فإنها في المحصّلة تؤدّي مهمّة كبيرة تتجلّى في تقديم الأدب إلى جمهوره الواسع، خصوصًا فئة الجمهور غير المتخصص. ومجمل ذلك النقد يستند إلى ترجمات سيئة، وإلى قواميس أهملت مرحلة، أو تيارًا أدبيًا، أو كاتبًا، أو مصطلحًا. أو إلى منتخبات أساءت الانتقاء، إما بسبب تجاهل حقبة أو بلد أو كاتب ما. "فاختيار كاتب معين وإهمال كاتب آخر عملية محكومة بعوامل تتجاوز مجرد الجودة الأدبية معيارًا له" حسب لوفيفر. بل إن هناك بعض المنتخبات الأدبية التي أهملت كتّابا كبارًا، أو أدرجت قصيدة أو قصّة لكاتب كبير من دون حتى عناء إثبات اسمه. فبعض المنتخبات الأدبية الألمانية، مثلًا، أهملت الشاعر هاينريش هاينه، وبعضها ضمّ قصيدة له لم يظهر عليها اسمه. والشيء نفسه حصل مثلا بالنسبة للشاعر العربي لبيد بن ربيعة في الموسوعة البريطانية الموسعة، التي أتت على ذكر قصيدة لبيد من دون ذكر اسمه.
هذا إضافة إلى أن كتب المنتخبات الأدبية تخضع لقيود الحجم، وهذا القيد أصبح مصدر شكوى معتادة. ولولا قيود الحجم والحيّز المسموح بهما لجاءت المنتخبات الأدبية غزيرة الورق وممتدة الحجم. ولعلّ من المنتخبات المهمّة في الأدب العربي الحديث هي التي صنفها أدونيس في الشعر والتصوف، وعلي الراعي في الرواية العربية الحديثة، ومحمد عضيمة في الشعر العربي الحديث. لكنه إنجاز يبقى في حاجة إلى إثراء من قبل الباحثين والمتخصصين، خصوصًا إذا ما قورن بما صنفه الأسلاف منذ القرن الهجري الأوّل.