أُطلقت النار على نيمتسوف، بينما كان يتنزه مع صديقة له كما تناقلت بعض المواقع، بينما ذكرت "لجنة التحقيق القضائية" في موسكو، أن "مجهولاً قام بإطلاق ثمانية أعيرة نارية على الأقلّ، من سيارة عابرة على نيمتسوف، حين كان يتنزه على جسر بولشوي موسكفوريتسكي، القريب من الكرملين".
ونقلت وكالة "تاس" عن رئيس المكتب الصحافي في الكرملين، ديمتري بيسكوف، قوله إنه "تم إعلام الرئيس فلاديمير بوتين بالحادثة، وقد أكد بوتين أن هذه الجريمة الوحشية، لها كل دلائل القتل المأجور، وتحمل طابعاً استفزازياً بحتاً". ووفقاً لبيسكوف فإن "بوتين كلف لجنة التحقيق ووزارة الداخلية والأمن الفيدرالي بتشكيل لجنة تحقيق مشتركة، وأنه سيتابع سير التحقيق بهذه الجريمة، شخصياً".
وأفاد موقع "روس بالت" بأنه في الوقت الذي قُتل فيه نيمتسوف، تعرّض الرئيس المشارك لفرع حزب "بارناس" المعارض، في مدينة تالياتي، أندريه بالين، للاعتداء، حين هاجمه مجهولون قرب منزله وسلبوا منه حاسوبه المحمول.
وسبق لنيمتسوف أن تعرّض للاعتداء مرات عدة، كما تم تسريب ونشر مكالمات هاتفية خاصة، ينتقد فيها رفاقه المعارضين بكلام لاذع. وأثارت التسريبات ضجة كبيرة في حينها، اضطر معها نيمتسوف للاعتذار، من دون أن تلقى واقعة تسريب الاتصالات الاهتمام المطلوب.
على مستوى ردود الأفعال، غرّد المالك السابق لشركة "يوكوس"، ميخائيل خودركوفسكي، على موقع "تويتر"، مشيراً إلى أن "مقتل بوريس مصيبة لي ولعائلتي. نحن جميعا أحببناه. مشاغب، ولكنه شاب جيد جداً". مع العلم أن خودركوفسكي سُجن لعشر سنوات بتهمة اقتصادية، لكن المعارضة اعتبرتها "تهمة بأبعاد سياسية"، قبل الإفراج عنه العام الماضي.
من جهته، عبّر الرئيس المشارك لحزب "بارناس" المعارض، رئيس الوزراء السابق، ميخائيل كاسيانوف، عن صدمته، لكنه أبدى ثقته في أن "يدفع المجرمون ثمناً غالياً". وشدد على أن "كل معارض يحتاج إلى حماية المجتمع"، وفقاً لوكالة "تاس".
وغرّدت إيرينا خاكامادا، الرئيسة السابقة لحزب "خيارنا" (ناش فيبر) الديمقراطي المعارض، في حسابها على موقع "تويتر"، لافتة إلى أنه "استفزاز وحشي لا حدود له، عشية مسيرة الربيع"، في إشارة إلى التظاهرة التي كانت المعارضة الروسية تحضّر لتنظيمها، اليوم الأحد قبل أن تلغيها نتيجة اغتيال الزعيم المعارِض. وأضافت خاكامادا، التي باتت عضوة في "مجلس تطوير المجتمع المدني وحقوق الإنسان" التابع للرئيس الروسي، أن "ما جرى ليس سوى عمل من طبيعة الإرهاب".
ويُعتبر نيمتسوف (55 عاماً) من أبرز الوجوه المعارضة في روسيا، فهو أحد مؤسسي منظمة "التضامن" المعارضة، ورئيس مشارك لحزب "بارناس"، وعضو في المجلس الاستشاري للمعارضة الروسية. عمل في الحكومة الروسية وزيراً للوقود والطاقة في العام 1997، ثم نائباً أول لرئيس الوزراء، فيكتور تشيرنوميردين، خلال العامين 1997 ـ 1998.
أسس الحركة الليبرالية اليمينية "روسيا الشابة" (روسيا مولودايا) في العام 1998، وكان أحد المبادرين في العام 2008، إلى تأسيس الحركة الديمقراطية المعارضة "سوليدارنست" (التضامن). وأُعيد انتخابه مرات عدة نائباً في البرلمان الروسي، وشغل في الفترة بين عامي 1999 و2003 منصب نائب رئيس الدوما الحكومية. وقد عُرف بأنه أحد أعضاء "عائلة يلتسين"، التي كان أبرز رجالها، بوريس بيريزوفسكي، خصماً لدوداً لبوتين. في العام 2013 وُجد بيرزوفسكي ميتاً في لندن، وقيل إنه انتحر.
إقرأ أيضاً: المواجهة الكلامية بين بوتين وبوروشينكو: للاستهلاك الداخلي أم للحرب؟
وكانت إذاعة "صدى موسكو"(إيخو موسكفي) قد نقلت، في 16 ديسمبر/كانون الأول 2010، عن بوتين، حين كان رئيساً للحكومة، قوله إن "نيمتسوف و(فلاديمير) ميلوف و(فلاديمير) ريجكوف وآخرين، يريدون المال والسلطة". وذكر بوتين في حديثه حينذاك، أنه "في أعوام التسعينيات صال هؤلاء وجالوا، وآخذوا مع بوريس بيريزوفسكي وأولئك الموجودين قيد الاعتقال الآن (ميخائيل خودركوفسكي قبل الإفراج عنه) أموالاً كثيرة، ومن ثم تم إبعادهم عن المعلف، ويريدون العودة من جديد الآن وملء جيوبهم". وأعلن بوتين أنه إذا سمح لهم بفعل ذلك، فإنهم "لن يكتفوا ببضع مليارات، بل سيبيعون روسيا برمتها".
إلا أن الموقف السلبي من نيمتسوف لم يتوقف عند حدود ذلك العام، فقد تابع الراحل نشاطه المعارض بلا هوادة. وأثناء أزمة ضمّ القرم، انتقد نيمتسوف بشدة سياسة الكرملين في أوكرانيا. وفي سبتمبر/أيلول 2014، وقّع بياناً يطالب السلطة الروسية بـ"التوقف عن المغامرة العدوانية، وإخراج القوات الروسية من أراضي أوكرانيا، والتوقف عن الدعم العسكري، الإعلامي والمادي، لقوات دونيتسك ولوغانسك الانفصاليتين".
ما يبدو واضحاً إلى الآن، أن اغتيال نيمتسوف سيتسبب بمصاعب كثيرة للكرملين، وسيتم استغلال ذلك داخلياً وخارجياً. داخلياً، تخلت المعارضة عن تظاهرة "الربيع" المقررة، اليوم الأحد، لمصلحة خطوة أكثر تصعيدأ. وسيُشكّل مقتل شخصية بارزة كنيمتسوف عامل توحيد إضافي لمصلحة المعارضة، وسيكون صعباً على الكرملين استخدام جماعة "الميدان المضاد" ضد المتظاهرين، في حال تخللتها أعمال استفزازية، لأن ذلك لن يكون لمصلحة السلطات الروسية.
وحدّد أحد منظمي التظاهرة، ليونيد فولكوف، في حسابه في "تويتر"، هدفها، وذكر أن "المعارضة ستتخلى عن تظاهرة الربيع، التي كان مرخصاً لها في حي مارينو في أطراف العاصمة، وتدعو عوضاً عنها إلى مسيرة حداد في قلب موسكو".
وأكد رئيس الوزراء الأسبق ميخائيل كاسيانوف، المعارض، مسيرة الحداد، وأكد أنه "تم اتخاذ قرار بإلغاء تظاهرة والقيام بمسيرة حداد، وبدأنا التنسيق مع محافظة موسكو في هذا الشأن". حسب ما ذكر لوكالة "تاس". هذا داخلياً، أما خارجياً، فسيجد خصوم روسيا، سبباً إضافياً للضغط على الكرملين والدعوة إلى تشديد الحصار على موسكو ومعاقبتها، وقد يصل رد فعلهم على اغتيال نيمتسوف إلى حد إطلاق دعوات مفتوحة لميدان مضاد للكرملين، مدعوم من الغرب. ويظهر من ردود الفعل الرسمية الأولى، أن هذا الأمر يقلق بوتين، بدليل تعهده بـ"متابعة التحقيق بمقتل نيمتسوف شخصياً".
اقرأ أيضاً: روسيا تمهل أوكرانيا 3 أيام قبل قطع إمدادات الغاز