يحمل إعلان ما يُسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" في اليمن، عن تأسيس "الجمعية الوطنية الجنوبية" أبعاداً ودلالات عدة، تتعلق بما وراء الخطوة، بالإضافة إلى تساؤلات حول الأجندة المقبلة للمجلس، الذي يبدو أنه يمضي بضوء أخضر من "التحالف العربي" الذي تقوده السعودية والإمارات، لتأسيس مؤسسات سلطة أمر واقع تمهّد للانفصال عن الشمال.
وفيما كان الإعلان عن "الجمعية الجنوبية" ملتبساً حول طبيعة الخطوة، أعلن نائب رئيس المجلس، القيادي السلفي المقرب من الإمارات، هاني بن بريك، في تصريحات أمس الأحد، أن "الجمعية العمومية هي البرلمان الجنوبي"، ليؤكد بذلك على الطبيعة "الانقلابية" للخطوة.
ويعد الإعلان عن "برلمان جنوبي"، كما تمت تسميته، الخطوة الثانية في طريق تشكيل سلطة في الجنوب اليمني، بعدما شهدت عدن في مايو/أيار الماضي، الإعلان عن "المجلس الانتقالي الجنوبي"، والذي قدم نفسه كسلطة لـ"تمثيل وإدارة الجنوب"، مع اعترافه بالوقت ذاته بالحكومة الشرعية. ثم دخل بمرحلة جمود أو تجميد مؤقت، قبل أن يعود ويتحرك مع تنظيمه يوم السبت، فعالية إحياء ذكرى ثورة 14 أكتوبر/تشرين الأول 1963.
ومع تشكيل قيادة المجلس الانتقالي وبرلمان (الجمعية الوطنية)، تذهب توقعات محللين وتسريبات إلى أن الخطوة المقبلة، إذا ما واصل المجلس طريقه، ستكون استكمال بناء السلطة في المحافظات الجنوبية لليمن، من خلال تشكيل "مجلس عسكري" أو "حكومة أمر واقع"، وما يعنيه ذلك من إنهاء السيطرة الشكلية للحكومة الشرعية الضعيفة في الأصل.
وكان رئيس "المجلس الانتقالي"، عيدروس الزبيدي، وصف في خطابه السبت الماضي، وجود حكومة رئيس الوزراء اليمني أحمد عبيد بن دغر، في عدن، بأنه "مؤقت". وأعلن بدء التصعيد ضدها، موجهاً إليها العديد من التهم، الأمر الذي فُسّر بأنه يمهد لخطوات مقبلة يستكمل من خلالها المجلس الذي يتبنى الانفصال، سيطرته وسلطته في جنوب اليمن. ومن أبرز الدلالات المرتبطة بـ"إعلان الجمعية الوطنية" والتصعيد الأخير عموماً، أنها تظهر بأن "المجلس الجنوبي"، الذي تأسس منذ أشهر بدعم إماراتي وصمت سعودي، لم يتم إخماده أو إجهاض فكرته، بل على العكس، يواصل نشاطه ويتطلع إلى خطوات مقبلة، بعد تنظيمه أخيراً فعالية جماهيرية ضخمة في عدن، قبل أن يعلن عن تأسيسي "برلمان". وهذا يعني أنه يمضي إلى الإمام بالخطوات الانفصالية التي يجري تعزيزها على أرض الواقع، بإنشاء مقرات حكومية ووزارات ومؤسسات ذات طابع سيادي منذ عامين في عدن، تحت غطاء "العاصمة المؤقتة" للشرعية، والتي تصفها أوساط "المجلس الانتقالي" بـ"العاصمة الأبدية" لجنوب اليمن.
وفي المحصلة، يبدو موقف "التحالف العربي" الأكثر انكشافاً أمام الانتقادات التي تطالبه باتخاذ موقف، أو تتهمه بالوقوف وراء دعم التصعيد الانفصالي في الجنوب، فيما المرحلة المقبلة ستكون الاختبار الحقيقي الذي سيؤكد مضي "الانتقالي" بتصعيده المعلن أم لا. ويبدو اليمن عموماً أمام الفصول الأخيرة من تشكيل سلطة انقلابية/ انفصالية في الجنوب في ظل سلطة الانقلابيين في صنعاء ومحيطها من المحافظات الشمالية. أما الشرعية اليمنية، فتبدو مع التطورات الأخيرة، الحلقة الأضعف، إن لم يكن البعض منها، متواطئاً مع ما يجري، بالأساس.
في غضون ذلك، بدا واضحاً حتى مساء يوم أمس أن الشرعية تجاهلت اتخاذ موقف رسمي واضح مما يحصل مقابل استمرارها بالحديث عن شروط تسوية الصراع اليمني. وبدا ذلك واضحاً في البيان الذي نشرته وكالة الأنباء اليمنية التابعة للشرعية، عن لقاء الرئيس عبدربه منصور هادي أمس الأحد في الرياض، بوزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، أليستر بيرت. وذكرت الوكالة أن الرئيس اليمني قال خلال اللقاء "لقد خضنا حواراً شاملاً لكل مكونات المجتمع ومنظماته الاجتماعية وقواه الحية بمشاركة الحوثيين الذين وقعوا على مخرجاته بِما في ذلك مسودة الدستور وانقلبوا عليها وعلى الإجماع الوطني". وأضاف "رحبنا ولا نزال نرحب بجهود ومساعي السلام وآخرها مقترح المبعوث الاممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، حول ميناء الحديدة ومطار صنعاء الدولي وتحصيل موارد الميناء لدى فرع البنك المركزي في الحديدة وبإشراف الأمم المتحدة، لنتمكن من صرف مستحقات ومعاشات الموظفين في تلك المحافظات ولكن كعادة الانقلابيين لا يريدون السلام وليسوا من دعاته ولا يهمهم تخفيف المعاناة عن كاهل الموظف والمواطن البسيط"، وفق تعبيره.
من جانبه، قال الوزير البريطاني "سنعمل معاً للبحث في إمكانية تحقيق السلام لمصلحة الشعب اليمني وتحسين ظروفه نحو حياة أمنه ومستقرة"، وفق ما أوردت الوكالة اليمنية.