التحذير المبطّن الذي أرسلته إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أواخر الأسبوع الماضي إلى طهران، أثار خشية جهات كثيرة في واشنطن من أن يكون مؤشراً على دخول العلاقات بين الجانبين نفق التصعيد المفتوح حتى على العمل العسكري، وقد ساد معه الاعتقاد بأن الإدارة وضعت هذا الملف فوق نار حامية.
لكن بعد ظهر أمس الاثنين، قام ترامب بزيارة إلى مقر "قيادة المنطقة الوسطى" في تامبا، بولاية فلوريدا، وألقى كلمة في المناسبة تحدث فيها عن التحديات التي تنتظر قوات هذه القاعدة وعلى رأسها محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، من دون أن يأتي على ذكر إيران التي سبق وهزّ العصا بوجهها قبل بضعة أيام، مع أنها تقع عسكرياً، ضمن نطاق عمليات "قيادة المنطقة الوسطى" المعنية بعموم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
تجاهل الرئيس اليوم لإيران وعدم ذكر اسمها في خطابه، يطرح السؤال عن حقيقة التحذير ومقاصده. فهو جاء بلهجة صارمة تفيد بأن ترامب غادر دبلوماسية سلفه باراك أوباما في تعامله مع إيران، ليعتمد بدلاً منها التلويح بالعصا.
وحتى لا يخطئ التقدير، حرص البيت الأبيض على أن يأتي ما يقرب من الإنذار، على لسان مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي الجنرال المتقاعد مايكل فلين المعروف بنزوعه إلى خيار القوة والذي كان لعبارته أن الإدارة "أشعرت إيران" وقع التصعيد المحمل بصواعق تفجير. وحتى يكون له مثل هذا الوقع، تعمّد فلين إطلاق تصريحه أمام رجال الإعلام في قاعة الصحافة في البيت الأبيض؛ حتى تتوفر له تغطية عارمة.
لكن في الوقت ذاته بدا أن الرئيس نأى عن هذا الموضوع وتركه لمستشاره ولوزير الدفاع الجنرال جايمس ماتيس الذي حذر إيران هو الآخر باعتبارها "أكبر راعٍ للإرهاب" كما دعاها إلى "التفكير مرتين" قبل أن تحاول اختبار إرادة ترامب.
السؤال في واشنطن: هل هو تهويل أم تمهيد لتصعيد متزايد؟
ومن التفسيرات أن ترامب يعدّ "لمنازلة مع طهران في اليمن"، وأن عدة خيارات تنظر فيها إدارته، على ما تردد. ومنها "تعزيز القدرات العسكرية" لقوات الشرعية اليمنية، عن طريق تزويدها "بالمستشارين ودعمها بعمليات الطائرات المسيّرة"، بالإضافة إلى العمل على قطع طرق الإمدادات العسكرية عن طريق البحر للحوثيين وهو ما اقتضى توجيه المدمرة "يو أس أس كول" إلى قرابة السواحل اليمنية، للقيام بهذه المهمة.
السيناريو الآخر، أن البيت الأبيض يرمي من وراء مخاطبته الحادة مع إيران إلى "دق إسفين الخلاف بين موسكو وطهران"، من خلال تأجيج الخلاف مع الثانية بسبب تجاربها الصاروخية والدفاع عن الأولى مع الميل لفك العقوبات عنها والتعاون معها في ليبيا وسورية.
وهذا الكلام تردد أمس في واشنطن نقلاً عن مصادر في إدارة ترامب، لكن يبدو أنه جاء في إطار سعي الإدارة لتخفيف حدة النفور السائد في واشنطن من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وكذلك احتواء الامتعاض من ترامب الذي أثار أمس الأول نقمة جديدة واسعة ضده عندما قال ما معناه أن أميركا ليست أفضل من بوتين في التعامل مع الخارج. ويساعد الإدارة في ذلك أن هناك في أوساط النخب السياسية والدبلوماسية الأميركية من يدعو إلى التعاون من حيث المبدأ، مع موسكو حيث أمكن.
يبقى عدم استبعاد احتمال آخر يتمثل في أن التصعيد مع طهران والرد على تجاربها الصاروخية بعقوبات جديدة، يأتي في سياق وضع هذا الملف على طريق أزمة متفاعلة تصبح مع الوقت حالة تتطلب الردع؛ إذا ما اختارت طهران مواصلة التحدي الصاروخي واقتضت الظروف تفجير الوضع. وفي هذا الملف يحظى موقف الرئيس ترامب بدعم واسع في الكونغرس ومن الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
حتى الآن ترجح كفة الاعتقاد بأن الوضع "تحت السيطرة" وأن التراشق ما زال ضمن لعبة العض على الأصابع؛ لكنْ ثمة تحذير من التمادي بها، خاصة وأن هناك حرصا على حماية الاتفاق النووي وكذلك على توخي الحذر من الانزلاق إلى وضع أخطر.