شهدت مصر لأول مرة، بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز، تحركات جماهيرية صاخبة في الشارع لا تتعلق بالسياسة، ولكن احتجاجاً على قرارات معيشية في إثر رفع أسعار الوقود، وفي المقابل واجه نظام عبد الفتاح السيسي الأزمة بحملة تبريرات.
وتسربت أنباء عن استدعاء الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، جميع رؤساء تحرير الصحف المصرية، الحكومية منها والخاصة، خلال ساعات، لإبلاغهم بتوجيهات تبرر قرارات رفع أسعار الوقود وعدم السماح بانتقادها، في محاولة لامتصاص الغضب المعلن من القرارات الأخيرة، وقد تشهد مفاجآت تتعلق بإعادة النظر في القرار وليس بإلغائه.
وتواصل غضب المواطنين، اليوم الأحد، رفضاً للزيادة، وصلت إلى تحركات واحتجاجات في الشارع، كما هددت العديد من القوى السياسية بالتظاهر رفضاً للأسعار الجديدة.
ورفعت حكومة إبراهيم محلب، أول أمس الجمعة، أسعار بنزين "80 أوكتان"، الأكثر استهلاكاً لدى الطبقات محدودة الدخل، إلى 1.60 جنيه للتر (0.22 دولار)، بزيادة 78 في المائة عن السعر الحالي البالغ 0.90 جنيه.
كما تمت زيادة أسعار" بنزين 92 أوكتان" إلى 2.60 جنيه للتر (0.36 دولار)، بزيادة 40 في المائة عن السعر الحالي البالغ 1.85 جنيه، فيما تمت زيادة سعر بنزين "95"، المستهلك في السيارات الفارهة التي يمتلكها الأغنياء، بنسبة 6.8 في المائة، ليصل سعر اللتر إلى 6.25 جنيه مقابل 5.85 جنيه.
وارتفع سعر السولار، المستخدم في أغلب سيارات النقل والحافلات، إلى 1.80 جنيه للتر من 1.10 جنيه، بزيادة 63 في المائة.
مشاجرات ومعارك
وندد نشطاء وسياسيون مصريون بقرار حكومة إبراهيم محلب، برفع أسعار المشتقات البترولية، محذرين من تداعيات القرار، الذي يُحمل الفقراء أعباء جديدة، مما يُنذر باندلاع حرب أهلية، واقتتال داخلي بين المواطنين.
عضو المكتب السياسي لحركة "شباب 6 إبريل"، محمد كمال، قال لـ"العربي الجديد": إن "الفقراء ومحدودي الدخل وحدهم من سيدفعون ثمن اتجاه الحكومة الحالية لتطبيق السياسات الليبرالية الجديدة، التي ستلغي الدعم تدريجيًا".
وأضاف: "إن قرار رفع أسعار الوقود سينعكس بالضرورة على زيادة أسعار جميع السلع، مما سيتسبب في تآكل الطبقة الوسطى في ظل تدني الأجور، وعدم وجود رقابة على الأسعار".
وحذر من "اندلاع حالة اقتتال داخلي وحرب أهلية بين المواطنين"، متهما "الحكومة بوضع الشعب في مواجهة بعضه، حيث اضطر سائقو المواصلات العامة إلى زيادة تعريفة الركوب بعد ارتفاع أسعار الوقود، مما تسبب في اندلاع اشتباكات ومشادات بين السائقين والركاب".
كما انتقد كمال ما وصفه بـ"تزاوج السلطة ورأس المال"، وهو ما بدا واضحا في قرار الحكومة برفع بنزين 95 بنسبة 7 في المائة فقط، وهو الخاص بالسيارات الفارهة، في الوقت الذي تم فيه رفع أسعار الغاز والسولار وبنزين 80 بنسبة تصل إلى 78 في المائة.
وعزز وجهة نظره قائلاً:"قرارات الحكومة يدفع ثمنها الفقراء دائما، في حين تحرص السلطة الحالية على إرضاء الأغنياء ورجال الأعمال"، مشيرا إلى أن هذه الإجراءات من شأنها أن تؤدي إلى اندلاع موجة جديدة لثورة 25 يناير، احتجاجا على سوء الأوضاع الاقتصادية، وتصاعد القبضة الأمنية".
وكشف كمال عن مباحثات تجريها مجموعة من الحركات الاحتجاجية للوقوف على آليات لاحتواء موجة الغضب المتوقعة، وتوظيفها بشكل إيجابي بما يصب في صالح ثورة 25 يناير.
من جانبها، اتهمت جبهة طريق الثورة، "ثوار"، السلطة الحاكمة، في بيان أصدرته، أمس السبت، بـ"امتصاص دماء الفقراء"، وقالت: "لم تقدم الحكومة للمواطن خدمات، ولم ترفع الرواتب، ورفعت أسعار الكهرباء على المواطن".
وتابعت: "لن ترتفع قيمة تعريفة الركوب فقط، لكن كل شيء سيصيبه الغلاء؛ فنظام السيسي لا يفهم معاناة الشعب، ويتحالف مع رجال الأعمال والفنانين ولاعبي الكرة".
انقلاب مؤيدي "السيسي"
وفي احتجاج، يعد الأول من نوعه منذ تولي قائد الجيش السابق، السيسي، رئاسة الجمهورية، أعلنت الجمعية الوطنية للتغيير، المؤيدة للانقلاب، إحدى قوى تحالف 30 يونيو/حزيران الماضي، رفضها التام والقاطع قرار الحكومة برفع أسعار المواد البترولية والكهرباء والغاز، "الذي سيترتب عليه زيادات كبيرة في أسعار جميع المواد الأساسية، في ظل غياب رقابة الحكومة على الأسواق"، حسب ما ورد في بيان لها.
وحذرت الجمعية، من خطورة اتجاه الحكومة لتحميل عجز الموازنة للطبقات الفقيرة مما يشكل ضربة قاضية لفرص تحقيق العدالة الاجتماعية، ويزيد من مخاطر وقوع انفجارات اجتماعية وثورة جوعى.
ويقول نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وحيد عبد المجيد، لـ"العربي الجديد": "إن أهم دلالات قرارات رفع الدعم هو انحياز الحكومة للأغنياء على حساب الفقراء، الأمر الذي سيؤدي إلى تفاقم أزمات المجتمع، لتحميل الفقراء والأكثر احتياجًا أعباء أكبر من طاقتهم".
وأشار عبد المجيد إلى بدائل عدة لعدم تحميل آثار عجز الموازنة للفقراء، منها فرض ضرائب تصاعدية على الأرباح الرأسمالية لجميع السلع والخدمات، ومواجهة الاحتكار وهيمنة المئات من رجال الأعمال على السوق المصرية، أو رفع أسعار المشتقات النفطية بشكل انتقالي، برفع البنزين ذي الفئات الأعلى، دون السولار، والذي زاد بأعلى نسبة رغم تأثيره الكبير على احتياجات الفقراء.
وأكد أن العقلية التي تحكم مصر لم تتغير مع تعاقب الرؤساء والحكومات، فمواجهة الأزمات تتم بالسياسات القديمة نفسها، التي لا تحقق إصلاحاً بقدر ما تصنع أزمة.
مظاهرة أمام الاتحادية
وفي تحرك جماهيري ضد قرارات الحكومة، نظم العشرات من سائقي سيارات الأجرة في مصر، "التاكسي الأبيض"، مظاهرة احتجاجية أمام قصر الاتحادية الرئاسي، في حي مصر الجديدة (شرقي القاهرة)، أمس السبت، اعتراضًا على رفع الحكومة أسعار المحروقات بنسب كبيرة خلال الساعات الماضية.
وقطع السائقون طريق "المرغني" الرئيسي المؤدي إلى القصر الرئاسي، بسياراتهم الأجرة، مما أسفر عن وقوع العديد من المشاجرات والمشاحنات بين السائقين وركاب السيارات الخاصة.
واشتعلت معارك في عدة أحياء في العاصمة المصرية القاهرة ومختلف المحافظات، بين سائقي الأجرة والركاب، حول الزيادة الكبيرة في أجرة المواصلات.
الحكومة تبرر
وحاولت الحكومة المصرية مواجهة الأزمة العاصفة بحملة تبريرات بدأها رئيس الوزراء، الذي أكد أن رفع أسعار الطاقة والمحروقات إجراء ضروري لإصلاح الاقتصاد، الذي تضرر بسبب الاضطرابات المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، مشيراً الى أن الدولة في حالة حرب ضد الفقر والجهل، وهذه الأموال التي سيتم توفيرها من خفض الدعم، ستذهب الى قطاعي التعليم والصحة.
وزعم محلب أن الحكومة قامت بتثبيت أسعار السلع والسيطرة عليها، وقال إن "أسعار بعض السلع انخفضت بالفعل، والحكومة كانت تضع نصب عينيها كيفية امتصاص موجة الاستغلال الأولى لرفع الأسعار".
أما وزير البترول والثروة المعدنية، شريف إسماعيل، فأوضح، أمس، أن زيادة أسعار الوقود تعود بصفة أساسية إلى عجز الموازنة العامة والعمل على تخفيضه ليكون في حدود آمنة.
وأكد أنه على الرغم من الزيادات الأخيرة، ما زالت أسعار البنزين 92 في مصر أقل كثيراً من بعض دول العالم، مثل السودان وتونس والأردن والمغرب ومالي والسنغال وتركيا وروسيا، وأن مصر تأتي، بعد فنزويلا والسعودية وإيران، كرابع دولة بالنسبة إلى أرخص سعر للسولار.
وأكد الرئيس التنفيذي لهيئة البترول، طارق الملا، أن هناك رقابة حالياً على محطات التموين بالتعاون مع الجهات المختصة، وأنه يتم ضخ كميات كبيرة من المنتجات البترولية متمثلة فى 20 ألف طن بنزين و40 ألف طن سولار يومياً، وأن معدلات الإنتاج منتظمة بمعامل التكرير، وأن الكميات التي يتم استيرادها لاستكمال احتياجات السوق المحلية من البنزين والسولار مستمرة وفقاً لبرامج الاستيراد.