بغداد – أكثم سيف الدين، سلام الجاف
أثار نفوق مئات الأطنان من الأسماك في أهوار العراق (جنوب)، والغموض الذي رافق عمليات التحقيق في أسبابها، مخاوف من عمليات استهداف منظمة يتعرض لها الاقتصاد العراقي، الذي يحاول أن ينهض في وجه أزمة مالية خطيرة تعصف بالبلاد، في ظل مساع حكومية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال بعض المشاريع الزراعية والثروة الحيوانية.
ويندرج تسميم الأهوار، ضمن مسلسل تكرر في الأعوام السابقة استهدف الثروة السمكية، وتسبب في نفوق آلاف الأطنان حينها، فضلا عن استهداف محصولي الحنطة والشعير، بعمليات حرق منظمة، بعدما أعلنت الحكومة العراقية وقتها تحقيق اكتفاء ذاتي فيه.
ويعدّ هور الدلمج، الواقع بين محافظتي القادسية وواسط (جنوب) من أكبر تلك الأهوار التي استهدفت بالتسميم، ويضم نوعيات نادرة من الأسماك، منها البني والمخيط، وغيرها، وقد شكلت وزارة الزراعة العراقية لجنة تحقيقية للوقوف على أسباب نفوق الأسماك.
ووفقا لمسؤول عراقي مطلع على سير التحقيقات الجارية في الملف، فإن "النتائج الأولية التي استندت على تحليلات مخبرية للأسماك النافقة، أثبتت أن التسمم ناجم عن مادة دخيلة في بيئة الأسماك ذاتها داخل الأهوار، بمعنى أن هناك طرفا متسببا وليس ناجما عن خلل أو مشكلة بيئية".
وأوضح المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن "التحقيقات مازالت جارية لمعرفة تفاصيل أكثر والتوصل إلى أدلة وقرائن".
ولمّح إلى وجود جهات مستفيدة من ذلك، أبرزها أذرع التجارة المفتوحة مع إيران التي تراجع استيراد السمك منها إلى العراق بفعل تنامي الثروة السمكية وتحقيق اكتفاء شبه ذاتي منها في العراق".
وأشار إلى أن "الحكومة تتابع مجريات التحقيق، وأن محققين سيصلون من بغداد للمشاركة وللاطلاع على التفاصيل أولا بأول وإعلام الحكومة بالنتائج".
لجنة الزراعة البرلمانية أكدت أن استهداف الثروة السمكية، يأتي ردّا على سعي العراق إلى تحقيق اكتفاء ذاتي منها، وأن جهات إقليمية تقف وراءها.
وقال عضو اللجنة، النائب علي البديري، لـ"العربي الجديد"، إن "نتائج التحقيق أثبتت أن السم حدث بفعل فاعل، لكن للأسف لم يتم حتى الآن، تحديد الجهة التي نفذته"، مؤكدا أن "الغرض من تسميم مياه الأهوار، هو ضرب الاقتصاد العراقي، وقد لاحظنا أخيرا أنه كلما يتم الإعلان عن اكتفاء ذاتي في أي مشروع نباتي أو حيواني، تقابله هجمة ضد المنتج".
وشدد، أن "الهجمة على الاقتصاد العراقي وخاصة الزراعة مرتبطة بدول كانت تحقق أرقاما قياسية من صادراتها للعراق، وهي دول جوار تعتمد على السوق العراقية باستهلاك منتوجاتها"، مشيرا إلى أن "هناك أهدافا في الخفاء لتلك الدول، وأن أي تطور اقتصادي عراقي يضر بمصالحها، لذا فهي تسعى لضرب المنتوج المحلي العراقي، وقد حولت العراق أيضا سوقا لإدخال البضائع منتهية الصلاحية".
اللجنة المالية البرلمانية حمّلت الحكومة المسؤولية من جراء تلك العمليات، مطالبة إياها باتخاذ إجراءات صارمة لحماية المشاريع الاقتصادية العراقية.
عضو اللجنة، النائب جمال كوجر، لم يستبعد أن يكون نفوق الأسماك بفعل متعمد، لا سيما وأن الحدود مفتوحة. وقال كوجر لـ"العربي الجديد"، "هناك دول لا تريد للدولة العراقية أن تكون لها مواردها واكتفاؤها الذاتي. هم يحاولون أن يبقى العراق سوقا مفتوحا لها، وتريدها أن يكون دولة ضعيفة اقتصاديا ومعتمدة بشكل كامل على الدول الأخرى".
وانتقد ضعف الإجراءات القانونية التي "يفترض على الحكومة أن تتخذها إزاء أي استهداف لموارد العراق"، محملا الحكومة مسؤولية ذلك "لو كانت هناك إجراءات صارمة لحماية المشاريع الاقتصادية العراقية لما تعرضت الأسماك إلى ذلك".
خبراء في الشأن الاقتصادي العراقي، أكدوا أن استهداف الاقتصاد تجاوز حدود الكم، وبدأ مرحلة استهداف النوع، من خلال حملته الجديدة على الأهوار.
وقال الخبير الاقتصادي باسم جميل انطوان، لـ"العربي الجديد"، "المشكلة مع تسميم الأهوار، أكبر من الخسائر الاقتصادية التي يتعرض لها البلد، إذ أننا بدأنا نفقد أنواعا معينة ونادرة من الأسماك، وهي لا توجد إلا في تلك الأهوار، فهو استهداف نوعي وليس فقط استهدافا كمّيا، وأن أسماك الأهوار لها نكهة خاصة، تختلف عن غيرها من الأسماك الأخرى".
وحمّل الحكومة جزءا من المسؤولية، بسبب سوء الإدارة للمشاريع وانتشار الفساد وغير ذلك، وعدم تنفيذ الخطط الوقائية لحماية الثروة السمكية، مشيرا إلى أن "العراق محط أطماع كثير من الدول، التي اعتادت على استهداف العراق والعيش على مشاكله واستهداف قطاعة الإنتاجي ومن ثم شلل الاقتصاد العراقي".