تسليع الأرواح: سوق الصحة العبثية في مصر

18 مايو 2015
تحولت الطبابة إلى سوق اقتصادية عبثية في مصر(وكالة الأناضول)
+ الخط -
يطُل علينا من شاشة التلفاز عشرات الأطباء المُنمقين يومياً، عبر برامج حوارية تقدمها قنوات فضائية مصرية. يستعرضون نجاحهم الباهر في إجراء عمليات التجميل في محاولة لجرّ المواطنين نحو مراكز التجميل التي تصورها البرامج بأنها البوابة السحرية للجمال والرشاقة.

الصدقية والثقة اللتان تراهن عليهما القنوات الفضائية في جذب المشاهدين، حولتها برامج التجميل إلى سلعة تجارية بحتة. كما حولت الطبابة إلى سوق اقتصادية عبثية خارجة عن أي رقابة أو محاسبة. فبعد أن أدرك أصحاب مراكز التجميل والقائمين على إدارة القنوات الفضائية أن الإعلانات المُباشرة لم تفلح في إزالة شكوك المواطن إزاء سلامة ودقة عمليات التجميل بعدما أودت بحياة الكثيرين، لجأت هذه المراكز إلى الترويج لنفسها عبر برامج حوارية مدفوعة الأجر.

المسألة الآن تجاوزت مجرد استشارة الطبيب على الهواء، بل باتت تسخير البرامج أدواتها للترويج للطبيب ومركزه الطبي باستعراض التقنيات التكنولوجية التي تضمن تحقيق نتائج مذهلة. وحتى تكتمل الحَبكة الدرامية، تُفسح البرامج المجال لتقديم الطبيب حالات تتحدث عن الفارق الهائل الذي أحدثته العمليات بفضل براعة الطبيب. إلا أن المفارقة العجيبة أنه سبق أن تحدثت الحالات نفسها عن براعة أطباء آخرين في برامج حوارية وكذلك إعلانات مباشرة!

لا يمكن النظر إلى هذه المُشكلة باعتبارها إحدى الخدع التي تبّرعت بأدائها القنوات الفضائية من الحين للآخر لتزييف وعي المواطن إزاء القضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بل هي مُتاجرة صريحة بأرواح البشر تحركها حفنة أموال أعمت مُقدمي البرامج عن القيام بأبسط واجباتهم التي تقتضي إلقاء الضوء على أبرز المخاطر التي تحيط بعمليات التجميل، وطرح التساؤلات المشروعة حول مؤهلات المراكز الطبية بشرياً وتكنولوجياً حتى تستطيع تقديم خدمات آمنة للمواطن.

وفي أغلب الظن لن تنجح ذاكرة السمكة في أن تُنسينا ضحايا مراكز التجميل، التي كان آخرها وفاة سيدة ليبية في مركز شهير في القاهرة خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي، ثم لحقتها إصابة سيدة مصرية أخرى بآثار حادة في الأمعاء خلال إجراء عملية شفط دهون في أبريل/نيسان الماضي، وهي ذات العملية التي سبق أن أودت بحياة الفنانة المصرية سعاد نصر منذ عدة سنوات.

لعل هذا العبث بأرواح المواطنين يقتضي تحرك الدولة حتى توقف نزيف الأرواح والتشوهات التي تهدد مواطنيها. وفي أغلب الظن أيضاً أنه لن يكون هناك حُجة للحكومة في التراخي إزاء فتح هذا الملف بدعوى التدخل في عمل الإعلام، خاصة أنها لم تخف جهداً على مدار عام كامل في التأكيد على ضرورة إعادة هيكلة المحتوى الإعلامي حتي يتناسب مع حجم التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجهها مصر.

معالي وزير الصحة، وأنت تجلس على مقعدك الآن، يُمكنك أن تُخصص من وقتك الثمين ساعة واحدة لتُلقي نظرة على محتوى برامج التجميل والأعشاب الطبية حتى تُدرك حجم المأساة التي تضرب بيوت المصريين، وحتى تعلم مدى الحاجة لإصدار قوانين تضع شروطاً حاسمة للحصول على موافقات افتتاح مراكز التجميل وتسمح بالتفتيش للتأكد من مُطابقتها للمعايير حفاظاً على أرواح أهالينا. لعلك حين تدرك أبعاد الأزمة تحرك ساكناً حيال المتاجرة بأرواحنا.
(صحافي مصري)

إقرأ أيضا: الليبيون يعودون إلى زمن غابر
المساهمون