تسليح المستوطنين: خطوة نحو دولة قتلة مرخّصين في الضفة

28 نوفمبر 2014
ارتفاع نسبة شراء الأسلحة لدى الإسرائيليين (غالي تيبون/فرانس برس)
+ الخط -
جاء قرار وزير الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال، يتسحاق أهرونوفيتش، بتسهيل وزيادة تسليح المستوطنين، كإعلان من الحكومة إطلاق موسم "القتلة المرخصين" فعليّاً، ومنحهم غطاء قانونيّاً لقتل أي فلسطيني لمجرد الاشتباه به، أو حتى من دون ذلك.

القرار الذي يشمل منح تسهيلات أكثر للإسرائيليين بشكل عام، وخصوصاً المستوطنين في القدس الشرقية والضفة الغربية، أثار المخاوف بشكل كبير، إذ ترى أوساط من المحللين السياسيين أن هذه الخطوة تأتي من باب تأسيس دولة المستوطنين في الضفة الغربية، فيما تقرع المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والإسرائيلية أجراس الإنذار محذّرة من أن المرحلة المقبلة ستشهد مآسي كثيرة وجرائم كبيرة في حق الفلسطينيين.

فبعد أقل من أسبوع على قرار أهرونوفيتش "تسهيل وزيادة تسليح الجمهور الإسرائيلي"، وتحديداً في القدس، ارتفع عدد الإسرائيليين المقبلين على شراء الأسلحة عشرة أضعاف مقارنة بالإقبال الطبيعي، كما يكشف الخبير في المجتمع الإسرائيلي عادل شديد لـ"العربي الجديد".

تراخٍ فلسطيني

قرار تسهيل وزيادة تسليح الإسرائيليين لا سيما المستوطنين منهم، لم يكن مفاجئاً للفلسطينيين، الذين اعتادوا على رؤية المستوطنين في الشوارع الرئيسية بين المدن، أو خلال اعتداءاتهم اليومية على القرى والبلدات الفلسطينية، مسلّحين بأكثر الأسلحة الرشاشة تطوراً، لكن المفاجأة الحقيقية كانت في عدم وجود رد رسمي للسلطة الفلسطينية حيال هذا القرار المخيف الذي سيترك 2,8 مليون فلسطيني مكشوفي الظهر أمام 750 ألف مستوطن، سيكون ثلثاهم مسلّحين على الأقل.

مخاوف المواطنين الفلسطينيين من موسم "القتلة المرخصين" له ما يبرره على الأرض، وهو ما يرجّح الأمور للانفجار أكثر في القدس والضفة الغربية، وفق ما يرى أكثر من مراقب ومحلل سياسي.

ولعل اللافت أن رد الفعل الرسمي الفلسطيني كان متراخياً إن لم يكن غائباً عن هذا القرار.

ويقول مصدر فلسطيني رسمي فضّل عدم ذكر اسمه لـ"العربي الجديد"، إن "ما تمر به القيادة الفلسطينية من ضغوط بالغة جعل هذا القرار يغيب عن الأولويات"، موضحاً أن "اللجنة التنفيذية والسياسية تناقش قضايا بالغة التعقيد استحوذت على "الأجندة"، مثل قرار المشروع الفلسطيني العربي لإنهاء الاحتلال والذي يصطدم بعثرات كبيرة، والانقسام بين حركتَي "فتح" و"حماس"، والضغوط الأميركية للعودة إلى المفاوضات مع إسرائيل، وإعادة إعمار قطاع غزة، إذ تتلكأ الدول المانحة في إرسال التزاماتها المالية، وكل هذه الأمور استحوذت على القيادة الفلسطينية".

ويصف عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، توفيق الطيراوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، الأمر بـ"الخطير والذي يمكن أن يجرّنا إلى موجة عنف لا أحد يعرف إلى أين ستأخذنا، أو متى ستتوقف".

ويرى أن "المطلوب حاليّاً هو عمل لجان حراسة في القرى والبلدات الفلسطينية التي استولى المستوطنون على أراضيها وأقاموا مستوطناتهم عليها".

وفي حين يسيطر المستوطنون على نحو 60 في المائة من أراضي الضفة الغربية، ويعيشون في مجتمعات عسكرية أو شبه عسكرية، ومدربون على استخدام الأسلحة على أنواعها، تمنع السلطة الفلسطينية وقوات الاحتلال المواطن الفلسطيني من حيازة أي سلاح، إذ أن السلطة تعتبر أي سلاح خارج أجهزتها الأمنية هو سلاح غير شرعي، يؤدي بصاحبه إلى سجونها بأحكام مشدّدة.

ومنذ عام 2005، حين تم تفكيك كتائب "شهداء الأقصى" بشكل رسمي من السلطة الفلسطينية، تم حظر استخدام السلاح، وبات حمله يُعتبر تهمة، على الرغم من أن الأسلحة لم تختفِ تماماً، لا سيما في المخيمات الفلسطينية، إلا أن أسعارها باتت خيالية وتصل إلى خمسة أضعاف سعرها الحقيقي، فضلاً عن اقتنائها بشكل سري، في ظل ملاحقة السلطة الفلسطينية تجار السلاح وأصحابه ومصادرتها كل ما يصل إلى يدها من سلاح أو رصاص.

وفي مفارقة ساخرة يقول لـ"العربي الجديد" أحد ناشطي حركة "فتح"، وهو أسير محرَّر يعيش في مخيم للاجئين قرب نابلس، فضّل عدم ذكر اسمه، إن "أي مخيم للاجئين قرب نابلس، يمكن العثور فيه على الكثير من "الحشيشة" التي تغضّ السلطة النظر عن انتشارها بين الشبان والمراهقين، بينما بالكاد توجد قطعة سلاح أو اثنتين وبعض الرصاص في المخيم".

ومع ملاحقة السلطة الفلسطينية عبر التنسيق الأمني، وجيش الاحتلال، أي فلسطيني يخطط أو يقاوم الاحتلال، ونجاحهما في تفكيك أي عمل منظّم ضد الاحتلال وحرق أي أرضية للمقاومة، بات الخيار الأخير أمام الفلسطيني هو المقاومة المنفردة التي أصبحت تشكّل حالة في القدس والضفة الغربية، عبر الخطف والدهس والطعن.

في المقابل، تشهد المستوطنات الإسرائيلية نمواً بشكل مطّرد لمجموعات متطرفة من المستوطنين، الذين باتوا يقومون باعتداءات يومية على الفلسطينيين، وتخريب لممتلكاتهم مستهدفين الرموز الفلسطينية والدينية من أشجار الزيتون والمساجد، وليس انتهاء بالبشر من ضرب وتنكيل وإطلاق نار.

القاسم المشترك الأكبر بين المتطرفين اليهود في الضفة الغربية، هو أنهم الجيل الثالث من المستوطنين الذي وُلدوا في المستوطنات المقامة على أراضي قرى وبلدات ومدن فلسطينية، وهم أبناء الجيل الثاني الذي حرّضه رئيس الحكومة الأسبق المتطرف، أرييل شارون، على استيطان التلال الفلسطينية.

ويمتاز هؤلاء بالتطرف والعداء حتى إزاء السلطات الإسرائيلية، وزاد من عمق هذا العداء إخلاء هذه السلطات للمستوطنين من قطاع غزة عام 2005، وباتوا أكثر تمترساً وعداءً لـ"لدولتهم"، التي يعتبرونها متساهلة مع الفلسطينيين وتدير حواراً مع قادتهم.

وتشكّل مستوطناتهم حالة من الاكتفاء الذاتي، إذ توجد فيها مصانع ومشاغل ومدارس وشبكات مواصلات، بشكل يجعلها قادرة على العيش بعيدة عن دولة الاحتلال، فيما يتم تقديم خدمات البنية التحتية والمواصلات لأكثر من كتلة استيطانية عبر هيئة بلدية واحدة، في عمل منظم أنفقت عليه حكومة الاحتلال ملايين الدولارات.

ويشير الخبراء في المجتمع الإسرائيلي إلى أن المتطرفين يسيطرون على مفاصل الدولة، ويشغل عدد من قادتهم مناصب عليا في الكنيست والحكومة الإسرائيلية، كوزارة الإسكان. كما يعيش 22 عضو كنيست في المستوطنات، فضلاً عن أن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن واحداً من كل ثلاثة في جهاز "الشاباك" ينتمي إلى هؤلاء المتطرفين، وهم أيضاً منتشرون في الأحزاب اليمينية الإسرائيلية، إذ لا يتركزون في حزب واحد بل في أكثر من حزب في محاولة لتوسيع دائرة تأثيرهم.

وتعكس "شبيبة التلال" حال هؤلاء المتطرفين، وهي مجموعة من المستوطنين المتطرفين الذين يمارسون عمليات "تدفيع الثمن"، التي تهدف إلى الاعتداء على الفلسطينيين وتخريب ممتلكاتهم، والاستيلاء على مزيد من الأراضي لصالح المستوطنات.

ويشير مسؤول في المؤسسة الحقوقية الإسرائيلية "بيتسيلم" في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن هناك مئة بؤرة استيطانية غير مُعترف بها من الحكومة الإسرائيلية، أقامها متطرفون يهود على الأراضي الفلسطينية.

كما تكشف تقديرات أن عدد المسلّحين المدربين من "شبيبة التلال" والذين يشكّلون خطراً مباشراً ونفذوا اعتداءات على الفلسطينيين، يتجاوز 800 متطرف، ينتشرون في مستوطنات القدس والضفة الغربية. ويُعرف هؤلاء بتلقيهم تدريباً عقائديّاً وعسكريّاً مكثفاً، ينطلق من عدائهم الشديد للفلسطينيين، لدرجة أنهم يُبدون صلابة خلال تحقيق "الشاباك" معهم حول اعتداءاتهم على الفلسطينيين.

وعادة ما يوزع هؤلاء كتيّبات حول "الصمود" خلال التحقيق أمام "الشاباك" الإسرائيلي إذا ما تم اعتقالهم، وتتراوح أعمارهم ما بين 12 إلى 60 عاماً.

كل ما سبق يجعل المخاوف الفلسطينية تنمو بشكل يومي، ويربط الكاتب والمحلل السياسي، عبد المجيد سويلم، في حديث لـ"العربي الجديد" بين خطوة تطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنات وما يجري حاليّاً، معتبراً أنه مقدمة لانسحاب أحادي الجانب من الاحتلال، سيترك 40 في المائة من الضفة الغربية عبارة عن جزر متفرقة تسيطر عليها السلطة الفلسطينية وهي مناطق منزوعة السلاح، مقابل 60 في المائة بيد المستوطنين، ما يُعتبر لبنة أساسية في تأسيس دولة المستوطنين في الضفة الغربية، والذين تشير إحصاءات إلى أن عددهم يبلغ 600 ألف منهم 200 ألف في القدس.

وبما أن المستوطنات هي مجتمعات عسكرية بالدرجة الأولى أو "مجتمع عسكري بلباس مدني" على حد تعبير الخبير في الشؤون الإسرائيلية عادل شديد، يرى الأخير أن "كل إسرائيلي ومستوطن هو قاتل مرخص، كما تريده الحكومة". ويقول شديد لـ"العربي الجديد" هذا القرار بتسهيل وزيادة التسليح، بمثابة دعوة إلى القتل في مجتمع هو عسكري في الأساس، كما أن هذا القرار يقوم على إلغاء القضاء الإسرائيلي، وإنهاء السلطة المخوّلة بالمحاكمات حتى لو كانت غير عادلة.

ويضيف: "بحسب المؤسسات الحقوقية الإسرائيلية، فإن 96 في المائة من شكاوى الفلسطينيين ضد اعتداءات المستوطنين ألقيت بسلال النفايات، وهذا يعكس قناعة إسرائيلية بأن الفلسطيني لا يفهم إلا لغة القوة، وهي وحدها القادرة على ردعه". ويرى كريم جبران، وهو أحد العاملين في مؤسسة "بيتسيلم"، أن تساهل الحكومة الإسرائيلية مع المستوطنين لفترات طويلة، خلق ثقافة الاعتداء وفرض الأمر الواقع، إذ ينفذ هؤلاء اعتداءاتهم تحت سمع وبصر الجيش الإسرائيلي.

التاريخ يعيد نفسه

يعيش الفلسطيني مقاربة تاريخية لا يستطيع الفكاك منها، فالوضع الراهن بشكل أو بآخر يشبه ما كان عليه في عشرينيات القرن الماضي إبان الانتداب البريطاني وتحديداً في عام 1929، والذي مهّد للثورة الفلسطينية عام 1936. في ذلك الحين، كانت سلطات الانتداب البريطاني تمنع الفلسطيني من حيازة السلاح، ويصل حكم من يحمل السلاح إلى الإعدام، وفي ذات الوقت ازدهرت العصابات الإسرائيلية وازدادت شراسة في مهاجمة الفلسطينيين والأهداف البريطانية أيضاً.

ووصل العداء بين الفلسطينيين واليهود في ذلك الوقت الى حده الأقصى، كما هو اليوم، وما العمليات الفردية وحالة الاحتقان الشديدة التي يعيشها الفلسطينيون إلا دليل على ذلك، وفي المقابل تأتي العمليات الإرهابية الإسرائيلية والاعتداءات اليومية لتكمل الصورة.

ويرى "منسّق شباب ضد الاستيطان" في محافظة الخليل جنوب الضفة الغربية عيسى عمرو، أن "القرار الإسرائيلي بالتسليح وشرعنة سلاح المستوطنين، يجسّد معادلة خطيرة جداً قائمة على نزع السلاح من الفلسطينيين وحتى السلاح الأبيض، في المقابل هناك تسليح متطور للمستوطنين، ما يعني بقاء الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية تحت رحمتهم".

ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذا الأمر "سيعطي لاحقاً ضوءاً أخضر للمستوطنين للقيام بمجازر ضد الفلسطينيين، وتحديداً في القرى التي تم بناء المستوطنات على أراضيها، عبر تشكيل عصابات إرهابية مسلّحة على نمط العصابات التي كانت موجودة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، وستكون مهمتها الواضحة ترحيل الفلسطينيين من المناطق المصنفة "ج" حسب أوسلو والتي تبلغ نحو 62 في المائة من أراضي الضفة الغربية، وفق ما قال زعيم البيت اليهودي نفتالي بينت".

ويؤكد عمرو "أن حكومة الاحتلال ستستعين بالمستوطنين بشكل رسمي على منوال جيش الاحتلال وحرس الحدود لقمع الفلسطينيين، فهي عبر "شرعنة السلاح" أعطتهم صفة قانونية شرعية لإدارة الضفة الغربية لاحقاً".