كشفت رسائل إلكترونية جديدة مسربة، أن مستشارين مقربين للرئيس الأميركي دونالد ترامب، كانوا على استعداد لتبادل معلومات حول تعيينات للحكومة الأميركية مع يوسف العتيبة، سفير الإمارات في واشنطن، بحسب ما ذكر موقع "ميدل إيست آي" اليوم الخميس.
وبحسب الموقع، فإن هذه الرسائل ستكون ذات فائدة كبيرة لروبرت مولر، المحقق الخاص في التدخل الروسي المحتمل في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016، والذي تشعب تحقيقه إلى ملفات عدة، منها التحقيق في ما إذا كانت السعودية والإمارات قد ساهمتا في تمويل حملة ترامب الرئاسية.
وبيّنت الرسائل المسربة أيضاً أن مستشاري ترامب وعدوا العتيبة بأنهم سيضعون مصالح دولته في قلب سياسة الإدارة الأميركية الجديدة المتعلقة بالشرق الأوسط، وأن العلاقة بين الإماراتيين والدائرة المقربة من ترامب قد نسجت في وقت أبكر مما كان يعتقد.
وفي تفاصيل البريد الإلكتروني المُسرّب، وهو عبارة عن رسائل متبادلة بين العتيبة وتوم براك، الصديق القديم لترامب والملياردير المساهم في جمع التبرعات لحملته، فإن براك عرض أن يأتي بترامب، حين كان لا يزال مرشحاً للرئاسة الأميركية، للقاء العتيبة وتناول القهوة معه في نيسان/إبريل 2016. كما تكشف الرسائل الجديدة كيف تمّ تعديل برنامج الحزب الجمهوري الأميركي لعام 2016، لكي لا يتضمن الدعوة إلى نشر الصفحات الـ28 حول التحقيق الأميركي في أحداث 11 سبتمبر، وكيف حاول العتيبة الحصول على معلومات من توم براك حول تعيينات المناصب العليا التي كان ينوي ترامب القيام بها، خلال الفترة التي كان لا يزال فيها رئيساً منتخباً.
وبحسب "ميدل إيست آي"، فإن القسم الأهم من الرسائل الجديدة المسرّبة قد تمّ تبادله بين العتيبة وتوم براك حين كان ترامب لا يزال مرشحاً للرئاسة، وقبل ستة أشهر على الأقل من اللقاء في "برج ترامب" في نيويورك بين ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وكلٍّ من مايكل فلين، مستشار الأمن القومي السابق لترامب، وجاريد كوشنر، صهره، وستيف بانون، وهو اللقاء الذي كانت صحيفة "واشنطن بوست" قد كشفت عنه سابقاً.
وكان موقع "ميدل إيست آي" قد كشف في وقت سابق أن بن زايد، "متحسسٌ" جداً من تحقيق مولر، لدرجة أنه ألغى زيارة كانت مقررة له إلى واشنطن الشهر الماضي، بعدما طالب بضمانة مكتوبة أنه لن يتمّ توقيفه أو توقيف أحد من المرافقين له خلال الزيارة بهدف استجوابهم في إطار هذا التحقيق.
كيف تطورت العلاقة؟
بدأ التواصل بين توم براك والعتيبة في عام 2009، بشأن صفقة حول عقار في ولاية كاليفورنيا، لكنها "ازدهرت"، بحسب وصف "ميدل إيست آي"، خلال الفترة التي كان فيها دونالد ترامب مرشحاً للرئاسة الأميركية في عام 2016، وهي الفترة التي عرض فيها براك أن يُعرّف العتيبة إليه.
وكتب توم براك لسفير الإمارات في واشنطن في 26 نيسان/إبريل 2016: "سأكون سعيداً للقائك إذا كنتَ مهتماً". وأجاب العتيبة، الذي كان في أبوظبي حين تلقى الرسالة، بالقول إن "الارتباك حول ترامب كبير جداً، بسبب مقترحه بحظر دخول المسلمين". لكن براك أصرّ على أن المرشح الرئاسي الجمهوري (أي ترامب) ليس معادياً للإسلام، وبالإمكان "دفعه إلى التأني، فهو يحتاج إلى القليل من العقول العربية الذكية حقاً، للتواصل معها، وأنت (أي العتيبة) على رأس هذه اللائحة".
وطوال فترة تواصل الرجلين عبر البريد الإلكتروني، واظب توم براك، وهو ابن عائلة لبنانية مهاجرة إلى الولايات المتحدة، ويجيد اللغة العربية، على استخدام مصطلح "أجندتنا" و"منطقتنا"، عارضاً على العتيبة أن يعرفه بجاريد كوشنر قائلاً له: "سوف تحبه، وهو يتفق مع أجندتنا".
من جهته، كان العتيبة متحمساً لتقديم المقربين من ترامب إلى الإماراتيين، بدءاً من طحنون بن زايد، شقيق ولي عهد أبوظبي، ومستشاره للأمن الوطني. وأجاب باراك في 26 مايو/أيار 2016: "يوسف، قد يكون هذا الأمر أفضل شيء من الممكن أن نقوم به. أعدك أنه سيكون بمقدورنا فعل الكثير، إذاً أنت وسموّه منحتماني ساعة من الوقت مع الرجل".
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، تمّ حذف جزء من برنامج الحزب الجمهوري لعام 2016، يعتبر محرجاً للحكومة السعودية، ويدعو إلى نشر 28 صفحة من الوثائق التي تمّ جمعها خلال التحقيقات في أحداث 11 سبتمبر 2001 الإرهابية في الولايات المتحدة، والتي تتضمن تورطاً لأعضاء من العائلة المالكة السعودية في تمويل المهاجمين.
وبعد أسبوع على فوز ترامب بالرئاسة، سأل العتيبة توم براك حول "أي ترشيحات ممكنة" قد يقوم بها الرئيس الأميركي الجديد في ما خصّ المناصب المهمة في وزارتي الدفاع والخارجية، وفي وكالة "سي آي إيه".
محمد بن سلمان
وفي 16 نوفمبر/تشرين الثاني، كتب العتيبة لتوم براك: "إذا كان لديك أي معلومات حول مناصب تتعلق بوزارة الخارجية، وزارة الدفاع، سي آي إيه، ومستشارية الأمن القومي، سأكون ممتناً. سأنقل المعلومات فقط لرؤسائي. أي مؤشرات ستكون موضوع تقدير إذا أمكنني الإطلاع عليها".
وأجاب براك على هذه الرسالة: "لدي معلومات، ونحن نعمل على الترشيحات، وأنا أضع مصلحتنا في المنطقة في أعلى اعتبار. عندما تسمح لك الفرصة، لنتكلم عبر الهاتف".
وبعد خمسة أيام، سعى سفير الإمارات لدى واشنطن، لتعيين فران تاوسند، مستشارة جورج دبليو بوش للأمن الداخلي ومحاربة الإرهاب، مديرة للاستخبارات الوطنية في إدارة ترامب.
وفي هذا الإطار، كتب العتيبة لتوم براك: "لقد التقيت بها ليلة أمس، وعلى الفور تنبهت إلى أنها ستكون ذات فائدة كبيرة لك. ستكون مديرة ممتازة للاستخبارات الوطنية، أو لوزارة الأمن الداخلي".
وفي مايو/أيار 2017، أكدت تاوسند أنها من ضمن لائحة الأسماء المطروحة لإدارة وكالة "إف بي آي" بعد طرد جيمس كومي.
وتمّ استجواب توم براك من قبل فريق روبرت مولر في ديسمبر/كانون الثاني الماضي، حين سئل بشكل أساسي حول بول مانافورت، الذي رشحه ليكون مدير حملة ترامب، والذي وجه إليه تحقيق مولر التهم رسمياً بمحاولة الضغط على الشهود.
وفي يوليو/تموز 2016، بعد شهر واحد على تسلمه إدارة حملة ترامب، بعث مانافورت برسالة إلكترونية إلى توم براك كانت قد وصلته من مصدر داخل الحزب الجمهوري، حول حذف إشارة إلى التهم بتمويل سعودي لمنفذي اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001. ليعيد براك إرسال هذا البريد إلى العتيبة، ومعه عبارة "مهم وسري للغاية. أرجو عدم توزيعه".
وبحسب الرسائل المتبادلة، فقد تبين أن توم براك كان المسار الأساسي الذي تمّ عبره تقديم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى دونالد ترامب.
وقد حاول بن سلمان لقاء ترامب للمرة الأولى عبر طلب مقابلة مانافورت في نيويورك. ومن ثمّ جرى الحديث حول أفضل قناة للتعرف إلى ترامب. وعندما تواصل سفير السعودية في واشنطن مع "مسؤول عادي" في شركة "بلاكستون" للاستثمارات، تحرك باراك سريعاً لصدّ الطريق أمام هذا المنافس.
وكتب في رسالة: "بول اتصل بي. وقال إنه يجب أن يتعرف ترامب (إلى بن سلمان) من خلالنا. أريد أن أرسخ في ذهن ترامب هذا الارتباط بين الإمارات والسعودية الذي بدأناه مع جاريد".