لعلنا في ثقافتنا العربية "الحديثة"، لم نتّخذ من كلمة شمّاعةً مثلما فعلنا بكلمة الحداثة. لو عدنا إلى المدوّنة العربية في العقود الخمسة أو الستة الأخيرة، سنجد ما لا يعد من النصوص التعريفية بها، ومن النصوص التأسيسية لها وما لا يحصى من الشارحين والقائلين بها، حتى باتت تفرز طبقة من الفقهاء والناطقين الرسميين، بل والتجّار المحتكرين أيضاً.
أتذكّر أن إدوار الخرّاط، الراحل أمس، كان صاحب موقف في أمر الحداثة. لعله بالنسبة لي، هو من حسم أمر كونها كلمة ينبغي الحذر منها أكثر من اللازم، احتياطاً مما يجري تسريبه في عروقها.
يقول في كتاب نقدي له، "شعر الحداثة في مصر"، إن "الحداثة هي قيمة التساؤل المستمرّ"، ثم يعطف بمثال يتضمّن مفارقة "الحداثة عندي هي حداثة أبي نواس، لا عندما يحطم النسق التقليدي للوقوف على الأطلال، بل عندما يمتزج عنده الوعي الحسي بما يتجاوزه، فيصبح شعره سؤالاً مستمرّاً في الزمن".
ما الذي شدّني في هذا التعريف، وأنا أتحسس فهم الحداثة؟ إنه استدعاء التراث والحداثة في العبارة نفسها. أعتقد أن ذلك قد ساهم في مصالحات بين المفهومين في نفوسنا، لكن بمرور الوقت يمكن أن نتساءل، حين نزيح عن أعيننا قدراً من البراءة، لماذا يراد لهما التصالح؟ في الحقيقة، لكونهما غائبين، وبالتالي قابلَين للتوظيف في معارك النظريات الأدبية الجارية في ذلك الوقت، والمستمرة حتى الآن.