تزيفيتان تودوروف.. رحيل من الموطن الثاني

07 فبراير 2017
(تودوروف في 2008، تصوير: ميغيل ريوبا)
+ الخط -

بينما كان بصدد وضع اللمسات الأخيرة لكتاب سيصدر الشهر المقبل، رحل في باريس المفكّر البلغاري الفرنسي تزيفيتان تودوروف عن 77 عاماً، كما أعلنت أسرته صباح اليوم.

تودوروف الذي ولد في العاصمة البلغارية صوفيا سنة 1939، توجّه إلى فرنسا للدراسة وهو في سن الرابعة العشرين. فرنسا التي تحوّلت إلى موطن ثان حيث حصل على جنسيتها، وخصوصاً اعتمد لغتها في كتابة كل أعماله.

عرفت مسيرة صاحب "الأدب في خطر" تطوّرات متنوّعة، حيث انطلق من دراسة الأدب، مراوحاً في تناوله بين المقاربات اللسانية والسيميولوجية. كانت أبرز أعمال هذه المرحلة "نظرية الأدب" (1965) و"الأدب والدلالة" (1967) و"مدخل إلى الأدب العجائبي" (1970).

تُمثّل السبعينيات، فترة الاعتراف الأكاديمي بمساهمة تودوروف، خصوصاً وأنه أظهر بُعداً تنظيرياً لافتاً ومقدرة على الانتظام في النشر. كانت أبرز أعمال هذه المرحلة كتاب "الشعرية" الذي ظل إلى أيامنا مرجعاً في الدراسات الأسلوبية للكتابة الإبداعية، وقد ختم عقد السبعينيات بإصداره "القاموس الموسوعي لعلوم اللغة" بالاشتراك مع أوسفالد دوكرو.

كان عمله "غزو أميركا: مسألة الآخر" أوّل خطوة خارج دائرته الأكاديمية، وفيه ظهرت عناصر مكوّنة جديدة، سيواصل تطويرها في أعمال لاحقة حيث بدأ ينهل من منهجيات الأنثروبولوجيا والتاريخ ويهتم أكثر فأكثر بقضايا الحياة العامة، حتى بدا أن الناقد والمنظر الأدبي قد توارى خلف مهمّات أخرى.

تبرز لدى تودوروف نزعة إنسانوية تترفّع عن الخطاب الهوياتي، كما تبرز قدرته على توليد الأفكار حيث أن خلفياته الأدبية كانت عامل تخصيب لقراءات تاريخية ثاقبة، سنجد أثرها في أعمال مثل "مديح اليومي" (عمل حول رسامي القرن السابع عشر في هولندا) و"التراجيديا الفرنسية" (يعود إلى تفاصيل حركة تحرير فرنسا من الغزو النازي) وصولاً إلى آخر إصداراته "الجامحون" وفيه يرسم ثمانية بورتريهات لشخصيات متمردة مثل مارتين لوثر كينغ  ونيسلون مانديلا وإدوارد سنودن.

ضمن هذه الأعمال التي تجمع التاريخ والسياسة والفلسفة، يظل كتيّبه "ما الأنوار؟" أحد أبرز المراجعات للتاريخ الحديث من خلال الحفر في الجذور الفكرية للحداثة معتبراً أنه من دون فهم القرن الثامن عشر سيظل الحاضر غامضاً.

في كتاب شهير آخر، "اللانظام العالمي الجديد"، الذي أصدره في الذكرى الثانية لهجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، يظهر بالأساس وجه المفكر السياسي الذي يقول رأيه في ما يشغل البشرية اليوم، مقدّماً رؤية "أوروبية" في مواجهة الهيمنة الأميركية الصاعدة.

يمكن اعتبار سنوات الألفية الجديدة مرحلة نجومية ساطعة عاشها تودوروف حيث تحوّل إلى جانب أسماء مثل أمبرتو إيكو ونعوم تشومسكي إلى أحد مراجع الرأي في العالم، رغم أن مجرى الأحداث كان يأخذ مسارات لم تكن تسرّ تودوروف.

المساهمون