تزويج طفلات في المغرب

02 ابريل 2017
هل حُرمت من التعليم؟ (عبد الحق سنّا/ فرانس برس)
+ الخط -
تزويج القاصرات ظاهرة معروفة لدى أمازيغ المغرب، وهو ما يحرم القاصرات من التعليم ويعرضهن لمخاطر عدة. هذه الظاهرة تحاربها منظمات حقوقية وتسعى إلى إحداث تغيير قانوني فيها

قالت جمعية "صوت المرأة الأمازيغية" المغربية في دراسة أخيرة إنّ تزويج القاصرات في البلاد يقرّه القضاة عادة بسبب الفراغ التشريعي. فالقضاة مضطرون إلى إصدار "مقررات الإذن بتزويج الطفلات رغبة في حمايتهنّ قانونياً من زواج الفاتحة الذي لا يضمن لهنّ أي حقوق". وقد لجأ معدّو الدراسة إلى استعمال وصف "تزويج الطفلات" بسبب الدقة في التعبير عن الظاهرة وفق رأيهم، بدلاً من زواج القاصرات الوارد في مدونة الأسرة.

توضّح رئيسة الجمعية أمينة زيوال لـ "العربي الجديد" دوافع الدراسة: "أولها العمل في مناطق تتحدث فقط الأمازيغية ولا يصلها الوعي ولا المعلومة، ومناطق تنقصها دور الشباب والمدارس وهي مهمشة تنموياً واجتماعياً. ثانيها انتشار ظاهرة تزويج الطفلات في هذه المناطق وعدم محاربتها من قبل الدولة التي تركزّ على الأمن هناك أكثر من أيّ شيء آخر. ثالثها الفراغ القانوني وقلة الخبرة والوعي التي تدفع القضاة إلى تزويج الفتيات القاصرات، ويعتمدون في ذلك بالنظر إلى شكل الفتاة الخارجي من دون اعتبارات أخرى. وآخرها أنّ منطقة أزيلال خصوصاً في قريتي واولّا وآيت محمد، عبارة عن مجتمعات بطريركية تفتقر فيها النساء إلى القدرة على اتخاذ القرار، وهناك حالات زواج كثيرة تمت بالإجبار وعن طريق شيخ المسجد".

نفذت الجمعية دراستها الاجتماعية في إقليم أزيلال كبؤرة تستخلص منها أسباب ونتائج تزويج القاصرات، وأصدرتها تحت عنوان "تزويج الطفلات بين التشريع والعمل القضائي المغربي والممارسة، حالات الطفلات بإقليم أزيلال" وأشارت في سياقها إلى أنّ "صدور قرار برفض تزويج الطفلة قد يدفع أسرتها إلى تزويجها بالفاتحة، وهو زواج لا يضمن أي حقوق لها، ويكشف عن ثغرة في مدونة الأسرة توظف في كثير من الحالات للتحايل على القانون وخرق تشريع حماية المرأة التي تضمنتها المدونة" وهو أمر يتطلب تعديلاً تشريعياً سريعاً.

وبينت الجمعية خلال عرضها الدراسة أنّ "الأرقام الرسمية المتعلقة بتزويج الطفلات المسجلة محلياً لا تعكس حجم هذه الظاهرة، لعدة أسباب، منها وجود نسبة غير موثقة من هذه الزيجات في البوادي والأرياف والقرى، بل حتى في المدن".

ووقفت الجمعية على خلل مدونة الأسرة في صعوبة معالجتها لهذه الظاهرة من خلال المادة 16: "إذا كانت المادة 16 من مدونة الأسرة تسمح بمعالجة هذه الحالات بشكل لاحق من خلال إضفاء الشرعية على هذه الزيجات التي تمت في غفلة من القانون في حال توافق الزوجين، فإنّ ذلك لا يكون متاحاً في جميع الأحوال إذ إنّ مجرد خلاف بسيط بين الزوجة وزوجها أو بينها وأهله يجعلها من دون أيّ حماية قانونية في غياب أيّ وثيقة تؤكد وجود العلاقة الزوجية". يشار إلى أنّ المادة 16 تنص على أن "وثيقة الزواج تعد الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج، وإذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته، تعتمد المحكمة على مختلف وسائل الإثبات الأخرى".


أضافت الدراسة أنّه "في حال إنجاب الزوجة فإن عدم مبادرة الزوج بالاعتراف بنسب الأطفال سيجعله غير ملزم قانونياً تجاه أبنائه، وهو ما يؤكد هشاشة الأسر المبنية على الزواج غير الموثق. وتزداد الهشاشة حينما يكون أحد طرفي الزواج طفلاً".

تستند أغلب "مقررات الإذن" بتزويج الطفلات على ضعف الإمكانيات المادية لأسرة الطفلة ورغبتها في التخلص من أعباء الفقر والتهميش التي تعاني منه وتفادياً لعنوستها، وهو ما يؤدي إلى انقطاعها عن دراستها وفق الاستنتاجات التي وصلت لها الدراسة. علّقت أنّ "تغليف طلب تزويج الطفلات بمصلحة مادية يثير مشكلة أخلاقية لأنّه ينبني على شبه استغلال اقتصادي لأكثر الفئات هشاشة، فئة الأطفال".

وأبرزت الدراسة أنّ أسر القاصرات "قد تصطدم بنتائج عكسية في حال فشل هذا الزواج، وهو ما يحدث في كثير من الأحيان بسبب هشاشة الأسر المبنية على حالات زواج قاصر، إذ يضطر أولياء الأمور إلى تحمل أعباء مضاعفة". كذلك لاحظت أنّ "شرط عدم متابعة الطفلة دراستها يؤدي إلى تشجيع ظاهرة الهدر المدرسي بهدف الزواج بعدما يجبرهنّ أهاليهن على الانقطاع عن الدراسة قبل الزواج، الأمر الذي يهدد مستقبل الطفلة وحقوقها الطبيعية".

وخلصت الدراسة إلى أنّ "المطلوب من القانون هو الإسهام في تغيير بعض العادات الضارة والسيئة عوض الاكتفاء بشرعنتها وإعادة إنتاج نفس القيم المنتقدة والصور النمطية التي تهين المرأة، خصوصاً مصطلح العنوسة الذي يعد عنفاً رمزياً يستهدف الفتاة".

كذلك، دعت الدراسة إلى "الحذف الفوري للنصوص القانونية التي ترخّص تزويج الأطفال" لمعالجة هذه الظاهرة، كما دعت إلى "مراعاة مقاربة النوع الاجتماعي في تعيين قضاة الأسرة المكلفين بالزواج، والحرص على التكوين المستمر للقضاة، وتجريم حالات التحايل على القانون المتعلق بتزويج القاصرات، ودعم الأسرة في جميع المجالات وضمان تعليم أبناء المناطق القروية من دون تمييز".

وتهدف الجمعية إلى المساهمة في مناهضة زواج القاصرات وتعزيز حماية حقوقهن، وتوعية الأسر والمجتمع المحلي بضرورة تأخير سن الزواج إلى ما بعد 18 سنة.

دلالات
المساهمون