مثل سفينة تحط في موانئ متفرّقة من البرتغال إلى تونس، ثم من فلسطين المحتلة إلى البرازيل أو بين المغرب والعراق وسورية، هكذا هو عرض "فرقة مينا" الذي تقدّمه منذ فترة في عدة مدن فلسطينية، وقد استضافتها مؤخراً "جمعية الثقافة العربية" في حيفا بعد عروض في رام الله والناصرة وشفاعمرو والجولان السوري المحتل.
يضمّ العرض إحدى عشرة أغنية كلماتها باللغتين العربية والبرتغالية، معظمها أُخذت من تراث شعوب العالم. تحضر لغتان كما تحضر مغنّيتان في العرض: الفلسطينية تريز سليمان والبرتغالية صوفيا؛ حضور يمزج لغتين وثقافتين ضمن رؤية "مينا" التي تشتغل على تقديم رؤية تجديدية وانتقائية للموروث الموسيقي الإنساني.
على مستوى الكلمة، يعثر المستمع على لهجات متعدّدة في محيط العالم العربي من مشرقه إلى مغربه، وهو ما تتقن تقديمه سليمان، حيث تأخذنا إلى مقاطع يملؤها الحنين والحكايات العاطفية الحزينة والسعيدة، وفي بعضها نجد المذاق البدائي للأشياء وغيرها من النكهات الفنية. من أبرز الأغاني "عالمايا" السورية و"أشتاتا" المغربية و"بي سهرانة" التونسية "ويا طالعين الجبل" الفلسطينية، و"بيبه" المصرية وغيرها.
تعني كلمة "مينا" باللغة البرتغالية "منجم" بما توحيه هذه الكلمة من بحث وحفر وجهد. استغرق العمل على هذا المشروع سنتين بين سليمان وصوفيا والفرقة المكوّنة من العازفين بيدرو بيريرا وريكاردو كويليو وروي فيريرا.
تقول سليمان لـ "العربي الجديد": "اخترنا التراث البسيط العفوي. في بداية فكرة المشروع تحدّثنا كأصدقاء عن الأمور الحياتية السريعة التي نعيشها وقارناها مع حياة أجدادنا". تتابع: "في الماضي كان الناس يعطون قيمة أكبر للأشياء والتفاصيل، وهو ما يتجسّد في الأغاني الشعبية".
تضيف "هكذا بدأ المشروع من حالة شخصية، ثم تطوّرت الرؤية واندمجت أكثر مع رؤية الفرقة وطابعها". حين تبلورت الفكرة، بدأت سليمان من جانبها في البحث عن أغان عربية تناسب المشروع، وفعلت صوفيا الشيء نفسه في التراث البرتغالي، إنه بحث عن عوالم مختلفة ومحاور مثيرة موسيقياً وجمالياً.
عن تجربتها من زاوية شخصية، تقول سليمان: "إنها المرة الأولى التي أكون فيها مغنية رئيسية. أعتبر "فرقة مينا" مشروع حياة". تضيف "مع هذا العمل، تعلّمت أموراً كثيرة؛ ثمة عوالم موازية للأغاني والموسيقى، البحث والتنقيب عن المواد عمليةٌ تُغني كثيراً على المستوى الإنساني، هذا إضافة الى التواصل مع أناس من عدة بلدان من العالم العربي، مثل التونسي هيكل الخزمي والذي وسّع منطلقات البحث".
بعد هذه المرحلة، تشير سليمان أن "الفرقة اشتغلت على غربلة ما جرى تجميعه، حتى وصلنا إلى الخيارات التي نعرضها". في الألبوم الذي أنتجته الفرقة بدعم من "مؤسسة عبد المحسن القطان" و"المورد الثقافي"، وقع الاختيار على تسع أغانٍ من فلسطين والبرتغال وإسبانيا والعراق وسورية ومصر والمغرب وتونس والبرازيل.
ولا تكتفي الفرقة بتقديم هذه الأغاني من خلال ألبوم موسيقي يعيد توزيعها ويتصرّف في نصّها ولحنها فحسب، بل تضيء عوالم هذه الأغاني بنقل المعرفة المحيطة بها والحكايات المتعلّقة بهذا التراث من خلال كتيّب يضع قصص الأغاني باللغات العربية والبرتغالية والإنجليزية.
حول إتقان اللهجات العربية، في انتقالات صعبة، مثلاً من أغنية تونسية إلى أخرى عراقية، تقول سليمان: "أستمع إلى الأغاني بكل النسخ المتاحة والمختلفة، ويوجد في كل بلد شخصٌ مفتاحيّ أعمل معه لساعات طويلة على لفظ كل كلمة". وعن برنامج الفرقة مستقبلاً، تقول "لبنان وتونس محطاتنا القادمة، وبعدها باريس وبرلين. سنتجوّل بين الشرق والغرب".