على الرغم من التحالف الوثيق الذي يجمع كلا من السعودية وتركيا على مختلف الساحات في الشرق الأوسط، في مقابل العداء غير المُعلن بين تركيا وإيران، إلا أنه وكما كان متوقعاً، تأخرت الدبلوماسية التركية في التعبير عن موقفها فيما يخصّ التوتر المتصاعد بين السعودية وإيران، بل إن لهجتها الدبلوماسية بدت "وسطية" إلى حدّ كبير.
وقد انتظرت الدبلوماسية التركية يومين كاملين، بعد قطع العلاقات الإيرانية ـ السعودية، حتى يتّضح موقف الحلفاء في الغرب، قبل أن يخرج، مساء الإثنين، نائب رئيس الوزراء التركي، المتحدث باسم الحكومة، نعمان كورتولموش، معلناً عن موقف تركي متطابق بشكل كامل مع موقف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وبدا كورتولموش وكأنه يمسك العصا من الوسط، مشيراً في المؤتمر الصحافي الذي عقده في العاصمة أنقرة بعد اجتماع الحكومة، إلى أهمية كل من البلدين بالنسبة لتركيا، قائلاً إنه "بالنسبة لتركيا وبالنسبة للمنطقة فإن كلا من السعودية وإيران دولتان مهمتان".
اقرأ أيضاً: إدارة الصراع بين الرياض وطهران
كما اعتبر بيان الخارجية التركية أن "ارتفاع درجة التوتر بين الجانبين يُشكّل تهديداً لأمن المنطقة"، مشدداً على "ضرورة احترام حصانة وحماية البعثات الدبلوماسية". كما جاء البيان وفقاً للقواعد الدبلوماسية التي تنظم العلاقة التركية الإيرانية، والقاضية بمنع أي مواجهة مباشرة بين البلدين. وتطابق بيان الخارجية التركية مع بيان مجلس الأمن، يوم الإثنين، الذي ندّد "بأقصى حزم ممكن بالاعتداءات" على البعثتين الدبلوماسيتين السعوديتين في طهران ومشهد، مطالباً إيران بـ"حماية المنشآت الدبلوماسية والقنصلية وطواقمها". ودعا المجلس أيضاً جميع الأطراف إلى "اعتماد الحوار واتخاذ إجراءات لتخفيف التوتر في المنطقة".
عقدة الإعدامات
لا يُمكن فهم الموقف التركي في "استنكار الإعدامات السياسية"، بعيداً عن التاريخ التركي المليء بهذه الإعدامات، والتي نال المحافظون واليسار التركي والكردي، قسطاً وافراً منها منذ إعلان الجمهورية التركية، تحديداً بعد انقلاب عام 1960، الذي انتهى بإعدام رئيس الوزراء السابق عدنان مندريس.
وعلى الرغم من أن الأحزاب التركية تكاد تختلف في كل شيء، لكن رفض الإعدامات السياسية وإغلاق الأحزاب والانقلابات العسكرية، تكاد تكون من المواضيع القليلة جداً التي يجمع عليها الأتراك. ولا مجال للخروج عن هذا الإجماع تحت أي ظرف، لأن ذلك سيُعرّض الحكومة لانتقادات معارضة شديدة، تجعل كل ما أنجزه "العدالة والتنمية"، خلال 13 عاماً من دمقرطة البلاد وإنهاء الوصاية العسكرية، عرضة للتساؤل.
مسايرة "الأطلسي"
من جهة أخرى، تحكم الدبلوماسية التركية العديد من القواعد التاريخية، التي تشترط ضرورة المؤاءمة شبه الكاملة مع موقف الحلفاء في حلف شمال الأطلسي، واتباع سياسات خارجية براغماتية، لا ترتكز على الاصطفافات الدينية والمذهبية بل على المصلحة.
الخشية المذهبية
سبب آخر يُضاف إلى الموقف التركي "البارد" والهادئ، إزاء الاشتباك بين الدولتين، يعود إلى الخشية التركية الحقيقية من ارتفاع حدّة التوتر المذهبي الشيعي ـ السني في المنطقة. وهي "الخشية" التي كانت من بين الشعارات الرئيسية للرئيس رجب طيب أردوغان، منذ وصوله إلى السلطة في عام 2002. ولم تشذّ عنها الدبلوماسية التركية إلا في "زلّات لسان" وردت على لسان أردوغان بنفسه، الذي سرعان ما كان يعود ليسحبها أو ليوضحها، أو ليترجم عكسها على الأرض، تحديداً في سياق بعض التوترات المذهبية. وهو ما دفعه في عام 2010، للمشاركة في مراسم ذكرى عاشوراء في تركيا، في سياق الرغبة في التخفيف من الاحتقان المذهبي السني ـ العلوي ـ الشيعي في المنطقة. مع العلم أن الرئيس السابق عبد الله غول، كان ثاني رئيس يزور في العام 2009 "بيت جمع" (دار الصلاة للعلويين) في تركيا، بعد سليمان ديميريل.
مع ذلك، لا يعني الموقف التركي الوسطي المعلن، بأن أنقرة تقف على مسافة متساوية من كل من طهران والرياض، لأن الواقع على الأرض يقول غير ذلك، فالمحاور في المنطقة واضحة، سواء في العراق أو في سورية أو في اليمن. والموقف التركي منها واضح بما لا يدع مجالاً للشكّ، في ظل الدعم السعودي الخليجي التركي المشترك للمعارضة السورية، وأيضاً الدعم التركي لمسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان العراق، في وجه كل من بغداد وحزب "العمال" الكردستاني المُعتبرين في المحور الإيراني، وكذلك دعم تركيا لعمليات التحالف العربي في اليمن ضد الحوثيين والرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح المتحالفين مع إيران.
اقرأ أيضاً: داود أوغلو يواصل محاولته الدفعَ نحو دستور تركي جديد