تركيا وإسرائيل ..من تحالف استراتيجي إلى توتر ثم قطيعة

15 اغسطس 2014

عبد الله غول وشيمون بيريز في الدنمارك (2009/Getty)

+ الخط -
سؤالان يدفعان المسؤولين والنُّخَب في تركيا إلى الصمت مليّاً، قبل أن يجيبوا عنهما: العلاقة مع إسرائيل، وأسلمة البلاد. ويختبئ الثاني في ثنايا السياسة التركية، خصوصاً في العهد الأردوغاني. ولا يحتاج المرء لفهم عميق في السياسة ليعرف أن تركيا تتجه نحو العودة إلى جذورها "العثمانية"، ولكن بذكاء شديد، ونوع من الباطنية السياسية، وبرؤية مستحدثة، ربما لم يسبق تركيا إليها أحد، ولا يشابهها في ذلك الأسلوب الناعم إلا ماليزيا التي "نحتت" طريقاً فريداً في هذا الأمر، يقوم على المواءمة بين كونها دولةً حديثةً متعدّدة الأعراق، وكونها دولة "إسلامية" بأسلوب جديد، وكلا الدولتين استحدثتا ما قد يكون مزاوجة فذّة بين الإسلام والعلمانية!

أما سؤال العلاقة بين تركيا وإسرائيل فشائك أيضاً، وإن اتخذ، في السنوات الأردوغانية، نوعاً من الوضوح الصارخ أحياناً، بعدما "تمكن" رئيس الوزراء، الرئيس الفائز، رجب طيب أردوغان، من امتلاك أدواته في إحكام السيطرة على صنع القرار التركي، وفك ارتباطها السيادي بجميع القوى الدولية والإقليمية، وغدا قادراً على "المجاهرة" بحقيقة موقفه، إن من إسرائيل، أو حتى من الأسلمة، بعدما حوّل تركيا من دولة "قومية" إلى دولة "إقليمية"، بسلسلة روافع وأدوات تجعلها من أقوى الدول محوريةً في المنطقة.

قد يفاجأ بعضهم حينما يشار، هنا، إلى أن العلاقة التركية ـ الإسرائيلية، في العهد الأردوغاني، شهدت تعاوناً قد يكون غير مسبوق في تاريخ هذه العلاقة، حيث كانت مشوبة بالتوتر والصعود والهبوط، وشهدت محطات من الفتور، بلغ حد قطع العلاقات الدبلوماسية، وهي مرحلة لم تصل إليها هذه العلاقات في العهد الأردوغاني بعد. ولكي نفهم هذه المسألة، بالذات، علينا العودة، قليلاً، إلى تاريخ يمتد بعيداً، إلى ما قبل قيام إسرائيل.


بين هيرتزل والسلطان عبد الحميد

في التاسع عشر من يونيو/ حزيران عام 1896، قدم مؤسس الحركة الصهيونية، تيودور هيرتزل، عرضاً سخياً على السلطان عبد الحميد الثاني، عبر وسيط، هو فيليب مايكل نيفلينسكي، وهو دبلوماسيّ بولندي، كان يعمل في آسيا الصّغرى. في المراحل الأولى، كان هيرتزل يسترشد من نيفلينسكي في كلّ عملٍ يقوم به في القسطنطينيّة، واعتمد عليه خصّيصاً في أن يرتب له الأجواء، وأن يضمن له مقابلة السلطان.
ذهب إلى اسطنبول في يونيو 1896، لكنّه لم ينجح في مقابلة السلطان. وكان هيرتزل يعتقد، بناءً على معلوماتٍ قدّمها له نيفلينسكي، أنّ الخزينة التركيّة تعاني من المصاعب، فكان يأمل أن يوافق السلطان على أن يسدّد الصّهاينة جزءاً من ديون الإمبراطوريّة العثمانيّة التي بلغت 160 مليون جنيه إسترليني، في سنة 1881، لقاء منحهم فلسطين. وفي ما بعد، نقل نيفلينسكي إلى هيرتزل خبراً مفاده بأن السلطان لا يريد سماع شيء عن الخطة، وبأن رده جاء على النحو التالي: إذا كان السيد هيرتزل صديقاً مقرّباً منك، كما أنك صديق مقرّب مني، فانصحه، إذن، ألا يمضي خطوة واحدة أخرى، في هذه المسألة. لا أستطيع بيع قدم واحد من الأرض، فهي ليست ملكي، وإنما هي ملك الشعب.

السلطان عبد الحميد 

شعبي هو الذي كسب هذه الإمبراطورية، في قتاله وتضحيته بدمه في سبيل ذلك، وسمّد ترابها بدمه. وسوف نرويها بدمائنا تارة أخرى، قبل أن نسمح بضياعها من أيدينا. لقد قدم رجال كتيبتي في سوريا فلسطين أرواحهم الواحد تلو الآخر، ولم يتردد واحد منهم أو يستسلم. كلهم قدموا أرواحهم في أرض المعركة. إن الإمبراطورية التركية ليست ملكي، وإنما ملك الشعب التركي، ولا أستطيع التنازل عن أي جزء منها. دع اليهود يوفروا ملياراتهم، فحينما تُجزّأ امبراطوريتي، قد يحصلون على فلسطين مجاناً. على كل حال، جثثنا هي التي ستُجزّأ، ولن أوافق أبداً على أن يحصل ذلك، وأنا على قيد الحياة.

تيودور هرتزل 


بين أردوغان ونتنياهو

وقبل أيام، حينما كان العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في قطاع غزة في بدايته، وقف رجب طيب أردوغان، في أوج حملته للترشح لانتخابات الرئاسة التركية التي جرت في العاشر من أغسطس/ آب الجاري، وقف ليقول: "في هذه اللحظة، ينهمر 400 ألف طن من القنابل الإسرائيلية على غزة. وصل عدد الذين قتلوا (حتى ذلك الحين!) جراء ذلك 120 من الفلسطينيين، ووصل عدد الجرحى إلى 700. وتستمر إسرائيل في طريق كراهيتها. كنا قطعنا جميع علاقاتنا بإسرائيل بعد حادثة مافي مرمرة، فتدخلت دول أخرى، واعتذرت إسرائيل. لقد استجابوا للشرطين، الأول والثاني، من شروطنا. وكان لنا شرط ثالث، إضافة إلى التعويضات. بدت إسرائيل كما لو كانت تنوي رفع الحصار، ولكن، بدأت هذه الاعتداءات. أقول لإسرائيل أنت بحاجة لأن توقفي هذه الاعتداءات. إذا لم تفعلوا، لن يكون ممكناً تطبيع العلاقات بين إسرائيل وتركيا. وهنا لا أتكلم عن كلمات بلا فعل. كنتم تتوقعون تطبيع العلاقات، ولكنكم لم تنجزوا الجانب الخاص بكم من الصفقة. وهذا يعني أنكم لم تكونوا صادقين. كل الخطوات التي اتخذناها باتجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل باتت، الآن، حبيسة في صندوق.

أردوغان يزور مصاباً في العدوان على مرمرة


يفصل بين الموقفين أكثر من مئة عام، شهدت فيها العلاقات التركية ـ الإسرائيلية لحظاتٍ دراماتيكية، وبلغت أوجها، للمفارقة، زمن حكم حزب أردوغان، العدالة والتنمية، وهو حزب تمتد جذوره إلى الحركة الإسلامية التركية التي استفادت، في تنظيراتها، من تجربتين عربيتين: إسلاميي المغرب الذين استعار منهم اسم حزبه، بعد استئذانهم، وتنظيرات التونسي راشد الغنوشي في بلورة نظام "إسلامي" جديد يقوم على المزاوجة بين الحداثة والقيم الإسلامية العريقة، من دون تصادم مع الحضارة الغربية. ولئن لم يُتم الإسلاميون في المغرب وتونس تجربتيهما في بلادهما، فقد أنجز أردوغان ما أراد إنجازه، بعدما "استعار" من جيرانه الإيرانيين أسلوب "التقيّة" أو الباطنية السياسية، مع براغماتية بحتة، تربك كل مَن يحاول قراءة تجربته الفريدة واستبطانها في بناء نظام إسلامي حديث. ويمكن، هنا، أن نفهم سر غضبه الشديد على الجنرال عبد الفتاح السيسي، حين انقلب هذا على أول رئيس مصري منتخب، ينتمي إلى تيار الإسلام السياسي، الخطوة التي "ضربت" حلم أردوغان في تسويق نظام إسلامي وسطي للغرب، حيث كان يحلم بأن تكون التجربة المصرية معيناً له على تسويق التجربة غربياً في نسختها التركية!


محطات في تاريخ العلاقة التركية ـ الإسرائيلية

تعيننا قراءة سريعة لأهم المحطات في تاريخ العلاقة التركية ـ الإسرائيلية على تشخيص مدى التطور النوعي الذي شهدته في عهد حزب العدالة والتنمية، وخصوصاً أن ذلك التطور النوعي لم يكن السمة الغالبة على هذه العلاقة، وإن شهدت مثله خلال حكم العسكر، في بعض الفترات.

بدأت العلاقات بالتدهور منذ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2008. وفي الثلاثين من فبراير/ شباط 2009، انسحب رئيس الوزراء التركي أردوعان غاضباً من اجتماع دافوس في سويسرا، الذي كان يحضره الرئيس الإسرائيلي، شيمون بيريز، ودان العدوان الإسرائيلي على غزة، فيما عُرف في حينه بموقف "ون مومنت/ لحظة واحدة". وكان هذا الموقف، كما يبدو، نقطة التحول الأولى في تاريخ علاقة تركيا/ أردوغان بإسرائيل. وفي الحادي عشر من أكتوبر/ تشرين الأول، 2009، حجبت تركيا عن سلاح الجو الإسرائيلي المشاركة في مناوراتٍ دولية نُظّمت في تركيا. وفي الثالث عشر من يناير/ كانون الثاني 2010، أهانت وزارة الخارجية الإسرائيلية السفير التركي لديها، حين استدعاه نائب الوزير، داني أيلون، ورفض مصافحته، وأجلسه في مستوى أدنى من محادثيه الإسرائيليين. وفي الثامن من إبريل/ نيسان2010، هاجم أردوغان إسرائيل مجدداً، ووصفها بالخطر الرئيسي على السلام في الشرق الأوسط. وفي السابع عشر من مايو/ أيار 2010، وصف نتنياهو الاتفاق بشأن الملف النووي الإيراني الذي وقعته تركيا والبرازيل مع إيران بالمخادع. وفي الحادي والثلاثين من مايو 2010، وصف أردوغان عدوان إسرائيل على أسطول الحرية الذي كان متوجهاً إلى غزة بإرهاب الدولة، مؤكداً أن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء ما حصل.

وبالعودة، قليلاً، إلى أهم المحطات في العلاقات التركية ـ الإسرائيلية، نستذكر أن تركيا/ أتاتورك كانت أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل عام 1949، وفي يناير 1950، جرت إقامة العلاقات الدبلوماسية. وفي صيف 1951، وقّع البلدان على اتفاقيات أمنية، في مقابل تزويد إسرائيل تركيا بمعلوماتٍ عن منظمات المعارضة التركية، خصوصاً من الأكراد والأرمن، إضافة إلى النشاط اليوناني في منطقة البحر المتوسط. وفي 1952، انضمت تركيا إلى حلف شمال الأطلسي. وفي 1958، قام رئيس حكومة إسرائيل، بن غوريون، بأول زيارة لتركيا. وفي أعقاب حرب 1967، شهدت العلاقات بين البلدين بعض النفور والتوتر. وفي أعقاب اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، عادت حرارة العلاقات إلى التحسّن، وخصوصاً في المجالين الاقتصادي والأمني. وفي 1996، وقّع الطرفان على اتفاق التعاون العسكري، حيث تبلورت العلاقات الاستراتيجية بينهما، في إطار مجموعة الاتفاقات، ما أدى إلى تحوّلٍ في الميزان العسكري الإقليمي، إضافة إلى تبادل المعلومات الأمنية والاستخبارية، وحصول تركيا على صور أقمار التجسس الإسرائيلية والأميركية. وتحسنت هذه العلاقات لتشمل إقامة مراكز الإنذار والتنصّت داخل الأراضي التركية، للتجسس على إيران وسورية والعراق، ووجود طائرات مقاتلة إسرائيلية على الأراضي التركية.

مصطفى كمال أتاتورك 

وما لبثت هذه العلاقات أن عادت إلى التوتر، بعد حادث الاعتداء على سفينة مرمرة التركية، وما تلا ذلك من تطور دراماتيكي من محادثات تركية ـ إسرائيلية، لتجاوز هذه الأزمة التي بقيت معلقة، خصوصاً بعد اشتراطات أردوغان لعودة العلاقات التركية ـ الإسرائيلية إلى طبيعتها التزام إسرائيل، والسير وفقاً للقانون الدولي (!) وهذا الشرط، كما يقرأه الخبراء، نوع من التعجيز الذي لا يمكن أن يحصل، وهو بمثابة إغلاق شبه تام لباب تطبيع العلاقة بين تركيا وإسرائيل، ليأتي العدوان الإسرائيلي الجديد على غزة، ليغلق الملف، ويضعه كاملاً في "صندوق أردوغان" الذي أشار إليه قبل أيام!


بانوراما.. للفهم!

دخلت تركيا في عهد أردوغان في تحالف استراتيجي مع أميركا وإسرائيل، في ظل توازناتٍ دوليةٍ، ساعدت على نجاح التحالف، منها قرب تركيا من روسيا، وحدودها مع دولتين عربيتين قوميتين، لهما ثقل في توازنات المنطقة، سورية والعراق، وقد كان اﻻقتصاد التركي منهاراً تحت الصفر. وكانت تركيا بحاجة لدعم اقتصادي دولي لتثبيت نظام الحكم بقيادة أردوغان بعد نحو 50 عاماً من عدم الاستقرار في تركيا. وفي أقل من خمس سنوات، بدأت تركيا تقف على قدميها، ووصولا إلى 2008، وهو عام الأزمة الاقتصادية العالمية التي شلّت الاقتصاد الأوروبي والأميركي، وفي الوقت نفسه، لعبت حكومة أردوغان لعبة ناجحة، حيث تمكنت من استقطاب رؤوس الأموال الضخمة من الخارج، بعيداً عن الانسياب الطبيعي للأموال، وهو ما اعتبر مبرراً لاتهام حكومة أردوغان بالفساد، حيث تم "تهريب" أموال المستثمرين العرب والمسلمين من أوروبا وأميركا إلى تركيا، هرباً من الأزمة الاقتصادية. وكانت بمليارات الدولارات. وقد استمرت تركيا في سياساتها الاقتصادية التي كان في مقدمتها تخفيض أسعار الفائدة، لضمان دورة الاقتصاد في العمل. في الأثناء، قللت الحكومة التركية من اعتماد اقتصادها على الخارج، وبدأت بناء اقتصادٍ بقدرات ذاتية، وقد تنبّهت الدول الكبرى لذلك، ولم تكن قادرة على معاقبة تركيا، لأنها كانت في حاجة لاستمرار استثماراتها في تركيا، أي أن الغرب لم يقطع تعاونه مع أنقرة، كونه يحتاج إلى بقاء شعرة معاوية مع تركيا.

وقد كانت الأزمة الاقتصادية العالمية المضاد الحيوي الذي حال دون عرقلة قصة النجاح التركية. ومن هنا، بدأت أنقرة في رسم سياستها الخارجية، بناءً على قصة نجاحها الاقتصادي، وأبدت نوعاً من "العصيان" على قوانين التبعية للغرب، بمعنى أنها قللت من تبعية قراراتها السيادية للغرب، بنسب متفاوتة. ومع الوفرة الاقتصادية، وسّعت تركيا من نفوذها الدولي، وامتدت باتجاه الشرق العربي والقرن الأفريقي، لتحمي نفسها اقتصادياً، وتقلل من اعتمادها على الغرب. وهذا ما شجع أردوغان للعب دور أكثر وضوحاً على الساحة الدولية، فأظهر اعتراضه على نظام الأمم المتحدة ومجلس اﻷمن، وعزز الليرة التركية برمز عالمي، تدليلاً على القوة الاقتصادية.

تظاهرة تضامنية مع غزة في تركيا (يوليو/2014/أ.ف.ب)

وتجلّى الاستقلال التركي، أيضاً، في محاولة أنقرة فرض أجندتها وشروطها على نوعية السلام في المنطقة العربية، فحرّكت أسطول الحرية، لفك الحصار عن غزة، قبيل استلام الرئيس المصري المنتخب، محمد مرسي، الحكم وقبيل الربيع العربي، وكان من نتائج ذلك قطع العلاقات الاقتصادية والعسكرية والسياسية مع تل أبيب. وتزامن ذلك مع ارتفاع منسوب الخطاب العقائدي في تصريحات أردوغان، وبدأ استخدام مصطلحات إسلامية، لم يكن يرددها سابقاً، ما أغرى إسرائيل وقوى دولية أخرى بالعمل على تفكيك طلاسم النجاح التركي، بإثارة الفوضى في الداخل التركي، بالتعاون مع واشنطن وبرلين وباريس، وكانت ورقتهم الرابحة جماعة عبد الفتاح غولن، والتي يقدّر عدد أعضائها بما يزيد عن خمسة ملايين عضو، علماً أن إعلام هذه الجماعة تجاهل أخبار العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة!

وماذا عن المستقبل؟
وبنجاحه في انتخابات الرئاسة التركية، سيستمر رجب طيب أردوغان في خطه البياني المتصاعد، وقد ينهي علاقته بتل أبيب نهائياً، أو يضعها في أسفل مستوى ممكن، بانتظار ما سيكون عليه رد فعل الطرف المقابل، علماً أن هذا الأمر يحتاج سياسة خارجية لديها القدرة على تسويق الأمر عالمياً، وثمة اعتقاد بأن تسلّم رئيس اﻻستخبارات الحالي، فيدان هاكان، قيادة الخارجية التركية، فسيكون قادراً على لعب هذا الدور، وهو تلميذ أردوغان المدلل، وأحد أشد المعادين لإسرائيل في القيادات التركية، وقد ثارت ثائرة إسرائيل عندما تسلّم قيادة الاستخبارات التركية.

وهنا يبرز سؤال: ماذا عن حلف شمال الأطلسي، وتركيا عضو فيه؟ كيف سيتصرف معه في هذه الحال؟ والجواب، إن الحلف يحتاج تركيا أكثر من حاجة تركيا إليه نتيجة لموقعها اﻻستراتيجي. فهي مطلة على ثلاث قارات، وثمة ربيع عربي لم يُلقِ عصاه بعد، وهناك حروب أهلية تدور، وثمة شرق أوروبا وعلاقات تركية مميّزة معها، (7 دول تتكلم التركية) وروسيا وأرمينيا شماﻻً، والصراع السني ـ الشيعي، وهمزة وصل أوروبا بآسيا والعالم العربي، ودول حوض النفط وغيرها. ولذا، يرجح أن "يستوعب" الحلف تمرد "ابنه"، ويحاول إبقاء ولو شعرة معاوية بين تركيا وإسرائيل، وهي الابن الأثير له.

أما بشأن علاقة تركيا بإسرائيل على المستوى الشعبي، فيمكن اختصار تقويمها بالأربعة آلاف سائح إسرائيلي، الذين تقطّعت بهم السبل في تركيا، بعدما أغلقت صواريخ المقاومة الفلسطينية مطار اللد (بن غوريون)، وقالوا حينها إنهم لم يكونوا يجرؤون على الخروج من الفنادق، خوفاً على حياتهم، في مجتمعٍ هائج وغاضب، نتيجة سياسة "بلدهم" العدوانية تجاه شعب شقيق للأتراك هو الشعب الفلسطيني. إن العلاقة الشعبية الآن بين إسرائيل وتركيا لا تكاد تُرى، ولا يوجد ما يمكن أن يسمى علاقة بين مؤسسات المجتمع المدني في كلٍّ منهما. ويكفي، هنا، أن نعلم أن عضو لجنة الصداقة البرلمانية التركية ـ الإسرائيلية، روبرت تيباد، أعلن منذ نحو عامين، أنه، قبيل أزمة سفينة مرمرة، كان عدد أعضاء النواب الأتراك المشاركين في جمعية الصداقة التركية ـ الإسرائيلية يصل إلى 260، تقلّص، في حينه، إلى أربعة أعضاء أتراك فقط. وقال تيباد إن معظم أعضاء الجمعية استقالوا من اللجنة، قبل عامين، في إطار التضامن التركي مع أهل غزة.

وكان رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي، مراد ميرکان، من أوائل الذين بادروا إلى الاستقالة في 29 ديسمبر/ كانون الأول من عام 2008 بقوله: حفر العدوان الصهيوني الجديد آلاماً مبرحة في قلوبنا، وأعرف أن ما يمكن أن أقدمه محدود، واستقالتي هي ما أستطيع التعبير به عن غضبي ممّا يجري. وقد أعقبه إعلان الأمانة العامة للبرلمان التركي أنه لم يعد هناك ما كانت تسمى "لجنة الصداقة التركية ـ الإسرائيلية"، بعدما قدم جميع النواب الأتراك استقالتهم من هذه اللجنة، احتجاجاً على العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة.

A99D1147-B045-41D9-BF62-AB547E776D3E
حلمي الأسمر

كاتب وصحافي من الأردن