تركيا وأوروبا: المسافة تزداد بُعداً

19 مارس 2015
تعمل تركيا على تمتين قوتها مع جيرانها (أحمد أوكاتالي/الأناضول)
+ الخط -

يكاد يكون التوافق اللفظي بين الأتراك والأوروبيين على رفض تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري حول التفاوض مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، والتنسيق الأخير حول منع تدفق المقاتلين الأوروبين للانضمام لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عبر الأراضي التركية، نقطتَي الاتفاق الوحيدتين بين أنقرة وبروكسل. حتى وإن كان يجوز إطلاق مصطلح التقارب في هذين الملفين، فإنّ العلاقات التركية ــ الأوروبية تبقى سيئة في كل ما عدا ذلك تقريباً. وحتى حين يعرب مستشار الأمين العام للأمم المتحدة الخاص بقبرص، إسبن بارث إيدي، عن تفاؤله حيال تطورات المسألة القبرصية، بما أن "الأزمة الناشبة بين أطراف جزيرة قبرص حول الموارد الطبيعية التي ظهرت في البحر الأبيض المتوسط باتت قريبة الحل"، تأتي
اللجنة الأوروبية التي يقودها مارتي أهتيساري رئيس فلندا السابق، الحاصل على جائزة نوبل للسلام، ليوجه رسالة مفتوحة، يوم الثلاثاء، لكل من الاتحاد الأوروبي وأنقرة، يحمّل فيها تركيا مسؤولية تدهور العلاقات الأوروبية ــ التركية. رسالة جاء فيها أنّ "الاتحاد الأوروبي وتركيا لا يزالان يتباعدان أكثر، بسبب التآكل المستمر لحرية التعبير والفصل بين السلطات وحكم القانون تحت سلطة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإغراء من النظام الاستبدادي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين".

اقرأ أيضاً: هل تتّجه تركيا إلى تغيير استراتيجيتها الناعمة في المنطقة؟

ووقع على رسالة اللجنة ولفغانغ إيشنجر رئيس مؤتمر ميونيخ الأمن، هانس فان دن بروك وزير الخارجية الهولندي السابق ومفوض الاتحاد الأوروبي للعلاقات الخارجية، مارسيلينو أوريجا أغيري وزير الخارجية الاسباني السابق، وميشيل روكار رئيس الوزراء الفرنسي السابق، وناتالي توتشي نائب مدير معهد الشؤون الدولية في روما.

وعارضت اللجنة الدعوات المطالبة بتجميد مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي تحت وقع ما يسميه الأوروبيون "ابتعاد تركيا عن معايير كوبنهاغن" (شروط العضوية)، مشيرة إلى أن هذا التجميد "سيخدم أي شيء إلا اقتراب تركيا من المعايير والقيم الأوروبية المشتركة". ورأت أن التجميد قد يعزز ويبرر ما سمّته "التوجه الحالي تحو التسلط في الحكومة التركية، وسيدفعها باتجاه روسيا العدوانية"، على حد تعبير الرسالة.

ودعت الرسالة إلى تعزيز العلاقات بين الطرفين، "واتخاذ تدابير أخرى مهمة لإعادة بناء الثقة وتحقيق منافع ملموسة لكلا الجانبين"، مشيرة إلى التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في مجال مكافحة الإرهاب، واللاجئين السوريين، وأزمات متعددة من ليبيا إلى أوكرانيا، وكذلك رفع وتحديث اتفاق الجمارك، والسعي بقوة لتحرير التأشيرات.

من جانبها، تتهم الحكومة التركية الاتحاد الأوروبي بالاكتفاء بمدح تركيا على استقبالها ما يقارب مليوني لاجئ سوري من دون تقديم أي مساعدات حقيقية لهم، وإغلاق الأبواب بوجه اللجوء السوري لدول القارة العجوز، جرياً على مقولة أردوغان: "إن الدول التي تقيم الدنيا ولا تقعدها في حال نزف أنف أحد مواطنيها، ظلوا متفرجين أمام تحول البحر الأبيض المتوسط إلى مقبرة للاجئين السوريين".

كما تعتبر العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا إحدى أهم الخلافات بين الجانبين، إذ اندفعت تركيا أخيراً نحو موسكو فيما بدا ردة فعل على ما تسميه أنقرة "مماطلة الاتحاد بفتح ملفات التفاوض لانضمام تركيا له". وتركيا، على الرغم من إعلانها عدم الاعتراف بضم موسكو للقرم، لا تزال تقيم علاقات اقتصادية وسياسية وثيقة مع موسكو، تمثلت أخيراً بالترحاب الكبير التي رافق زيارة بوتين إلى أنقرة مع الاتفاقيات التي حصلت بموجبها تركيا على غاز بسعر مخفض. اتفاق صخم آخر تجسد بقرار الطرفين استبدال مشروع خط أنابيب "ساوث ستريم" لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر البحر الأسود والأراضي البلغارية، بمشروع غاز "تركيش ستريم"، أي خط أنابيب بديل يمر عبر البحر الأسود نحو تركيا ومنه إلى أوروبا عبر اليونان، الأمر الذي حذر منه نائب رئيس المفوضة الأوروبية لشؤون الطاقة، ماروس شيفجوفيتش، خلال زيارته لأنقرة، قائلاً:" عندما يتم الحديث عن إمدادات بهذا الحجم من الغاز للمستهلكين الأوروبيين، لا يمكنك اتخاذ القرار وتبني هذا المشروع من دون التحدث مع الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية".

ويبقى موضوع تدفق المقاتلين الأوروبيين للانضمام إلى "داعش" عبر الأراضي التركية، إحدى القضايا الخلافية، إذ لا يتهم المسؤولون الأوروبيون أنقرة بعدم بذل الجهود الكافية في هذا الشأن، بينما تردّ الحكومة التركية بأنها لا تستطيع منع المتوجهين نحو "داعش" من المواطنيين الأوروبيين، من دون وجود معلومات استخباراتية بهذا الشأن، محملة المسؤولية لضعف تنسيق الأجهزة الأمنية الأوروبية مع المخابرات التركية، وهو ما بات مثبتاً بالأدلة التي تفيد بأن الأوروبيين لا يشاركون السلطات التركية المعلومات الأمنية الكافية الضرورية لضبط الحدود.

المساهمون