تركيا وأوراق عراقية

24 يونيو 2014
+ الخط -
في موازاة الاندفاع الإيراني باتجاه توسيع رقعة النفوذ والهيمنة على عراق حرج، تتسارع فيه الأحداث، وتتصادم فوقه المواقف الدولية، تجد تركيا نفسها، مجدداً، في مواجهة المشروع الإيراني. خصوصاً في غياب مشروع عربي موحد، قادر على التصدي لهذا المشروع. في وقت يدرك فيه الأتراك أن الوضع العراقي مرشح للانزلاق نحو سيناريو حرب أهلية، ربما، قد تدفع البلاد إلى التشظي جغرافياً، ما يحتم عليها، في أفضل الأحوال، إعادة التموضع الاستراتيجي من جديد.

لعلّ استقراء واقع السياسة الخارجية التركية، في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية، يمكننا من فهم الرؤية التركية في التعامل مع الحدث العراقي، والأوراق التي يمكن أن تلعب بها أنقرة للدفاع عن مصالحها العليا، فتركيا، بحكم موقعها الجيوستراتيجي وارتباطاتها الجيوسياسية في المنطقة، تستطيع أن تكون لاعباً إقليمياً مؤثراً في الساحة العراقية.

ومن أهم الأوراق التي يمكن أن تدفع بها تركيا نحو مواجهة الضغط الإيراني المتزايد نحو الوسط والشمال العراقي، إقليم كردستان العراق الذي يعتبر تركيا رئته الوحيدة للتنفس، فمسعود البرزاني، على الأرجح، سيوافق على أن تكون أربيل عمقاً لمقاتلين السنة المعتدلين، إذا ما اشتد الصراع الطائفي. كما أنه سيجد في التحالف مع تركيا فرصة ذهبية نحو إمكانية تغيير الموقف التركي لمشروع استقلال الإقليم، خصوصاً إذا ما عرض على أنقرة زيادة الضغط على حزب العمال الكردستاني، والحد من نشاطه الذي ستقدم له إيران دعماً إضافياً، وربما أكثر إغراءً من أي وقت مضى، رداً على تحالف أنقرة وأربيل.

وجعلت حالة الاستقطاب الطائفي في العراق تكتلات وأحزاباً سنية كثيرة، ترى في تركيا عمقاً استراتيجياً لها، بحكم العوامل الجغرافية والسياسية. ولعل لجوء طارق الهاشمي لأنقرة ورفضها تسليمه للمالكي يوحي بالقدر الذي يمكن أن يكون عليه النفوذ التركي داخل الوسط السني، إضافة إلى وجود كتلة تركمانية، يعبترها الأتراك إحدى الرعايا التاريخيين للدولة التركية.

تجدر الإشارة هنا، أيضاً، إلى ورقة المياه التي في حوزة أنقرة، فالأمن المائي بات يوازي الأمن العسكري، إن لم يتفوق عليه، وأصبح من أولويات الأمن القومي للدول في العصر الراهن، وأن البلدان التي تكون مصادر المياه فيها خارج الحدود السياسية لها، يبقى كلامها عن الأمن الغذائي بلا جدوى، فنهرا دجلة والفرات اللذان يغذيان كل من العراق وسورية ينبعان من الأراضي التركية.

يمكن القول إن انحياز أنقرة للثورة السورية، ورفضها الموقف الإيراني الداعم للأسد، ينذر باقتراب مواجهة أكبر بين الدولتين على الساحة العراقية. فالأتراك نجحوا في عدم التورط عسكرياً في سورية، وسيتبعون المسار نفسه في المسألة العراقية، ويبدو أنهم لا يمانعون زيادة التورط الإيراني في المستنقع العراقي، تحقيقاً لغاية استنزاف إيران أكثر، وتحميل طهران عبء الدفاع عن نظامي الأسد ونوري المالكي، ما من شأنه أن يضيف ضغوطاً جديدة على الإقتصاد الإيراني الذي يعاني، أصلاً، من حالة اختناق مزمن، في مقابل اقتصاد تركي صاعد ومزدهر.

ويضاف إلى هذا المسرح السياسي، الموقف الأميركي من الأزمة العراقية الراهنة، والذي رأت فيه أنقرة رغبة أميركية بعدم التورط، مجدداً، في عمل عسكري في العراق، والاكتفاء بإرسال مستشارين لحكومة المالكي. إضافة الى اعتراف المخابرات المركزية الأميركية، في تقرير لها أخيراً، بأن المسلحين في العراق هم ثوار سنة، قاموا بثورتهم رداً على سياسات المالكي الطائفية، وليسوا كلهم من تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، والأهم من هذا كله ما لمسه حلفاء واشنطن في المنطقة، وأولهم تركيا طبعاً، من تشجيع واشنطن لإيران، لتلعب دوراً أكبر في أزمة العراق، بمعنى توريطها في المستنقع العراقي بدلاً عنها.

بعد الاضطلاع بذلك، بشأن أوراق قد تلعب بها أنقرة في المشهد العراقي، والرؤية التركية للأزمة الراهنة، لا يمكن قراءة أي حدث في مستقبل المشهد السياسي العراقي وتطوراته، بعيداً عن صلة كل من إيران وتركيا ومتابعتهما تغيرات موازين القوى في العراق، فمن جانب، تستند إيران على الشيعة وأحزابها الحاكمة في العراق. ومن الجانب الآخر، يقف المحور التركي والتكتلات السنية المستندة عليه.

يبدو أن الإشارة الأولى، والتي يمكن أن تفتتح بها أنقرة لعبة الشطرنج هذه، مع خصومها في العراق، هي استقبال قيادات الثوار السنة من الساسة والمقاتلين، وإعطائهم مساحة للتحرك بداخلها، ما سوف يعزز من دعم أنقرة للعب دور إقليمي أكبر في المنطقة، للحد من الهيمنة الإيرانية على مستقبل العراق، وبما يحفظ المصالح القومية لتركيا. فالعراق بالنسبة لصناع القرار في أنقرة يبقي سؤال الإرث التاريخي والمستقبل الاقتصادي الحاضرين في العقل السياسي التركي.
0DEFC302-4E4E-42CA-AF58-BF181EC20FF2
0DEFC302-4E4E-42CA-AF58-BF181EC20FF2
أنمار السيد (سورية)
أنمار السيد (سورية)