تركيا: نجاح مأسسة "العدالة والتنمية"... والانتخابات المقبلة الامتحان الأكبر

14 سبتمبر 2015
مهمة القيادة الجديدة لـ"العدالة والتنمية" لن تكون سهلة(فرانس برس)
+ الخط -
جاء المؤتمر الخامس غير الاعتيادي لحزب "العدالة والتنمية" التركي، يوم السبت، في أنقرة، من دون أية مفاجآت كبرى، مع إعادة انتخاب رئيس الوزراء، أحمد داود أوغلو، زعيماً له، بالتزكية. إلّا أنّ التغييرات كانت كبيرة في اللجنة المركزية للحزب، وهو ما لا يقل أهمية عن هوية رئيس الحزب. ويبدو أنّ "العدالة والتنمية" نجح إلى حد كبير في التقدم خطوة أخرى نحو التحوّل إلى مؤسسة حزبية قادرة على الاستمرار، على عكس تاريخ الأحزاب التركية، التي كانت تنتهي عادة بابتعاد قادتها المؤسسين عنها، كما حصل مع حزب "الوطن الأم" بعد وفاة الرئيس التركي السابق، تورغوت أوزال. لكن كل ذلك، يبدو مرهوناً بنتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة، المقرّرة في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وشهد المؤتمر، بالإضافة إلى التجديد لداود أوغلو، انتخاب أعضاء اللجنة المركزية للحزب، ولجنة الانضباط المركزية، والهيئة المركزية العامة لتحكيم الديمقراطية داخل الحزب.
وكانت الانتخابات البرلمانية الحدث الأهم، الذي يتم التحضير له، إذ شهد المؤتمر أيضاً، تغييرات جذرية في لوائح الحزب الداخلية، بما يتناسب مع إعادة نظر شاملة وإصلاحات جذرية في الحزب. تضمنت التغييرات تشكيل مجلس جديد داخل الحزب، أُطلق عليه اسم "مجلس الفضيلة والأخلاق السياسية". كما تمّ استحداث منصبين جديدين لنواب رئيس الحزب، أحدهما مسؤول عن حقوق الإنسان، والثاني عن شؤون المدينة والبيئة والثقافة، بالإضافة إلى إجراء تعديل على قاعدة عدم قيام أعضاء الحزب بوظيفة أو مهمة معينة لأكثر من ثلاث فترات متتالية، وتمّ استثناء الفترة البرلمانية الأخيرة، التي بدأت مع الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 7 يونيو/حزيران الماضي، وتنتهي مع الانتخابات المبكرة، من تلك القاعدة، بسبب قصر مدّتها.


وعلى الرغم من نجاح كل من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الزعيم الروحي للحزب، وداود أوغلو، في تجاوز خلافاتهما خلال اللحظات الأخيرة، إلّا أن قائمة اللجنة المركزية للحزب، والمكوّنة من 50 عضواً دائماً و25 عضواً احتياطياً، شهدت تغييرات كبيرة، بدت من خلالها سيطرة أردوغان واضحة. وكانت أهم هذه التغييرات، انضمام 31 اسماً جديداً إلى اللجنة، مقابل خروج عدد كبير من مؤسسي "العدالة والتنمية"، أو ما يطلق عليهم "شيوخ الحزب"، مع بقاء عدد منهم، مما جعل اللجنة خليطاً بين الشيوخ والشباب.

وغابت عن اللجنة أسماء كبيرة مثل أحد مؤسسي الحزب، بولنت أرينج، الذي أعلن اعتزاله السياسة، ونائب رئيس الوزراء السابق، أحد المسؤوليين السابقين عن عملية السلام مع حزب "العمال الكردستاني"، بشير أتلاي، ووزير الثقافة السابق، حسين جيلك، ونائب رئيس الوزراء، علي باباجان، الذي قاد اقتصاد تركيا خلال السنوات الـ13 الماضية، ووزير المالية السابق، محمد شيمشيك.

وعكست اللجنة ظهوراً قوياً لموالين بشدة لأردوغان، مثل مستشاره، وزير الاتصالات السابق، بينالي يلدرم، ومستشاره القانوني، برهان كوزو، وزوج ابنته، برات البيرق، وصديق طفولته، مجاهد أصلان. بينما لم يتجاوز عدد الأسماء المقربة من داود أوغلو في اللجنة، أكثر من اسمين، وهما كل من محمد بابا أوغلو، وسلجوق أوزتورك، وتمّ استبعاد باقي المرشحين المقربين من داود أوغلو، مثل علي ساري كايا، إرتان أيدن، وطه أوزهان.

اقرأ أيضاً: إعادة انتخاب أحمد داود أوغلو رئيساً لحزب العدالة والتنمية

لم يخف أرينج غضبه من التغييرات في الحزب، إذ قال في مقابلة تلفزيونية، أخيراً: "نحن بوصفنا قيادات قديمة، لسنا ديكوراً، والرئيس أردوغان بشرٌ مثلنا، يُخطئ ويصيب ولا داعي لمعاملته على أنه مُنزّه أو ملهم. الحزب تغيّر. في الماضي، كنّا نتحدث بصيغة نحن، أما الآن، فالكل يبحث عن مصلحته".

يؤكد الكاتب في جريدة "صباح"، الموالية لـ"العدالة والتنمية"، حسن بولنت كهرمان، لـ"العربي الجديد"، أنّ "العدالة والتنمية"، يمر بمرحلة مفصلية في تاريخه، قائلاً إنّ "(العدالة والتنمية) يمرّ بتحول مهم وخطير، منذ انتخاب أردوغان لمنصب رئاسة الجمهورية في أغسطس/آب من العام الماضي، إلى اليوم". ويشير الكاتب إلى أنّه "مقارنة بمصير كل من حزب (الطريق القومي) وحزب (الوطن الأم)، يبدو أنّ (العدالة والتنمية) استطاع تجاوز بعض الصعوبات بنجاح، في دلالة واضحة على مستوى نضج التجربة السياسية"، مستدركاً أنه "لا بد من تقييم التغييرات من خلال العلاقة بين البيروقراطيين في الحزب والقاعدة الاجتماعية، إذ يبدو أن الحكم عليها الآن، أمر سابق لأوانه، لأنها تسير بسرعة كبيرة".


وفي ما يخص انتقادات أرينج، يقول كهرمان، صاحب كتاب "اليمين التركي والعدالة والتنمية": "لا أزال عند رأيي. عند تأسيسه، لم يكن (العدالة والتنمية) حزب أردوغان، ولكن الأمور تغيّرت. لقد كان تأسيس الحزب من قبل عبدالله غول، الذي كان أحد قيادات حزب (الفضيلة) بزعامة نجم الدين أربكان، مع رفاقه الغاضبين من سياسات أربكان، ومن ثم جاء أردوغان بقدراته الخطابية العالية وشخصيته الكاريزماتية، لتدخل السياسة التركية إلى أنموذج القيادة الثنائية بين غول وأردوغان، وتبدأ بالابتعاد عن أنموذج القيادات الأحادية الذي كان سائداً لأكثر من نصف قرن". ويضيف كهرمان أنّ "أردوغان لم يقد (العدالة والتنمية) لوحده في أي وقت من الأوقات، بل كانت الحركة تتم بالتعاون بين غول وأردوغان، وإلى جانبهما بولنت أرينج وبشير أتلاي وأسماء أخرى، وكان أردوغان أحد أفراد القيادة لا أكثر".

أما عن أزمة "العدالة والتنمية" الحالية، فيقول كهرمان إنّه "مع ابتعاد غول عن الحزب، إثر خروجه إلى منصب رئاسة الجمهورية، تغيّر الأنموذج، وبدأت العودة إلى أنموذج القيادة الأحادية، الأمر الذي أزعج جزءاً كبيراً من قيادات وقواعد الحزب".

لا يبدو أنّ مهمة القيادة الجديدة لـ"العدالة والتنمية" ستكون سهلة على الإطلاق. فعلى عكس سابقاتها، تتسلم القيادة مسؤولية الحزب، بعد مروره بهزيمة واضحة في الانتخابات البرلمانية السابقة، بخسارته الأغلبية التي سمحت له بالتفرد بالحكم لأكثر من 13 عاماً، وأيضاً على أبواب انتخابات برلمانية مقبلة، خلال أقل من شهرين. بالتالي، يتوجّب على القيادة الجديدة التي تم إنعاشها بقيادات "شابة"، أن تتجاوز امتحاناً كبيراً، يتمثل بإدارة حملة انتخابية ضخمة، قادرة على استعادة أصوات اليمين التركي القومي، المهمة التي تبدو بدورها صعبة المنال، وأيضاً كسب جزء مهم من أصوات اليمين الكردي، التي خسرها لصالح حزب "الحركة القومية"، لتبدو الانتخابات المقبلة مهمة ومحورية، ليس على صعيد المشهد السياسي التركي فحسب، إنّما على صعيد قدرة "العدالة والتنمية" على التماسك والاستمرار أيضاً، في حال لم يستطع استعادة الغالبية الكافية للتفرد بالحكم مرة أخرى. 

اقرأ أيضاً: "العدالة والتنمية" يستميل اليمينَيْن الكردي والتركي للانتخابات المقبلة