نجحت تركيا، خلال اليومين الأخيرين، بشكل واضح في إدارة قمة دول العشرين المكونة من تجمع أغنى عشرين دولة على مستوى العالم. وبدت مدينة أنطاليا التركية، التي استضافت القمة، عاصمة للسياسة العالمية، ولا سيما بعد التحول الكبير الذي طرأ على المواضيع التي تهتم بها قمة دول العشرين خلال السنوات الثلاث الأخيرة. وبعدما تم إنشاء المجموعة في العام 1999 لمناقشة الاهتمامات الاقتصادية المشتركة بين هذه الدول، تحولت القمم الأخيرة إلى التركيز على الأزمات السياسية، في ما بدا أنه بمثابة فتح لقناة موازية لمجلس الأمن الذي ظهر معطلاً وعاجزاً عن اتخاذ أي قرارات مهمة لتعزيز الأمن العالمي. وبعدما كانت قمة سان بطرسبرغ في روسيا للعام 2013 المكان الذي تم فيه حلحلة التوتر، الذي سببه استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية في حربه على شعبه، وانتهت بقبوله بالتخلي عن السلاح الكيماوي مقابل الحفاظ على بقائه، كانت قمة بريسبان في أستراليا في 2014، المكان الذي تم خلاله مناقشة الأزمة الأوكرانية التي اندلعت بعد التدخل الروسي الواضح في شرق أوكرانيا، والتي ساهمت بشكل في تخفيف حدة التوتر السياسي بين الغرب وروسيا.
اقرأ أيضاً: تركيا وقمة مجموعة العشرين
أما جدول أعمال قمة العشرين العاشرة، التي عقدت في أنطاليا هذا العام، فجاء مثقلاً بالحرب على الإرهاب وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وخصوصاً بعد الاعتداءات التي تعرضت لها فرنسا، فضلاً عن الملف السوري وأزمة اللاجئين.
وعلى الرغم من الأجواء الإيجابية التي جرت خلالها القمة، واللقاءات العديدة التي تمت بين مختلف قيادات الدول المعنية بالملف السوري وأزمة اللاجئين والحرب على الإرهاب وتحديداً "داعش"، إلا أنه لا يبدو أنّ هذه المشاورات أفرزت أي شيء جديد يمكن أن يمثل تغييراً جوهرياً في موقف أي من الدول المعنية، في ما يخص القضايا التي تم التباحث فيها، باستثناء التوافق القديم الجديد على مكافحة الإرهاب، لتبقى الآليات والتفاصيل موضع خلاف لا ينتهي، وهو ما انعكس في البيان الختامي للقمة، وإن بدت اللمسات التركية واضحة، وخصوصاً من خلال البند الرابع، الذي أكد بأنه لا يمكن ولا ينبغي أن يتم ربط الإرهاب بأي دين أو جنسية أو حضارة أو جماعة عرقية.
وتعهد المشاركون في القمة بـ "البقاء متحدين فيما يخص مكافحة الإرهاب". كما دانوا "كل أعمال وأساليب وممارسات الإرهاب، والتي لا يمكن تبريرها تحت أي ظرف من الظروف، بغضّ النظر عن دوافعها، وبجميع أشكالها ومظاهرها، أينما وقعت وأيا كان مرتكبوها"، فيما تعهد المشاركون "بضرب قنوات تمويل الإرهاب، ولا سيما عن طريق تعزيز التعاون في مجال تبادل المعلومات وتجميد الأصول الإرهابية، وتجريم تمويل الإرهاب وتعزيز أنظمة العقوبات المالية المتعلقة بالإرهاب وتمويله، بما في ذلك التطبيق السريع لجميع معايير معاهدة الإجراءات المالية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب".
وبعد اللقاءات التي جمعت أردوغان بكل من العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، والرئيس الأميركي باراك أوباما، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لا يبدو أنه استطاع تحقيق أي تقدم ملموس، وبالذات في المقاربة الأميركية تجاه هذا الملف على الرغم من الأجندة التركية المثقلة بالملف السوري والمنطقة الآمنة، فضلاً عن محاولة سحب الشرعية الدولية التي اكتسبها حزب الاتحاد الديمقراطي، الجناح السوري للعمال الكردستاني من قتاله "داعش".
وأكد أردوغان، خلال كلمته قبل عشاء العمل الذي جمع قيادات دول العشرين، مساء يوم الأحد، أن تركيا تتعرض لهجمات إرهابية منذ السبعينيات، مشدداً على رفضه التمييز بين المنظمات الإرهابية، بالقول إنّ "تركيا تتعرض للهجمات الإرهابية منذ فترة السبعينيات مصرة على مكافحة الإرهاب". وشدد على أنّ كلاًّ من حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي و"داعش" هي تنظيمات إرهابية، لافتاً إلى أنّ حرب العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي ضد "داعش" لا ترفع صفة الإرهاب عن أي منهما.
كذلك، فإنه على الرغم من اللقاء الودي الذي جمع كُلاًّ من أردوغان وأوباما، وتأكيد الأخير أنّ النقاش تمحور حول كيفية دحر "داعش" بعيداً عن الحدود السورية التركية، إلا أن المنطقة الآمنة بدت بعيدة المنال مرة أخرى. وتعزز هذا التوجه بعد تصريحات رودس، التي أكد خلالها بأنه لا يرى أنه يوجد أي تغيير في الموقف الأميركي تجاه المنطقة الآمنة، مشيراً إلى استمرار المشاورات في ما يخص التنسيق التركي الأميركي لدحر "داعش" بعيداً عن الحدود التركية.
وعلى الرغم من اللقاء القصير الذي جرى بين كل من أوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي وصفه أحد مسؤولي البيت الأبيض، بحسب وكالة "رويترز" بـ"اللقاء البناء"، وعلى الرغم من اتفاق كل من أردوغان وبوتين على عقد مجلس تعاون مشترك تركي روسي رفيع المستوى بين البلدين في روسيا، في 15 ديسمبر/كانون الأول المقبل، إلا أنه خارج بيان فيينا 3 والتعاون الاقتصادي المشترك وبالذات فيما يخص موضوع الطاقة، لا يبدو أن الأتراك أو الأميركيين نجحوا في إحداث أي تغير في الموقف الروسي لجهة دعم الرئيس السوري بشار الأسد أو تغيير الاستراتيجة الروسية في سورية لناحية وقف الغارات الروسية على فصائل المعارضة والتركيز على ضرب "داعش".
اقرأ أيضاً: أوباما وسلمان يقرران تعزيز مكافحة داعش ودعم المعارضة السورية