28 يناير 2024
تركيا خارج الفراش
لم تطرح تركيا نفسها لاعبًا إقليميًّا في المنطقة قبل الرئيس أردوغان منذ انهيار إمبراطوريتها. تلك بدهيّة أولى، دوّنها التاريخ الحديث عن "الرجل المريض"، والسبب، بالطبع، أن الانكماش التركي، عقب الهزيمة الثانية، كان أفدح من أن يعيد أي رئيس تركي بعدها البحث عن دورٍ جديدٍ لبلاده في المنطقة، فقد تحالف الشقيق والعدو ضد تركيّا، مثلما انشغلت أنظمتها المتعاقبة في تكريس مبادئ أتاتورك العسكرية، أزيد من انشغالها بتطوير بلادها وتحديثها اقتصاديًّا، على الرغم من امتلاك تركيا سائر المقوّمات التي يمكن أن تضعها ضمن القائمة القصيرة للدول الصناعية في العالم.
أما مع أردوغان، فقد تغيّرت الحال، فقد حمل هذا الرجل حلمًا بإعادة ترميم إمبراطوريته من الداخل أولًا، ليقفز بالاقتصاد التركي أشواطًا واسعة إلى الأمام، وتبنّي صناعاتٍ ثقيلة لم تكن لتخطر على بال من سبقوه، لأسبابٍ عدة، ليس أقلها دوران أولئك العسكر في فلك الرغبة الغربية بإبقاء تركيا على تخلّفها، وإقناع الرجل المريض بأن أوان النهوض من فراش المرض لم يحن بعد.
كان وهم المرض طاغيًا حقًا، ليس على مستوى القادة الأتراك فقط، بل على مستوى الشعب، أيضًا، حتى قيّض لهذا الشعب أن يرى من يهشّم تلك القناعة بإصراره وعمله، حتى وضع تركيا في مكانٍ يليق بها على مستوى العالم الصناعي والتجاري، وأصبحت السلعة التركية منافسًا يُحسب له ألف حساب في أسواق التنافس.
حدث ذلك كله في زمن قياسي، ونهض "الرجل المريض" من فراشه للمرة الأولى، ليعاين العالم من نافذته، وليعرف كم كان مخدوعًا بتصديق الوهم. وشعر، منذ تلك اللحظة، بأن من حقه أن يستعيد، ولو جزءًا يسيرًا من دوره الإقليمي القديم، خصوصًا أن أغلبية هذا الإقليم كان تابعًا له ذات إمبراطوريةٍ لا تأكلها النار، فقرّر أن يعود بقوة، ولكن ليس من باب التسلط والطغيان، بل من باب الربيع العربي ذاته الذي فتحته الشعوب العربية بيديها، ليكون سبيلها للتحرّر من استبداد أنظمتها.
منذ اندلاع شرارة الربيع، كان أردوغان سبّاقًا في إعلان موقفٍ مؤازرٍ وصريح لهذا الحراك المقدّس، بل ورهن علاقته مع أنظمة الربيع المحتضرة، بتلبية رغبات الجماهير الثائرة. فعل ذلك في مصر وتونس وليبيا وسورية، وأعلن عن استعداده لدعم هذه الحراكات، وما أفرزته لاحقًا من أنظمة ديمقراطية بكل ما تطلبه، ولم يتوان أيضًا عن دعم قطر في وجه المؤامرة التي تعرّضت لها، باعتبارها دولةً آزرت حراكات الربيع العربي، أيضًا، وكانت من أكبر داعميه، ووصل الأمر إلى حدّ توقيع معاهدة دفاع مشترك بين البلدين، وهو ما قلب سحر المؤامرة على رؤوس من حاكوها ودبروها في أبوظبي والرياض والقاهرة.
واليوم، تنشغل تركيا أيضًا بتلبية نداءٍ آخر قادم من نظام الحكم الشرعي في ليبيا، الذي يتعرّض هو وثورة الربيع التي يمثلها، إلى مؤامرةٍ مماثلةٍ يرأسها حلف الشيطان ذاته الذي تآمر على قطر، واشترى جنرالاً عتيقًا من سوق الخردة، يُدعى خليفة حفتر، ليكون "واجهة وطنية"، هي أبعد ما تكون عن الوطنية، وعن الوطن الذي تعمل فيه تمزيقًا وتخريبًا.
تدرك تركيا بأردوغانها أن المستهدف من هذه المؤامرات هو الربيع العربي أولًا وأخيرًا. وتعلم أنها، حين تساند هذا الوليد الجديد، إنما تنسجم مع أحلام الشعوب العربية ذاتها، ما يعني، في نهاية المطاف، أنها تدخل المنطقة من باب جديد هذه المرّة لم يدخله أي غازٍ من قبل، وأعني به باب الحرّية، وليس باب الاستعمار الذي دخل منه الغزاة عنوة.. ما يستنجد بتركيا هي حرّيتنا المعرّضة لخطر الطغاة الذين لن يُغمض لهم جفن، حتى يكتموا صوتها إلى الأبد.
أولئك هم المرضى الحقيقيون اليوم، وفي مقدمتهم من يتصل بدونالد ترامب يرجوه أن يضغط على تركيا لوقف تدخلّها في ليبيا، على الرغم من أنه أول العابثين بمصائر الليبيين ومقدراتهم.
أوْلى بهؤلاء العابثين أن يعودوا إلى فراش المرض؛ لأن باب الحرية صار أعلى كثيرًا من مخالبهم.
كان وهم المرض طاغيًا حقًا، ليس على مستوى القادة الأتراك فقط، بل على مستوى الشعب، أيضًا، حتى قيّض لهذا الشعب أن يرى من يهشّم تلك القناعة بإصراره وعمله، حتى وضع تركيا في مكانٍ يليق بها على مستوى العالم الصناعي والتجاري، وأصبحت السلعة التركية منافسًا يُحسب له ألف حساب في أسواق التنافس.
حدث ذلك كله في زمن قياسي، ونهض "الرجل المريض" من فراشه للمرة الأولى، ليعاين العالم من نافذته، وليعرف كم كان مخدوعًا بتصديق الوهم. وشعر، منذ تلك اللحظة، بأن من حقه أن يستعيد، ولو جزءًا يسيرًا من دوره الإقليمي القديم، خصوصًا أن أغلبية هذا الإقليم كان تابعًا له ذات إمبراطوريةٍ لا تأكلها النار، فقرّر أن يعود بقوة، ولكن ليس من باب التسلط والطغيان، بل من باب الربيع العربي ذاته الذي فتحته الشعوب العربية بيديها، ليكون سبيلها للتحرّر من استبداد أنظمتها.
منذ اندلاع شرارة الربيع، كان أردوغان سبّاقًا في إعلان موقفٍ مؤازرٍ وصريح لهذا الحراك المقدّس، بل ورهن علاقته مع أنظمة الربيع المحتضرة، بتلبية رغبات الجماهير الثائرة. فعل ذلك في مصر وتونس وليبيا وسورية، وأعلن عن استعداده لدعم هذه الحراكات، وما أفرزته لاحقًا من أنظمة ديمقراطية بكل ما تطلبه، ولم يتوان أيضًا عن دعم قطر في وجه المؤامرة التي تعرّضت لها، باعتبارها دولةً آزرت حراكات الربيع العربي، أيضًا، وكانت من أكبر داعميه، ووصل الأمر إلى حدّ توقيع معاهدة دفاع مشترك بين البلدين، وهو ما قلب سحر المؤامرة على رؤوس من حاكوها ودبروها في أبوظبي والرياض والقاهرة.
واليوم، تنشغل تركيا أيضًا بتلبية نداءٍ آخر قادم من نظام الحكم الشرعي في ليبيا، الذي يتعرّض هو وثورة الربيع التي يمثلها، إلى مؤامرةٍ مماثلةٍ يرأسها حلف الشيطان ذاته الذي تآمر على قطر، واشترى جنرالاً عتيقًا من سوق الخردة، يُدعى خليفة حفتر، ليكون "واجهة وطنية"، هي أبعد ما تكون عن الوطنية، وعن الوطن الذي تعمل فيه تمزيقًا وتخريبًا.
تدرك تركيا بأردوغانها أن المستهدف من هذه المؤامرات هو الربيع العربي أولًا وأخيرًا. وتعلم أنها، حين تساند هذا الوليد الجديد، إنما تنسجم مع أحلام الشعوب العربية ذاتها، ما يعني، في نهاية المطاف، أنها تدخل المنطقة من باب جديد هذه المرّة لم يدخله أي غازٍ من قبل، وأعني به باب الحرّية، وليس باب الاستعمار الذي دخل منه الغزاة عنوة.. ما يستنجد بتركيا هي حرّيتنا المعرّضة لخطر الطغاة الذين لن يُغمض لهم جفن، حتى يكتموا صوتها إلى الأبد.
أولئك هم المرضى الحقيقيون اليوم، وفي مقدمتهم من يتصل بدونالد ترامب يرجوه أن يضغط على تركيا لوقف تدخلّها في ليبيا، على الرغم من أنه أول العابثين بمصائر الليبيين ومقدراتهم.
أوْلى بهؤلاء العابثين أن يعودوا إلى فراش المرض؛ لأن باب الحرية صار أعلى كثيرًا من مخالبهم.