تأججت التوترات بين تركيا واليونان أخيراً، عشية لقاءات أوروبية وأميركية يُفترض أن تكون حاسمة في سياق تهدئة الأوضاع في شرق المتوسط، لانعكاساته السلبية على أسواق الطاقة وملف اللاجئين والأوضاع الجيوبوليتيكية على ضفّتي المتوسط. وفي سياق ما تعتبره "حقاً طبيعياً لها"، أعلنت أنقرة، اليوم الأربعاء، على لسان وزير الطاقة والموارد الطبيعية فاتح دونماز، بدء سفينة "أوروتش رئيس"، بأعمال المسح السيزمي ثنائية الأبعاد شرقي المتوسط. وأضاف الوزير في تغريدة عبر "تويتر"، أنه "تمّ إنزال كابلات المسح الزلزالي في البحر الأبيض المتوسط، لإجراء المسح السيزمي ثنائية الأبعاد لغاية 23 أغسطس/ آب"، الحالي.
واستبقت وزارة الدفاع التركية هذا الإعلان، بالتشديد مساء أمس الثلاثاء على تصميمها حماية حقوق ومصالح بلادها في مياهها الإقليمية، مؤكدة قدرتها على تحقيق ذلك. وأرفقت التغريدة بصورة لسفينة "أوروتش رئيس". إلا أن وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، شدّد على "دعم فكرة حل المشاكل عبر الحوار"، مشيراً على رغبة أنقرة في "التوصل إلى حلول سياسية عبر وسائل سلمية". وتطرّق إلى الاتفاقية الموقعة بين مصر واليونان، واصفاً إياها بأن لا أساس قانونياً لها وتفرط بحقوق الشعب المصري.
مؤسسة ألمانية: الصراع متصل بالنزاع المصري التركي في ليبيا
من جهتها، دعت أثينا مجدداً، على لسان وزير الخارجية اليوناني، نيكوس ديندياس، عقب لقائه رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس، أمس الثلاثاء، أنقرة لسحب سفينتها من المنطقة على الفور. وهدّد في مؤتمر صحافي بأن بلاده "لن تتسامح مع التحديات التركية إطلاقاً"، داعيا إياها "للانسحاب من جرف اليونان القاري على الفور". كما أوضح التلفزيون الحكومي اليوناني أن سفينة "أوروتش رئيس" تواصل التمركز شرقي المتوسط، ومراقبة الأسطول البحري اليوناني في المنطقة. في غضون ذلك، نشط الحراك الدبلوماسي لوضع حد لتدهور العلاقات بين الدولتين الحليفتين في سياق حلف شمال الأطلسي، فالتقى ديندياس السفير الأميركي لدى أثينا، جيوفري بيات، وأطلعه على آخر التطورات شرقي المتوسط، على أن يلتقي غداً الجمعة، في فيينا النمساوية، نظيره الأميركي مايك بومبيو. وذكرت الخارجية اليونانية في بيان مقتضب اليوم أن "المحادثات ستركّز على التطورات في شرق البحر المتوسط في ظل تصاعد الاستفزاز التركي". وكان بومبيو قد وصل إلى العاصمة التشيكية براغ، أمس الثلاثاء، في مستهل جولة تستمر خمسة أيام في وسط أوروبا، لمناقشة مسائل عدة أبرزها الصين وتقنية الجيل الخامس "5 جي". ومن المقرر أن يشارك ديندياس غداً أيضاً، ومن فيينا، في الاجتماع الاستثنائي عن طريق الفيديو لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الذي دعا إليه الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل.
تركيا ومصر واليونان لا تبحث عن صراع مسلح
ويؤرق التصادم التركي ـ اليوناني، الاتحاد الأوروبي، وفقاً لما ذكرت شبكة "أيه أر دي" الإخبارية اليوم، معتبرة أن هذا الواقع يدفع الاتحاد لممارسة الضغط على تركيا من أجل منع نشوب نزاع عسكري. وإزاء ذلك، كشفت تقارير إعلامية أن الاتحاد الأوروبي وجّه رسالة واضحة إلى أنقرة بشأن التطورات الأخيرة، ومفادها بأن التصعيد ليس حلاً لمشاكل المنطقة، ويؤدي فقط إلى صراعات كبيرة وانعدام الثقة. وعليه فإن المطلوب هو التوصل إلى حل وفقاً للقوانين الدولية، رغم تأكيد المفوضية الأوروبية دعمها قبرص واليونان. مع العلم أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار واضحة بخصوص تداخل المناطق الاقتصادية بين الدول، والتي تنصّ على إجراء مفاوضات إلزامية. في غضون ذلك، رأى شتيفان رول، رئيس مجموعة أبحاث الشرقين الأدنى والأوسط وأفريقيا في مؤسسة العلوم والسياسة، وهي مؤسسة فكرية ألمانية تهتم بالأمن والسياسة الدولية، في مقابلة مع "دويتشه فيله" الألمانية، أن الصراع يتخذ بعداً أكبر مما هو عليه. وأوضح أن مصر أيضاً متورطة، بسبب توقيعها الاتفاقية البحرية الحدودية مع اليونان، الأسبوع الماضي، وهي اتفاقية حددت فيها الدولتان مناطقهما الاقتصادية الخالصة في شرق المتوسط. وأضاف أن الاتفاقية دفعت تركيا لوصفها بأنها "عملية قرصنة". واغتنمتها فرصة لاستئناف عمليات المسح التي أوقفها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأسبوع الماضي، بعد وساطة بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والاتحاد الأوروبي. وأضاف رول أن الصراع الأوسع يتمثل بالنزاع بين مصر وتركيا في ليبيا، وليس حول مجرد احتياطات الغاز الطبيعي والمناطق الاقتصادية. وقال إن سرعة توقيع الاتفاق بين اليونان ومصر سببه المباشر الاتفاقية الموقعة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية بخصوص المنطقة الاقتصادية، وهو ما اعتبرته القاهرة وأثينا في حينه انتهاكاً جسيماً لمصالحهما. ولفت رول إلى أن الاتفاقية صيغت بسرعة بين اليونان ومصر، ويمكن وصفها بـ"الجزئية"، لأنها لم تأخذ بعين الاعتبار المناطق البحرية الواقعة شرقي جزيرة رودس إلى جزيرة كاستيلوريزو الواقعة في أقصى شرق اليونان، والتفاصيل ما زالت قيد التفاوض. واعتبر أن تركيا ومصر واليونان لا تبحث عن صراع مسلح لأن النتائج ستكون مفتوحة على جميع الاحتمالات وكان التوتر قد تفاقم يوم الاثنين الماضي، عندما أرسلت أنقرة سفينة المسح الزلزالي "أوروتش رئيس" ترافقها سفن لسلاح البحرية التركي، إلى قبالة سواحل جزيرة كاستيلوريزو اليونانية. وبحسب أثينا، فإن سفن سلاح البحرية التركي كانت على مسافة 60 ميلاً بحرياً (111 كيلومتراً) جنوبي جزيرة كاستيلوريزو، أي على الجرف القاري اليوناني، ما يشكّل "انتهاكاً" للحدود البحرية. كما أن الأسطول البحري اليوناني موجود في المنطقة "لمراقبة" النشاطات التركية بحسب مصدر في وزارة الدفاع. وقد أثار اكتشاف حقول غاز شاسعة في شرق البحر المتوسط في السنوات الأخيرة شهية الدول التي تملك حدوداً بحرية، وزاد من التوترات بين تركيا واليونان والدول المجاورة والحلفاء في حلف شمال الأطلسي. وفي إشارة إلى أن التوتر الحالي قد يتفاقم، قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، أمس الثلاثاء، إن بلاده ستكثف عمليات البحث عن مصادر الطاقة في شرق المتوسط ولن "تتنازل" عن حقوقها.