وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد شدّد خلال الاجتماع الطارئ، الذي عُقد يوم الثلاثاء، في العاصمة البلجيكية بروكسل، أنه من "واجب الحلف المشاركة أكثر، عندما تتعرّض الأراضي التركية للتهديد". وكان سفراء وممثلو الدول الـ28 الأعضاء في الحلف قد أعربوا عن تضامنهم مع أنقرة، ودعموا حقها في الدفاع عن أمنها واستقرارها في مواجهة "داعش". وطالبوا أردوغان بـ"ضبط النفس في التعامل مع العمال، وتجنّب أي تصعيد من شأنه إحباط عملية السلام بين أنقرة والحزب". غير أن سير العمليات العسكرية يُكشف أن أنقرة لم تُعر أي أهمية لنداءات حلفائها، بفعل مواصلة طائراتها المقاتلة قصف مواقع "العمال"، جنوبي الحدود مع سورية.
وتزامن ذلك مع إعلان أردوغان عن انتهاء عملية السلام، ورفضه التمييز بين "داعش" و"العمال"، بالإضافة إلى شنّ قوات الأمن التركية حملات اعتقال طالت أكثر من 1000 شخص مشتبه بعلاقتهم مع "داعش" و"العمال" و"الجبهة الشعبية الثورية" في 34 ولاية تركية.
وأجّج موقف أردوغان والعمليات الميدانية الجارية مخاوف القيادات الكردية من تعمّد أنقرة خلط الأوراق، للانتقام من الأكراد، تحت غطاء "محاربة الجماعات المتطرفة". وازدادت شكوك أكراد تركيا في نوايا أنقرة، التي ترفض بشدّة فكرة "إقامة دولة كردية" على حدودها الجنوبية.
اقرأ أيضاً: العملية التركية تحيي جبهة الأكراد في القضاء والشارع
في هذا الصدد، رأى زعيم حزب "الشعوب الديمقراطي" التركي، صلاح الدين دميرتاش، أن "الحكومة التركية تستهدف أساساً أكراد سورية في المنطقة العازلة، التي تخطط لإنشائها على الحدود السورية مع تركيا". واعتبر في مقابلة مع محطة "بي بي سي" البريطانية، أن "العملية العسكرية التركية ضد مسلحي داعش في سورية، غطاء لاستهداف حزب العمال".
أما على المستوى التركي الداخلي، فيرى بعض الأكراد أن "التحول الدراماتيكي الذي شهده خطاب قادة حزب العدالة والتنمية، جاء بعد انتخابات السابع من يونيو/ حزيران الماضي، بعد نيل حزب الشعوب الديمقراطي، 13 في المائة من مجموع الأصوات، وهو رقم فاجأ الجميع". ورأوا أن "هذا ما يُفسّر إصرار أردوغان على المواجهة مع الأكراد، الذين بات يرى فيهم خصماً حقيقياً على الحدود، كما في صناديق الاقتراع".
وفي هذا السياق، يرى الكاتبان في صحيفة "الاندبنديت" ليو كاندروفيكز، وزيا فيزه، في مقالٍ مشترك، نُشر يوم الثلاثاء، أن "الغارات التي بدأها الرئيس التركي على المواقع الكردية، تأتي بدوافع انتخابية، أكثر منها حماية للمصالح الوطنية". أما الكاتب في في صحيفة "ديلي تلغراف"، باتريك كوكبيرن، فيرى أن "القصف التركي، وإن كان موجهاً بشكل مباشر الى قواعد حزب العمال في العراق وسورية، إلا أنه يستهدف أساساً حزب الشعوب الديمقراطي، بهدف تقليص شعبيته في الانتخابات المبكرة المقرّرة قبل نهاية العام، مما يُمكن حزب أردوغان من العودة للحكم منفرداً وبأغلبية مريحة". ويلفت إلى أن "الصراع التركي مع الأكراد سوف يصبّ في مصلحة داعش. كما يخشى المراقبون أن يُؤدي قصف الطيران التركي للمواقع الكردية، إلى تأجيج مشاعر أكراد تركيا، وقد يؤدي الى اندلاع حرب أهلية".
من جهته، يرى الكاتب كن كوغلين في صحيفة "ديلي تلغراف"، أن "التكتيك التركي المتشدد من الأكراد، قد يساعد أردوغان في ضبط الحدود الجنوبية وتقويض قيام دولة كردية، واستعادة بعض القوة في الساحة السياسية الداخلية، ولكنه بالمقابل لا يساعد التحالف الدولي المواجه لداعش. وهنا تكمن نقطة الفراق بين أنقرة وحلفائها الغربيين المتمسكين بالأكراد كحليف موثوق به ويُمكن الاعتماد عليه".
ويؤكد التصعيد التركي ضد المشروع الكردي في المنطقة، ما ذهب إليه المحاضر في الجامعة المفتوحة في بريطانيا، جنكيز جونيس، ومدير مركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية روبرت لوي، عندما اعتبرا أن "غياب الدولة المركزية في سورية، لا يعني أن الأكراد قادرون على رسم نتائج الصراع أو مستقبله بقدراتهم السياسية والعسكرية المحدودة، وسيبقى مصير أحلامهم رهن علاقاتهم مع قوى المعارضة السورية الأخرى ومع القوى الإقليمية، تحديداً تركيا، التي يبدو أنها مستعدة للقتال بالأسنان والأظافر لإحباط الأحلام القومية الكردية".
اقرأ أيضاً: إنجرليك... قاعدة عسكرية تضبط إيقاع العلاقات التركية ــ الأميركية