تركيا تبطل الرواية السعودية حول خاشقجي: الجثة "أُزيلَت"

01 نوفمبر 2018
دعا سعود المعجب نظيره التركي لزيارة الرياض(محمد أنيس يلدريم/الأناضول)
+ الخط -

حسم بيان النيابة العامة التركية الصادر أمس، والذي تقرر نشره فور مغادرة النائب العام السعودي سعود المعجب مطار إسطنبول، أمس الأربعاء، الكثير من الحقائق المتعلقة بجريمة إعدام الإعلامي جمال خاشقجي، وقد فتح في الوقت نفسه باباً قد لا يغلق في ما يتصل بمصير جثة الصحافي السعودي، التي ربما تكون مُحيت من الوجود أو "أُزيلَت" بحسب البيان التركي القضائي، وهو ما يعيد إلى التداول فرضية تذويب الجثة. في غضون ذلك، عادت الضغوط إلى وتيرتها المرتفعة على الرياض، مع انضمام مجموعة جديدة من الشيوخ والنواب الأميركيين إلى المطالبين باستبدال محمد بن سلمان كولي للعهد، ومع انضمام فرنسا إلى معسكر الملوحين بعقوبات قاسية على الرياض.

وبينما كان يتوقع العالم أن تقدم تركيا الرواية الرسمية للجريمة في خطاب الرئيس رجب طيب أردوغان أمام البرلمان الأسبوع الماضي في أنقرة، جاء تثبيت تفاصيل الإعدام في بيان عن السلطة القضائية ممثلة بالنيابة العامة التي تسلمت الملف بعد أيام قليلة على ارتكاب جريمة القنصلية في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. والأهم في مضمون البيان، الذي تزامن مع انتهاء الزيارة غير المفيدة للنائب العام السعودي والتي دامت ثلاثة أيام في إسطنبول، أنه جزم بحصول تقطيع لجثة خاشقجي بعد قتله خنقاً فور دخوله مبنى القنصلية بحسب مخطط موضوع مسبقاً، ثم تم "محو" الجثة المقطعة، وهو ما يضرب كامل الرواية السعودية الصادرة على مرحلتين، في 18 و24 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حول الوفاة بشجار حيناً، وتسليم الجثة إلى "متعهد محلي" (تركي) حيناً آخر. ويعني هذا الكلام، مرفقاً بإشارة أنقرة إلى عدم تعاون الرياض في التحقيقات، أن المرحلة المقبلة قد يكون عنوانها المزيد من التصعيد التركي، من غير المعروف كيف ستتعاطى معه المملكة التي تراجعت، على لسان سعود المعجب نفسه، عن أكذوبة تسليم الجثة إلى "المتعاون المحلي"، وذلك على وقع ارتفاع حدة الضغوط الغربية على الرياض لمنع إنقاذ المسؤول الأعلى عن إصدار أمر التخلص من خاشقجي. 

وأعلنت النيابة العامة التركية في بيانها الصادر بعد ظهر أمس، أنها لم تتوصل إلى نتائج ملموسة من اللقاءات مع المدعي العام السعودي، "رغم كل جهودهم المتسمة بالنوايا الحسنة لإظهار الحقيقة"، مع إشارته إلى أن "جمال خاشقجي قتل خنقاً فور دخوله مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول وفقاً لخطة كانت معدة مسبقاً، ثم تم تقطيع جثة خاشقجي بعد مقتله والتخلص منها". والمصطلح التركي المستخدم للإشارة إلى "التخلص منها" هو أقرب إلى "المحو" في العربية، أو جعل الجثة عدماً، وهو ما يعود بقضية الإعدام إلى الكلام الذي انتشر بعد أسبوعين من الجريمة حول احتمال تذويب الجثة بعد تقطيعها بمواد سامة سبق لأردوغان نفسه أن تحدث عن العثور عليها في مبنى القنصلية، أو في البئر التي تقع في حرم المبنى، والتي بذلت السلطات السعودية كامل جهدها لمنع تفتيشها وأخذ عينات منها من قبل المحققين الأتراك. وأوضحت النيابة التركية في بيانها أن النائب العام في إسطنبول (عرفان فيدان) تلقى دعوة لزيارة السعودية في إطار قضية خاشقجي. وأضاف البيان: أبلغَنا المدعي العام السعودي بعدم صدور أي تصريح من قبل الجانب السعودي حول وجود متعاون محلي في القضية، في إشارة إلى الرواية السعودية الأصلية التي ادعت أن قتلة خاشقجي الـ15 سلموا الجثة إلى متعهد تركي محلي ليتخلص منها بدوره على طريقته. وشددت النيابة العامة في بيانها إياه، على أنه تمت مجدداً المطالبة بتسليم المشتبه بهم الذين اعتُقلوا في المملكة العربية السعودية.


وسبقت بيان النيابة العامة التركية حركة حثيثة للنائب العام السعودي سعود المعجب في إسطنبول، امتدت منذ منتصف الليل حين زار مقر الاستخبارات التركية والتقى المسؤولين فيها، قبل أن يغادر عصراً، مختتماً زيارة لثلاثة أيام لم يصدر له خلالها أي تصريح. وقبل صدور البيان التركي أيضاً، سربت مصادر من مكتب المدعي العام أن المعجب شاهد واستمع إلى مجموعة من التسجيلات التي تملكها السلطات التركية حول تفاصيل الجريمة.

كما شكك مصدر تركي في "التعاون السعودي بصدق" في التحقيق بالجريمة، بسبب عدم تقديم الرياض أجوبة كافية حول الجهة التي أمرت بتنفيذ القتل ومكان إخفاء الجثة. وأكد المسؤول التركي "الكبير" لوكالة فرانس برس أن المسؤولين السعوديين بدوا "مهتمين خصوصاً بالحصول على الأدلة التي نملكها ضد مرتكبي الجريمة"، وهو ما تمت الاستجابة بشأنه عندما سمحت للمعجب بالاطلاع على بعض التسجيلات. وأضاف المصدر التركي للوكالة الفرنسية: "لم نشعر أنهم (السعوديون) حريصون على التعاون بصدق في التحقيق". وفي السياق، اتّهم الصحافي عبد القادر سيلفي، أحد أبرز الصحافيين في "حرييت" والموالي للحكومة، النائب العام السعودي بالسعي لحماية ولي العهد محمد بن سلمان. وعلى ذمة سيلفي، فإن سعود المعجب يعرف تماماً مكان وجود جثة خاشقجي، وقد "أخفى" هذه المعلومة عن نظرائه الأتراك. وكتب سيلفي أن "النائب العام يعمل من أجل إنقاذ ولي العهد (السعودي) عبر التلاعب بالتحقيق بدلاً من إلقاء الضوء على هذه الجريمة".

وعلى صعيد الضغوط الأميركية على الإدارة بهدف محاسبة المسؤولين السعوديين عن الجريمة، طالب أعضاء جمهوريون في مجلس الشيوخ أمس، الرئيس دونالد ترامب بتعليق محادثات بشأن الاستخدامات السلمية للطاقة النووية على خلفية قضية خاشقجي "وتصرفات المملكة في اليمن ولبنان". وقال المشرعون الخمسة، بقيادة السيناتور البارز ماركو روبيو، إنهم سيستخدمون قانون الطاقة الذرية لمنع أي اتفاقات نووية أميركية سعودية إذا لم يعلق ترامب المحادثات. وكتب الأعضاء في مجلس الشيوخ: "تثير الأمور التي تتكشف في الوقت الحالي بشأن قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي وأيضاً تصرفات سعودية معينة فيما يتعلق باليمن (الحرب) ولبنان (خطف رئيس الحكومة سعد الحريري العام الماضي في الرياض) مزيداً من المخاوف الجدية بشأن الشفافية والمساءلة وتقدير صناع القرار الحاليين في السعودية". وأضاف المشرعون، وبينهم كوري جاردنر وراند بول ودين هيلر وتوديانج، أنه "بناء على ذلك، نطالب بأن توقف أي مفاوضات في المستقبل القريب بخصوص اتفاق أميركي سعودي للاستخدامات النووية السلمية".

أما في باريس، فقد اتخذ وزير الخارجية الفرنسية، جان إيف لودريان، أمس الأربعاء، موقفاً متقدماً عن تصريحات رئيسه إيمانويل ماكرون الخائفة على مصالح فرنسا المالية مع السعودية. وقال لودريان، في حديث إذاعي، إن باريس ستتخذ العقوبات اللازمة ضد الجناة السعوديين، "استناداً إلى ما ستظهره نتائج التحقيقات". ورداً على سؤال حول ألمانيا التي أعلنت أنها ستوقف مبيعاتها من الأسلحة إلى السعودية، اعتبر لودريان أنه "من الضروري أوّلاً التحرّك ضد الجاني وليس ضدّ دولة". وأضاف أنه "بحسب النتائج (نتائج التحقيقات السعودية التركية الجارية) التي سيتم إعلانها، سنتخذ العقوبات اللازمة ضد الجناة"، لافتا إلى أن بلاده تحتفظ لنفسها بجميع الخيارات بشأن هذه العقوبات (...) بالتنسيق مع شركائنا الأوروبيين". وبحسب لودريان، فإن التحقيق "يتقدّم بضغط من تركيا ولكن أيضاً من المجتمع الدولي (...)، ويتقدم من منطلق ضرورة الوصول إلى الحقيقة، ولأن الرئيس ماكرون اتصل بالعاهل السعودي (الملك سلمان بن عبدالعزيز) ليطلب منه الحقيقة الكاملة حول الموضوع".

على صعيد آخر، لا تزال وسائل إعلام غربية تتحدّث عن عودة الأمير أحمد بن عبد العزيز، الشقيق الأصغر للملك سلمان بن عبد العزيز، إلى الرياض، بعد عدة أشهر من مغادرته المملكة إلى منفى اختياري في لندن. وبينما لم يصدر أي إعلان رسمي من الجانب السعودي بهذا الخصوص، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، نقلاً عن من سمتهم "3 سعوديين مقربين من الأمير أحمد" لم تكشف عن هويتهم، إن الأخير عاد للرياض، يوم الثلاثاء. وكان موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، قد نقل عن مصدر سعودي مقرب من الأمير، أنه عاد إلى السعودية لـ"لعب دور في أي ترتيبات جديدة داخل البيت الملكي"، وذلك من ضمن كل ما يقال عن احتمال تعيين بديل عن محمد بن سلمان كولي للعهد، ربما يكون الأمير أحمد بن عبد العزيز، بحسب توقعات وتسريبات غير مؤكدة.

المساهمون